قرأت بعض التعليقات على موضوع مفتي الديار المصرية، بمناسبة تعيينه حديثاً بالانتخاب لأول مرة في التاريخ الحديث، بدلاً من التوظيف الحكومي. ولاحظت أن حتى بعض المثقفين يروا أن المنصب ليس له أهمية، فأقول الآتي في هذا الشأن:
هذه القضية تعتمد على كيفية التطبيق وعلى الصلاحيات. إننا كأمة، ليس عندنا ’فاتيكان‘ أو قائد بسلطات مثل سلطات بابا الفاتيكان—أي أن المرجعية الدينية ليست متمركزة عندنا في مبنى أو فرد واحد حيّ، واليوم ليس عندنا حكومة ديكتاتورية تعيّن منصب المُفتي كموظف حكومة (فقد تخلصنا من النظام القديم، والنظام الجديد غيّر القوانين فجعل منصب المُفتي بالانتخاب، لا بالتوظيف الحكومي)؛ فاليوم، لأنه ليس عندنا فاتيكان ولأننا نطبق مبدأ الشورى والانتخاب—تحت مسمى الديمقراطية، فهو آمن بل ومطلوب لنا أن يكون عندنا منصب مثل مفتي الديار.
والمقصود أصلاً من اسم المنصب أنه مستشار الرئيس والوزارات والهيئات الحكومية الكبرى في أمور الدين والفتاوى الشرعية. يعني عندما يحتاج الرئيس إلى معرفة ماذا يقول الإسلام في قضية ما جديدة عليه، أهي حرام أم حلال، يذهب إلى مفتي الديار ليستشيره. فكلمة ’الديار‘ هنا تشير إلى دار الرئيس ودار الوزارة الفُلانية ودار الهيئة العِلّانية، وإلى آخره. طالما منصب مفتي الديار المصرية، هذه هي رؤيته وصلاحياته ومسئولياته الرئيسية، فهو شرف لنا أن يكون عندنا المنصب، وأن يتم اختياره بالانتخاب.
وإن تساءل أحدهم: لماذا لا يكون فريق فتوى استشاري بدلاً من مُفتي واحد؟ أقول: هذه مسئولية المُفتي نفسه؛ يطلب مساعديه وزملاءه في القضايا الكبيرة والمهمة ويتناقش معهم ويستشيرهم فيها، ثم يرجع إلى الرئيس فيقول له بماذا أفتى الفريق الاستشاري في الأزهر. أما في بعض الأمور البسيطة للرئيس أو الوزارات، فقد يفتي فيها مفتي الديار في التو واللحظة، على خط الهاتف مثلاً، وهو بالتأكيد أسرع بكثير من الحاجة إلى اجتماع فريق كل مرة طلبت دار مصرية فتوى ما. وبالتأكيد كل مؤسسة أو فريق في الدنيا يحتاج إلى قائد؛ هذه سنة الحياة. فبإمكاننا جميعاً اعتبار أن مُفتي الديار المصرية هو قائد فريق الفتاوى الشرعية الاستشاري للديار المصرية. ولأن المنصب يتم التعيين له بالانتخاب اليوم، فلا خوف من تسلط أي أحد بإذن الله، لأن علماء الأزهر دائماً سيختارون أحق وأكفأ عالم للمنصب بتوفيق الله.
—ياسين رُكَّه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق