الاثنين، فبراير 11

هل حقاً مرسي متردد وضعيف سياسياً؟

دكتور أحمد جلالكتب دكتور أحمد جلال:

بسم الله الرحمن الرحيم،
هذه تغريدات كتبتها صباح اليوم، محاولة لرؤية الوضع في مصر من زاوية أخرى، قد تتفق أو تختلف معها.

لم أفهم هدوء مرسي في الرد على أعمال البلطجة في محيط الإتحادية وعلى تصريحات جبهة الإنقاذ! بعد تفكير خارج الصندوق، يبدو أن هناك تفسير لما يحدث في مصر.

مرسي بعد شهر أزاح طنطاوي وعنان، وغيّر رئيس المخابرات، وأنهى ٦٠ سنة حكم الجيش لمصر دون نقطة دم! فهل يمكن أن يوصف بالجُبن أو الجهل السياسي؟

أراد مرسي تغيير النائب العام ولم تنجح أول محاولة، وكشفت عن أقنعة الكثير والحمد لله؛ لكنه صمّم وخطّط، وكان له في النهاية ما أراد.

عندما شعر مرسي بمحاولة الدستورية العليا لإرجاع الدستور والتأسيسية للمربع صفر، أصدر الإعلان الدستوري، وثارت المعارضة والإعلام. أي هاو سياسة كان سيعلم رد فعل المعارضة على الإعلان الدستوري. إذاً، لماذا؟

تصوّري أنها مناورة سياسية، "خضع" للضغط ظاهراً لكنه نفّذ ما أراده!

ألغى مرسي الإعلان الدستوري لكنه لم يلغ آثاره. سخر منه الإعلام، لكن النتيجة: النائب العام تغيّر، حصّن التأسيسية، أنهى الدستور.

حتى عندما حاول الزند ومن معه الضغط عليه لإفشال الإشراف على الاستفتاء، أقامه على يومين! النتيجة على الأرض: مرسي ينفذ أغلب ما يريده!

سامح عاشور نفسه قال: مرسي يتقدم عدة خطوات ونحن نرجعه خطوة أو اثنين؛ في النهاية هو يتقدم!

طيّب، ما هو التفسير المحتمل للوضع عند الإتحادية؟

بلطجية جبهة الإنقاذ مع الإعلام يقومون بإستفزاز صريح وفجّ؛ الهدف الوحيد منه هو الدفع لأي رد قوي، سواء من الرئاسة أو التيار الإسلامي.

تصعيد الأمر لحصار القائد إبراهيم وحرق مسجد عمر بن عبدالعزيز، يهدف لاستفزاز التيار الإسلامي للنزول! وهو ما لم يحدث.

سمعتها من زميل كاره للإخوان والسلفيين—وأغلب الظن أنها فلتة لسان، قال: ’نعمل إيه تاني عشان تنزلوا يا بهايم؟‘

لا أتصور أن أحداً سيأتي بونش لخلع باب الإتحادية وسرقته، عادي كده! :)

هذا تصرف استفزازي ليقوم الحرس الجمهوري برد عنيف! وهو ما لم يحدث.

قيل عن سبب إقالة وزير الداخلية السابق أنه طلب من مرسي توقيعه على أمر بإستخدام القوة! إذاً: المطلوب هو الرد بعنف من الرئاسة أو الإسلاميين!

مرسي رئيس مُنتخب، والعالم شهد بنزاهة العملية الإنتخابية. إذاً لا يمكن إزاحته بعد ٦ أشهر بمظاهرات. الحل هو ثورة شعبية! استحضار ثورة يناير.

جبهة الإنقاذ و الإعلام ومن يدعمهم يقومون بمناورات عديدة مثل:

١. دعوة الجيش للإشراف على الحوار.
٢. استفزاز الرئاسة عند قصر الإتحادية.
٣. محاولة إسقاط الداخلية بالهجوم على الأقسام والسجن، لتكرار ٢٨ يناير.
٤. استفزاز التيار الإسلامي بالسخرية من العلماء والهجوم على المساجد.
٥. تخويف حمدين للمستثمرين الأمريكيين في زيارتهم السابقة من الاستقرار في مصر.
٦. خطابات البرادعي للدول الأوروبية.
٧. خطاب إعلامي متشائم وسوداوي.

العديد من المناورات تهدف في النهاية لتكرار مشهد ١١ فبراير ٢٠١١:

تجمع شعبي كبير أمام الإتحادية
(أو)
عنف ودم بشكل كبير عند القصر

سواء كان هذا العنف نتيجة لممارسات الداخلية، الحرس الجمهوري، أو التيار الإسلامي، المهم يكون في دم وكتير! والنتيجة؟ نزول الجيش.

الجيش لا يستطيع عمل إنقلاب على رئيس منتخب له شرعية شعبية ودولية. الحل:خروج الأمور عن السيطرة، فيطلب الشعب الأمن ويطلب العالم استقرار مصر.

ما يقوم به مرسي ويؤكد عليه الجيش و الداخلية هو:
١. رفض استخدام القوة.
٢. الجيش لايتدخل بالسياسة.

النتيجة أن جبهة الإنقاذ تحتاج لإنقاذ! :)

الجبهة والإعلام في إنتظار أي رد عنيف من أي جانب (الرئاسة / الحكومة / التيار الإسلامي)، وعدم حدوث هذا، يستفزهم أكثر ويحرقهم في الشارع ويفسد خططهم.

حاول تتخيل الخبر ده: الحرس الجمهوري يفتح النار على بلطجية حاولوا تسلق القصر، ويموت العشرات!

تفتكروا إيه رد فعل الجبهة والإعلام؟

باقي من الزمن ٥ أسابيع (٥ أيام جمعة) حتى انتخابات البرلمان؛ عايشنا أحداث عنف قبل أي إنتخابات في العامين الماضيين. جبهة الإنقاذ بكامل طاقمها و الإعلام كانوا يصدرون هذا الخطاب قبل أي إنتخابات: إحنا مش جاهزين، مافيش أمن، الناس مش عارفة البرامج. الهدف هو تأجيل أي عملية إنتخابية! لماذا؟ لأنهم الآن يعارضون مرسي "الديكتاتور"؛ غداً سيعارضون البرلمان—أي إختيار الشعب!

ولأجل هذا أبدعت النخبة مصطلح "التوافق"، حتى في البرلمان (حسن نافعة طالب ببرلمان توافقي معيّن)؛ ليس لأنهم يعلمون ضعف تمثيلهم فقط. فكرة أن تقوم المعارضة بالهجوم على ممثلي الشعب ستضعف من رصيدهم أكثر. الأسهل أن يعارضوا الرئيس؛ البرلمان سيصدر تشريعات بعيداً عن مرسي.

صلاحيات الرئيس في الدستور أضعف داخلياً. والقوة السياسية في يد رئيس الحكومة الذي ستأتي به الأغلبية. يعني إختيار شعبي من متعدد.

إذا أصدر البرلمان قانون بمنع التظاهر عند الإتحادية، فمشكلة جبهة الإتقاذ والإعلام ستكون مع نواب الشعب وليس الرئيس! هجوم على أطراف عديدة.

عندها ستجد تيارات متعددة تشترك في إصدار قانون ما، وسيكون على الإعلام فتح النار عليها جميعاً؛ هذا سيتعبهم ويبعد الصورة عن مرسي. وهو المطلوب.

واهِم من يتصور أن أجهزة الدولة تدعم مرسي قلباً وقالباً. لكن أيضاً واهِم من يتصور أنهم يستطيعون الانقلاب على رئيس منتخب بقاعدة شعبية عريضة.

إعادة هيكلة هذه الأجهزة وخاصة السيادية سيأخذ وقتاً (لاحظوا أن مصر تسير بشكل أسرع كثيراً من تركيا). الفلول والمعارضة سيحاولون إفشال مرسي. لكن أجهزة الدولة في النهاية ستحمي الشرعية.

ما يحاول البرادعي وباقي الشلّة القيام به، هو إقحام الجيش في اللعبة، أو حرق مصر حتى يضطر للتدخل!

تصوّري أن مرسي و مؤسسة الرئاسة أدركوا المخطط؛ ولهذا كان هذا الهدوء و"الضعف" السياسي؛ إضافة لتصريح السيسي بأنه لن يتدخل، لإفشال هذا المخطط.

هأضرب كذا مثال: نزول الجيش بورسعيد والسويس، حالة الطوارئ وعدم التزام الناس بها، بالعكس لعبوا كرة مع الجيش! وسخر الإعلام من مرسي، صح؟

ما الهدف "الحقيقي" من نزول الجيش وحظر التجول؟ تحقيق الأمن؛ وهذا ما حدث. يلعبوا كورة، يلعبوا كوتشينة، ويفتكروا إنهم فوق الدولة، مش مهم. :)

مرسي أصدر إعلان دستوري وتراجع عنه (ضعيف، متردد)؛ ماشي. :) المهم إنّه نفّذ ما أراد، وغيّر النائب العام، وحصّن التأسيسية، وأنهى الدستور.

مرسي بيمدح في الجيش وكرّم طنطاوي وعنان؛ الإخوان متحالفين معهم. ماشي. :) في الآخر، أزاح المجلس العسكري، وغيّر رئيس المخابرات، والجيش ترك حكم مصر.

لما تيجي تمسك مؤسسة كبيرة، فيها فساد كبير، بيبقى عندك حل من ٢: يا تغيّر كل الناس مرة واحدة، يا تغيّر بالتدريج.

ممكن نفكر علمياً في الطريقتين: التغيير السريع والجذري يتطلب وجود بديل جاهز ومدرّب؛ لا يوجد. التغيير السريع سيجعل من المطرودين دولة كاملة عدو داخل حدودك!

التغيير السريع أصلاً وابتداءاً يفترض أنك قمت بالثورة مدعوماً بقوة عسكرية كي تنفذ هذه القرارت الجذرية؛ وهو ما لم يحدث.

في المقابل التغيير التدريجي أهدأ، ولا يبني عداوات بشكل واسع. سيعاديك قلّة ولكن الباقي من احتفظ بمنصبه سيحاول استرضاءك ليكمّل، خاصة وهو يرى أنك فعلاً قادر على إزاحة قيادات كبيرة و الإطاحة بهم.

التغيير التدريجي يعطيك فرصة لدراسة مشاكل كل مؤسسة وبحث أفضل الحلول، وإختيار المطلوب تغييره الآن، ومن يمكن تأجيله.

تركيا قامت بالتغيير التدريجي، وبشكل أبطأ من مصر بمراحل. في حين أن رومانيا وأوكرانيا عندما أزاحوا الأجهزة الأمنية بكاملها، إنقلبت الأجهزة على الثورة.

لو حاولنا أن ننظر للوضع في مصر بعيداً عن الشحن والتضليل الإعلامي، سنجد الصورة مختلفة كثيراً على الأرض.

أكيد رجال الأعمال اللي بيفتحوا مشاريع في مصر، وسامسونج اللي هتفتح مصنع في شهر مايو، أكيد عارفين وفاهمين بيعملوا إيه.

كل محاولات جبهة الإنقاذ و الفلول و الإعلام هدفها:
١. تأخير بناء المؤسسات.
٢. خلق صورة سوداوية عن الوضع في مصر للداخل والخارج.

تركيا الآن فيها رجال أعمال عَلَمَانيين، ونسبة من الشعب تكره الإسلام السياسي، ولكنها تنتخب أردوجان لنجاحه الإقتصادي! وهذا ما يخيف المعارضة.

إتكلمت كتير النهارده. :) المهم أنا متفائل جداً، رغم وجود مخاوف كتير. وسبب التفاؤل الأساسي هو رعاية الله سبحانه وتعالى لهذه الثورة. من بدأ هذا الأمر سيتمّه، وبالنصر! من أزاح عمر سليمان من المشهد، لن يتركنا. من كشف الأقنعة ورد مكر الإعلام في نحورهم، لن يخذلنا.

"وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ"؛ ولم يقل سبحانه: ويمكرون وتمكرون وأنصركم! في أي صراع بين الحق والباطل في القرآن، ستجد المولى عز وجل هو الطرف الأساسي.

"إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ"—٣٦ الأنفال. كم مرة عايشناها؟

أعلم أن البعض سيقول: هي ليست حرب على الإسلام! الله أعلم بالنوايا، لكن أريد إجابة منطقية على عدة أسئلة:

١. ترفض الإخوان سياسياً، مفهوم؛ لكن رفضهم مع السلفيين والوسط والجماعة والجهاد؟! يعني التيار الإسلامي كله؟ فهل ترفض دخول الإسلام للسياسة؟

٢. ترفض إقحام الدين في السياسة، وتطلب دعم الكنيسة! فهل هو رفض للإسلام تحديداً؟

٣. تهاجم علماء الإسلام وفقط؟

٤. تونس سارت على خطى النخبة (الدستور أولاً ورئيس توافقي)؛ فماذا حدث؟ حرق لمقار حزب النهضة، وتحميل الغنوشي المسؤولية دون الرئيس!؟!

طبعاً كل اللي فات كان محاولة لفهم الصورة من زاوية تانية! ماعنديش معلومات…لكن عندي أمل وتفاؤل وثقة في الله سبحانه وتعالى.

كتبه: د. أحمد جلال

ليست هناك تعليقات: