من يعرفني، قد يتعجب من نقدي للإخوان أو الاعتراض عليهم أو التحذير من شيء قد يأتي منهم؛ ولكن من يعرفني [جيداً] لن يتعجب، بل قد يبتسم، لأنه يرى مني عملاً لا أقوم به كثيراً ولكنه كان دائماً يعرف أني مستعد للقيام به في أي لحظة. في مقالتي هذه أدعو القارئ المؤيد للمشروع الإسلامي إلى مقاومة ’المركزية‘ ولو كانت إخوانية؛ وأدعو القراء الآخرين، سواء ليبراليين أو مؤيدين للنظام القديم، أن يقاوموا المركزية ولو كانت برادعاوية أو ليبرالية أو فلولية.
المركزية في سياقي هذا هي تمركز السلطات أو الثروات في كيان واحد؛ سواء أكان الكيان شخص أو مؤسسة. أعي أن بعض أهل المعارضة في مصر الآن يقولون مثلاً أن الرئيس مُرسي استولى على كل السلطات، ولكن هذا موضوع جدل ويمكن أن يناقشه المختصون بالتفصيل باستخدام الدستور الجديد والقوانين الموجودة؛ وهو ليس موضوعي أصلاً. ما دفعني إلى كتابة هذا الكلام هو كلام كتبته د. فاطمة حفناوي، مدرسة الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة، ودعت فيه المصريين، وبالذات النساء، إلى استثمار مدخراتهم من الذهب والفضة في البنك ’المركزي‘ المصري لإنعاش الاقتصاد. ويبدو أن هناك الكثير من الناس ممن أعجبتهم الفكرة. هذه دعوة أرفضها قلباً وقالباً.
أولاً، أحب أن أذكُر، للأكاديميين وغيرهم، أني أعي أن فكرة المركزية أو التمركز، centralization، ليست فكرة سلبية أو خاطئة في حد ذاتها؛ أعي أن لها تطبيقات كثيرة مفيدة جداً، توفر الوقت والموارد على الشركات والحكومات، بل وأحياناً على عائلة واحدة أو عمارة واحدة في حيّ ما. ولكن، مثل أي أداة أو فكرة في الدنيا، هناك استخدامات جيدة واستخدامات سيئة أو خطيرة لفكرة المركزية. مثلاً، في الوقت الذي قد يؤدي فيه تمركز الكثير من المهام والخطوات المتعلقة ببعضها البعض، في مكان واحد، إلى الكفاءة وتوفير الوقت والموارد؛ إلا أن تمركز المسئوليات كلها على شخص واحد لا يؤدي إلى أي كفاءة، بل بالعكس، يؤثر على الشخص والعمل أو المهام نفسها سلبياً. وتمركز الصلاحيات والسلطات والثروات في مكان واحد أو مع طرف واحد أيضاً شيء فيه خطورة شديدة.
فبدون الدخول في تفاصيل أكثر لا يتسع لها الوقت أو المساحة وجمهور المقالة، أرجو من القارئ الاطلاع أكثر في هذا الموضوع، إن شاء، ليتمكن من التفرقة ما بين التمركز المحمود والمركزية المذمومة؛ وبعض الناس يمكنها التفرقة ببعض العلم والفطنة.
د. فاطمة حفناوي شاركت بفكرتها عن استثمار مدخرات الشعب من الذهب والفضة في البنك المركزي، ولا أدري إذا كانت هذه الفكرة ستجد قبولاً وشعبية أكثر فتصبح مشروعاً حقيقياً في يوم من الأيام، ولكن ما أريد أن أقوله هو أنه لا يعنيني من قد يتبنى الفكرة ومن يدعو لها: فبقدر ما أؤيد المشروع الإسلامي وأدافع عن الإخوان ضد الظلم ما استطعت، والله إن دعا إلى هذه الفكرة حزب الحرية والعدالة نفسه، وكان في استطاعتي، لحاربت الفكرة بكل ما أوتيت من قوة.
ورسالتي ببساطة هي: إياكم أن تعطوا مدخراتكم، بالذات من الذهب والفضة، إلى البنك المركزي! وإن كنتم لابد مدخرين في بنك بعض الذهب والفضة، سواء كسبائك أو مجوهرات، فلا تضعوها كلها في بنك واحد، لأن البنوك نفسها لا يمكن الثقة التامة بها هذه الأيام؛ هذا غير أن البنوك نفسها أحياناً تجمعها المصالح وتصبح ’متمركزة‘.
ثم أرجو أن يعي العرب أن البنوك المركزية ليست مؤسسات حكومية، بل شركات خاصة. قد تجد بعض ذوي المناصب والمتخصصين ممن يشككون في هذا ويتلاعبون بالألفاظ ليقولوا لك أنه ليس شركة خاصة مثل بقية الشركات، بل لها وضع خاص، وقد يقولون لك أيضاً أنها ’شركة خاصة حكومية‘! نعم، بعض محامين البنوك المركزية في الغرب يقولون هذا. اختصار الأمر وتبسيطه هو أن البنك المركزي ليس مؤسسة حكومية، بل شركة خاصة. وفر على نفسك الكثير من الجدل وافهم هذه الفكرة البسيطة، وتصرف مع الأمور ومع هذا البنك وأخباره بناءً على هذا.
فأرجو أن يقول أحدهم للدكتورة فاطمة حفناوي، مدرسة الاقتصاد الزارعي بجامعة القاهرة، هذه المعلومة، وينصحها بأن تغير فكرتها بعض الشيء، عشان ربنا يسترها مع الشعب الغلبان ده.
وهاهو تعليق بالعامّية به معلومات أكثر كتبته على صفحة ما في فيسبوك:
الكلام ده لو ينفع أصلاً نثق في البنوك، وبالذات البنك المركزي! يا نهار اسود! بنك مركزي إيه يا ناس؟ البنك المركزي ده شركة خاصة! يا عرب فُوقوا..انتوا لسه فاكرين إن البنك المركزي ده مؤسسة حكومية؟
الأمريكان برضو كانوا فاكرين إن بنك الاحتياطي الفيديرالي، Federal Reserve Bank، مؤسسة حكومية، وكثير من الشعب هناك ابتدى يكتشف ويعي إن الاحتياطي الفيديرالي ده شركة خاصة يملكها أغنى عائلات العالم، بالذات عائلة روثتشايلد.
عقبال عندنا في مصر وبقية الدول العربية كده لما الناس تعي إن البنك المركزي ده شركة خاصة.
إياكم حد يفرّط في مدخراته من الذهب أو الفضة، سواء في صورة مجوهرات أو سبائك، إلى أي بنك، سواء مركزي أو غيره! اللي عايز يصرف مدخراته في سبيل الله بدون أن يكنزها، ربنا يباركله ويعينه، لكن يصرفها فعلاً في سبيل الله في مشروع ما لحل مشكلة جذرية للفقراء أو كده، مش بس يأكلهم كام يوم وخلاص، لا، يعينهم يشتغلوا أو يعتمدوا على نفسه مثلاً. المهم يعني، يا نصرف مدخراتنا في حل مشاكل جذرية، يا تفضل زي ما هيّه كذهب أو فضة بعيداً عن البنوك، خاصة البنوك المركزية.
اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد.
—ياسين رُكَّه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق