هل غسيل المخ فقط من التليفزيون؟ هل غسيل المخ فقط للأغبياء؟
يبدو أن هناك توجه فكري يتم الترويج له وتبنّيه ببطء من قبل الكثير من الناس هذه الأيام، بأن غسيل المخ فقط من التليفزيون، وأن ’الأذكياء‘ آمنون من غسيل المخ. والمفارقة المضحكة هنا هي أن هذه الفكرة في حد ذاتها غسيل مخ! بعض الناس تُغسل أمخاخهم بها.
من حيث أقف اليوم متأملاً، يمكنني بسهولة أن أخبرك أنّ لا أحد آمن من غسيل المخ، لأن هناك وسائط مكرسة وقنوات إدّعائية لكل طبقة في المجتمع ولكل نوع من الناس. غسيل المخ ليس فقط تخدير الأغبياء ليزدادوا غباءً؛ بل هو أيضاً إشغالك بالتفاهات وبالأفكار والأنشطة الهدّامة، لا البنّاءة؛ هو إبهار وإقناع الذكي كي يصبح متعصباً. ما هو التعصب؟ التعصب هو الاستمرار في الصراع على الرغم من أن الحرب انتهت بالفعل، الصراع بعد الحرب. أي أن التعصب هو الصراع من أجل الصراع، بأسباب ضعيفة إلى منعدمة أصلاً لتبرير الصراع. هل الأذكياء أو المتعلّمون آمنون من غسيل المخ في هذا السبيل؟ أبداً؛ بل إن الأذكياء والمتعلمين هم بالتحديد الشريحة المستهدفة من فطيرة المجتمع في سبيل هذا النوع من البقاء أو أسلوب الحياة.
’الإيّات‘ وسائط شائعة جداً لهذا النوع من التجنيد؛ لو معي الإيّة المناسبة لك، يمكنني أن أجنّدك كبَيْدق متعصب في سبيل قضيتي المزعومة. الإيّات تتضمن الليبرالية، والليبرتاريالية (التحررية)، والرأسمالية، والاشتراكية، والإنسانية الإحسانية، والإنسانية التحضرية، وهلم جرا، بلا آخر، حرفياً بلا نهاية، ولكن الإيّة المفضلة للنخبة، وأكثر الإيّات شعبية عند الناس، وأكثرها تأثيراً وأيسرها تكيّفاً هي…الحريّة.
إن كنت تؤمن بأي [إيّة] بحماس وعاطفة، فقد تؤمن بها على نحو أعمى أيضاً؛ إن كنت تناضل وتصارع من أجل أي إيّة، فقد تم غسيل مخك بالفعل منذ زمن بعيد. والأهم من ذلك، تعلّقك وصراعك من أجل إيّة يعني أن مبادئك تتغير وتتأقلم باستمرار لتتماشى مع الإية الأرضية، التي هي من صنع الإنسان، والتي يتم مراجعتها وتغييرها باستمرار لتتلائم مع أجندة أو برنامج الصانع من أهل النخبة. ناهيك عن المبادئ المعلّقة التي لم يتم الفصل فيها في أي إيّة، مثل الإجهاض وعقوبة الموت وقضايا الأجناس. فعندك إيّة مثل الحريّة، كانت بالأمس تعني حرية الأبيض ليستعبد الأسود وحرية المرأة لتظهر شعرها، وأصبحت اليوم حرية أصحاب البنوك ليستعبدوا الشعوب وحرية المرأة لتظهر كل جسمها فيما عدى الصدر والعضو التناسلي، والله أعلم كيف سيغير النخبة معنى الحرية غداً.
ما هو المخرج؟ ابحث عن ثابت، بدلاً من البحث عن المتغير بلا نهاية. اطلب فكراً أقامه وجود أعلى، بدلاً من فكر أسسه إنسان مثلك، بالتأكيد عرضة للخطأ، ربما متحيّز، وجلياً قصير العمر. التمس طريقك العائد إلى مصدرك، الصمد الثابت، الآخر الوارث، الخبير الباطن، الواحد الأحد. واهدي غيرك باللين إلى طرقهم العائدة إلى الصمد، حاول أن تنقذهم من الإيّات. قد يغسل الإنسان مخ أخيه الإنسان، وباستخدام الدين نفسه، ولكن الله لا يغسل أمخاخ عباده أبداً؛ التمس طريقك إليه، طريقك إلى مصدرك الصمد، بدون أن تسمح لأي إنسان أن يغسل مخك خلال الطريق، لأنّه—تذكر—لا يوجد أحد آمن من غسيل المخ، خصوصاً إن كنت تقرأ، أو تشاهد، أو تسمع للآخرين باستمرار، بدلاً من أن تجاهد كي تسمع مصدرك: ربّك.
—ياسين رُكَّه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق