السبت، فبراير 23

لا يغرّنك الكثرة، ولا الصغر

رسم لطريق ينتهي بمفترق طرق، الاتجاه إلى اليمين بزاوية عالية ينتهي بنور متمثل في اللون الأبيض الناصع ويتبع هذا الاتجاه فرد واحد فقط، والاتجاه الأيسر بزاوية عالية ينتهي بظلام متمثل في لون متدرج السواد، ويسلك الاتجاه أعداد كثيرة من الناس

’لا يغرّنك في طريقِ الباطـلِ كَثرةُ الهالكين. ولا يوحشنّك في دربِ الحقِ قِلةُ السالكين.‘—الفضيل بن عياض

نسخة أخرى من هذه الصورة تُنشر في بعض الصفحات الإسلامية؛ لم تعجبني النسخة الأصلية لسببين: طريق أو درب الحق فيها في الناحية الشمال، وخيال الشخصيات باللون الأبيض. قمت بتغيير تلك النسخة الأصلية إلى النسخة الموضحة هنا؛ ترى فيها درب الحق في الناحية اليمنى، نهايته نور؛ وطريق الباطل في الناحية الشِمال، نهايته ظلام. وترى خيال الأفراد باللون الطبيعي.

قال الله تعالى في كتابه الكريم:{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ}—الحاقة: ١٩. وقال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ}—الحاقة: ٢٥.

وليس المقصود أن الناحية اليُمنى دائماً هي الصواب أو الخير أو الحق، أو أن الناحية الشِمال دائماً خطأ؛ وإنما في الرسوم والصور البيانية والرمزية، هذه التفاصيل لها تأثير على العقل الباطن، فالأفضل أن تكون الرسالة الضمنية والرمزية في أي صورة مطابقة للحق وللفِكر الإسلامي كما نعرفه من القرآن والسنة.

بعض الناس قد تظن أن هذه التفاصيل غير هامة، ولكني أؤمن أن طريقة التفكير هذه، الاستخفاف بالتفاصيل، هي من أسباب تخلف العرب والمسلمين اليوم؛ إنها نفس طريقة تفكير الشخص الذي يلقي المهملات في الشارع ويقول أن ورقته الصغيرة لن تحوّل الشارع إلى مزبلة؛ وهي نفس طريقة تفكير العامِل في المصنع الذي لا يتقن قياس القطعة التي ينتجها قائلاً أنّ ملّيمتراً واحداً بسيطاً ناقص هنا أو هناك لن يجعل المنتج ناقصاً. وللأسف، هذا هو ما يجعل شوارع بلادنا ملوثة ومتسخة؛ وهو ما يجعل بعض صناعاتنا لا يُعتمد عليها على المدى الطويل.

أرجو أن يأتي اليوم الذي يعي فيه معظم العرب والمسلمين أن التفاصيل في أحيان كثيرة تكون مهمة جداً؛ وأن كل كلمة وكل فعل، مهما صغر، قد يدخل في ردود أفعال متسلسلة، فيؤدي إلى نتائج مهيبة الحجم في النهاية.

لا يغرّنّك الكثرة…ولا الصغر.

—ياسين رُكَّه

ليست هناك تعليقات: