الأربعاء، فبراير 13

الحمد لله على تأجيل القصاص!

كتبت في قضية القصاص سابقاً، وأكتب فيها مرة أخرى بعمق أكثر: من فوائد عدم حصولنا كشعب مصري حتى اليوم على القصاص هي أن احتمال حصولنا على القصاص الحقيقي العادل ما زال قائماً، فالحمد لله على ذلك. ولا، لا أعني أن كل شيء جائز، ويمكن أن نحصل على القصاص قريباً وما زال هناك أمل، وأن هذه فائدة؛ بل أعني أننا قوم بأغلبيتنا جهلة وسطحيين وسذج، فإن حصلنا على القصاص الذي يريده أغلبيتنا من الهمج، وهو رؤية دماء الرئيس المخلوع مبارك، لصفقت وهللت وكبّرت واحتفلت هذه الأغلبية الهمجية، ورضوا تماماً عن كل شيء، ونسوا في خلال أيام أي مجرمين آخرين!

وأتحدى أي عربي يمكنه أن يجادل بمنطق أو موضوعية معي ضد هذه النقطة. بالله عليكم، بالله عليكم إن تم إعدام محمد حسني مبارك بالفعل، ألن تنسى الأغلبية العظمى من هذا الشعب المسكين بقية المجرمين والقتلة في الوطن؟ هذا هو ما أراه بمنتهى الوضوح في أناس بهذه الهمجية والسطحية والانفعالية في كل شيء. وكالعادة، محدش يزعل مني، أو اللي يزعل يتفلق، لإني مصري وأحب بلدي وشربت من نيلها الذي تلوث على يد أهلها وذقت الملح في رياح شواطئ إسكندريتها. مصر من أجمل وأهم بلاد الدنيا، ليس لأني منها وإنما لأن هذه هي الحقيقة التاريخية والموضوعية؛ ولأنها على هذه الدرجة من الأهمية، فإن من يستحقها شعب يجب أن تكون أغلبيته، أو على الأقل نخبته، أفضل بكثير من شعبنا ونخبتنا اليوم. إني أنظر حولي فأرى أن ٨ من كل عشرة أشخاص وأصدقاء عرفتهم في الماضي من وسطي الاجتماعي، اليوم كارهين للإخوان وللأحزاب الإسلامية ويحاربون المشروع الإسلامي بشكل مباشر وغير مباشر، ويشاركون في عدم استقرار الوطن بشكل مباشر أو غير مباشر، والأشد أسفاً: أغلبية هؤلاء الثمانية جاهلة بالإسلام. شيء فعلاً مؤسف جداً، ولكن قد تكون هذه دائرتي أنا فقط، وتوجد أماكن أخرى في مصر ودوائر اجتماعية أخرى أغلبيتها ذوو فطرة سليمة على الأقل، إن لم يكن عندهم عمق ومعرفة وفطنة لأعداء الوطن الحقيقيين.

ورجوعاً لموضوع القصاص، فلأني أرى أن أغلبية من حولي وأغلبية من أراهم في التعليقات على مختلف المواقع أناس أعمتهم الكراهية عن التفكير نفسه، دعك من الموضوعية أو الوسطية، فإني مؤمن أن الله يفعل الأصح وهو يفعل ما يريد، وفي هذه النقطة، إنه تأجيل القصاص. وسبب منطقي عقلاني يقنعني شخصياً جداً هو أنه عندما تظهر الدلائل القاطعة على هوية من قتل المتظاهرين من أول يوم ثورة، فوقتها لن نعرف فقط من صاحب القرار، المسئول الأول، بل سنعرف أيضاً من ضغط زناد السلاح أو طعن السلاح فقتل؛ سنعرفهم جميعاً، من أكبرهم إلى أصغرهم، وبالتالي يكون القصاص ضدهم جميعاً. أما اليوم، فالقصاص ضد المسئول الأول سوف يطفئ غل الهمج والرعاع والسطحيين والجهلاء والمتسرعيين وحتى بعض تجار الدم، ولكنه لن يُرجع للشهداء حقوقهم الكاملة، ولن يكون العدل الحقيقي، لأننا وقتها سنكون عاقبنا المسئول الأول بدون دليل قاطع على تدخله الشخصي لإحداث هذه الجرائم، وأيضاً بدون عقاب كل من شارك في تنفيذ أي أوامر أو تعليمات إلى أن نصل إلى من استخدم السلاح مباشرة في القتل.

هذه هي أكبر وأهم فائدة لعدم حصولنا اليوم على القصاص، فالحمد لله على التأجيل، والحمد لله أنه يعاملنا ويعامل الدنيا كلها بحكمته، ولا يعاملنا بما نرغب فيه نحن بجهلنا وسطحيتنا وغباء بعضنا. وأسأل الله الهداية للمغيّبين.

—ياسين رُكَّه

ليست هناك تعليقات: