‏إظهار الرسائل ذات التسميات اللغة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات اللغة. إظهار كافة الرسائل

الخميس، أغسطس 22

شعب رداح بالتلقين!

القراءة الصوتية للمقالة

هُوَّ الصوت العالي والردح العوالمي والجعجعة والتهزيء العَلَني من المذيعين المصريين على التليفزيون أمام الشعب كله ده المفروض إنه يكون ’إعلام‘؟ المفروض دي برامج تليفزيونية؟ والشعب قاعد بيتعلم إزاي ينقد وإزاي يرفض وإزاي يتكلم من المذيعين دُول؟ هُوَّ ده مصدر تلقين شعبنا وأطفالنا ومراهقينا والبسطاء وكمان المتعلّمين أنفسهم بحُكم العادة والتعود و’أُلفة‘ القبح والإثم والإسفاف؟ تخيّل لما المواطن المصري، سواء متعلم أو غير متعلم، ’يألف‘ الإسفاف والجعجعة والصوت العالي في النقد والرفض! عارف يعني إيه أُلْفِة القبح؟ إنك تألف القبح وتاخد عليه وياخد عليك؟ إلى إنه يصبح ده...العادي؟!!

الناس دي لو مكنش فيه جمهور ليها بيفتح التليفزيون ويبعت كل واحد فيهم الإشارة (السِجْنال) إن مُشاهد آخر عمل اتصال أو صلة ما بين جهازه في البيت والبث التليفزيوني من البرج، لو مفيش جمهور بيفتح ويتفرج ويزوّد شهرة البرنامج، لا يمكن كان البرنامج يستمر. اللوم مش على المذيعين واللي مشغلينهم فقط، وإنما اللوم على مئات الآلاف أو الملايين اللي بيتفرجوا.

محدش يقول لي إحنا شعب ’متدين‘ بالفطرة...إحنا شعب تافه بالفطرة، شعب سفيه بالفطرة، شعب جعجاع وحلانجي وفهلوي ورَدَّاح بالفطرة! في الحقيقة...الجنس البشري كله، سواء عرب في قبائل بدوية بتدبّح في بعض عشوائياً بسبب وبدون سبب قبل ما يهذبهم الإسلام، أو قراصنة اسكندنافيين (فايْكِنْجْزْ) في قرى همجية بتعمل غارات على بعضها البعض وعلى جيرانها بسبب أو بدون سبب قبل ما تهذبهم المسيحية الأصيلة قبل ظهور الإسلام، الجنس البشري كله...همجي ودموي بالفطرة، لولا رسل الله ورسائل الله له—الجنس البشري. وإن لم يكن شعبٌ ما دموياً لأن القوانين تمنعه، فهو مريض لا محالة بدون الله (ولنا في اسكندنافيا اليوم عبرة وأنا منهم).

لكن غالباً، تكرار كلمة ’بالفطرة‘ هنا غلط ولا يجوز؛ غالباً، أنا غلطان إني أكرر الكلمة في هذا السياق. أعتذر؛ مش للشعب ولا للجنس البشري، وإنما أعتذر لله سبحانه وتعالى. لأن اللهَ يقولُ في كتابهِ الكريم: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّـهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّـهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}—سورة الروم: ٣٠. يعني إحنا كجنس بشري لو لينا أي ميزة بالفطرة، فإحنا موحدين مؤمنين بالله وحده ومستسلمين ليه بالفطرة. إذن، فما هي المشكلة؟ ومن أين أتت كل هذه الدموية والهمجية؟ في فهمي، هي أتت بالتلقين. فكما أن ’كلُّ مولودٍ يُولَدُ على الفطرة، فأبواه يُهَوِّدانِه أو يُنَصِّرانِه‘، فكل مولودٍ بالتأكيد يولد على الفطرة السليمة، فأبواه ومعلمينه وإعلامه وحكومته وقنواته التليفزيونية ورموزه التاريخية يفقدونه إنسانيتَهُ ورفيعَ خلقِهِ وتحضرهِ وأدب حواره وكلامه. فقد نكون شعباً وجنساً بشرياً موحداً وإنسانياً بالفطرة، ولكننا نتحول إلى همج ورعاع وحيوانات بالتلقين والتعليم والتقليد من رموزنا الحاضرة، ومنهم مشاهير وإعلاميين همج ورعاع.

نعم، يا سادة، إننا شعبٌ…رَدَّاح بالتلقين.

—ياسين ركه

الاثنين، يونيو 17

أيخدعوننا أم يخدعون أنفسهم؟

يتشدقون بكلمة ’الاعتصام‘، وأبو اعتصام منهم بريء. يتشدقون بكلمة ’سِلْمِيَّة‘، والحاجّة سلمية منهم بريئة. لم يقل لي الإخوان أو إعلام الإخوان أو مرشدهم أو برنجانهم شيئاً عن هذا، بل رأيت بعيني. والله العظيم رأيت بعيني في عدة فيديوهات، المولوتوف والحجارة تُقذف قذفاً على أسوار قصر الرئاسة وتقذف داخله، ورأيته في أحداث غير الاتحادية؛ إن كان هذا ’اعتصامكم وسِلْمِيَّتكم وثورتكم وتظاهركم‘، فتباً لكم ولما تفعلون وما تدعون إليه وما تأفكون بألسنتكم الكاذبة وأقلامكم الآثمة؛ تبّاً لكم ثم تبّاً وسُحقاً.

فإن رأينا المولوتوف والحجارة في ’اعتصامكم السلمي‘ يوم ٣٠ يونيو تُقذف على أملاك الدولة ومباني الدولة الحساسة، وظللتم تتشدقون بالاعتصام والسلمية، فأسأل الله ألا يكون في حلقي كلاماً حينئذ، بل يكون بصاقاً؛ فأبصق ثم أسكت، لأني وقتها أكون بالفعل قلت ما عندي في جبروت هذا التمثيل والكذب الوقح.

من تبقى في عقله ذرة عقل، لأدرك أن التغيير يأتي بالصندوق الآن. فإن كانت المعارضة على حق وكانت فعلاً الأغلبية، وإن كانت محترمة أصلاً، لاستخدمت انتخابات البرلمان لتأتي بحزب أغلبية جديد يخفف الإدارة السلبية المزعومة للرئيس، ثم لاستخدمت انتخابات الرئاسة بعدها لتتخلص تماماً من بُعبُع الإخوان. ولكن...مفلس الفِكر لا يسعه سوى الكذب واستخدام الحيل اللغوية كي يغسل أمخاخ الناس، مثلاً بأن المولوتوف اعتصام سلمي؛ ومفلس العشيرة لا يسعه سوى استخدام القوة السلاحية والمؤامرات كي يفرض رأيه على الأغلبية. نخبة ليس معها سوى إفلاس...إفلاس فِكري وإفلاس تأييد؛ ولكن هناك جيل رضع وفُطِم على إعلام هذه النخبة، ثم نشأ كلٌ منهم كَتِرس في ماكينتهم العملاقة؛ ثم هناك جيل آبائهم الذي نشأ عليه لعشرات من السنوات. فقد لا يكون من العجيب أن يسمع لهم بعض من ضلّوا من أهل هذين الجيلين.

والطريف في الأمر أنهم يقولون علينا نحن مغسولي الأمخاخ وخرفان ونسمع لكلام المرشد أو لإعلام الإخوان (لمن ليس في الجماعة)! وأين هو إعلام الإخوان بالضبط من إعلام الإفك والدياثة، بأمواله ولمعانه وأضوائه وبغاياه وديّوثيه؟ أصلاً من الأشياء التي أنتقدها بشدة في الإخوان هي أدائهم الذي يُرثى له في مجال الإعلام—بل بدائيتهم في الإعلام!

النخبة والمعارضة يقولون علينا مغسولي الأمخاخ ومضحوك علينا، ونحن نقول عليهم مغسولي الأمخاخ ومضحوك عليهم؛ كان من الممكن أن أحتار في الأمر قليلاً وأحتاج إلى التفكّر وسؤال نفسي مثلاً: ماذا لو أنهم على حق؟ ولكن هذه المرة، الموضوع لا يحتاج إلى الكثير من التأمل، لأنني عندما أسأل نفسي—قبل أي شخص آخر: ما الذي [يُمْكِن] أن يغسل مُخي؟ أين هو الإعلام أو البروباجاندا التي يمكن أن تغسل مخي؟ أسأل نفسي ماذا يمكن أن يكون مصدر مثل هذه الخديعة والبرمجة العقلية واللغوية، فلا أجد أي إجابة أو أي اختيارات محتملة؛ لأن إعلام الإخوان يكاد يكون منعدماً من الأصل، أو يبدو كقزم مسكين بجانب عملاق، مقارنة بإعلام المعارضة والفلول والنخبة! أنا لا أشاهد تليفزيون من الأصل، وإن شاهدت أمثلة في الماضي، يمكنني بسهولة الحكم على الفرق الشاسع بين ميزانية وقدرات وخبرات وأضواء وجنود النخبة الإعلامية وكاريزميتهم على جانب، وهزالة وبؤس الإعلام الإخواني على الجانب الآخر. فإعلام الإخوان يكاد يكون منعدماً، وإن تواجد، فأنا أصلاً لا أتعاطاه على الإطلاق. فإما أني غسلت مخي بنفسي، وهذا لا أرى له مكاناً في المنطق أو الواقعية؛ وإما أني بالفعل فكرت وقارنت هذه الأمور بموضوعية.

وبعيداً عن الإخوان أو المعارضة أو السياسة كلها، إني أعلم أنه مبدئاً في الحياة وحقيقة باطنة أنه مهما كانت ظروف شعب ما سيئة، إن لم يكن هناك دلائل قاطعة على تورط طرف ما في هذه الظروف، إن لم يكن هناك علاقات مباشرة—لا جدل فيها—تربط الدلائل بطرف ما، فلا يمكن للعاقل المحايد المتفكر إلا أن يستنتج أن الناس ترى ما تريد أن تراه أغلب الأوقات، وأن الضيق والمشاكل في الحقيقة نابعة من داخلهم هم أنفسهم؛ والدليل القرآني على ذلك قاله الله تعالى لنا في كتابه الكريم: {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}—الأنفال: ٥٣، وقال تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّـهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ}—الرعد: ١١.

فمن الذي يرى مشاكلاً ومساوءاً أكثر من حلولاً ومبشرات خير؟ ومن السبب في أي مشاكل في الوطن اليوم؟ الحكومة أم الأمن والشرطة أم الناس أنفسهم؟ أم أن لكل من هؤلاء دور في مشاكل محددة، وفي النهاية أكبر مسئول عن المشاعر السلبية هم الناس أنفسهم؟ من الذي يجب أن يتغير اليوم، الحكومة أم الناس؟

من المضحوك عليه هنا؟ من الخادع ومن المخدوع؟

{يُخَادِعُونَ اللَّـهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}—البقرة: ٩.

—ياسين رُكَّه

الثلاثاء، يونيو 11

الجهل فوضى وجاهلية وظلم في ثياب مسئولية

المشكلة في جذورها وأصلها دائماً مشكلة جهل، جهل المتعلمين وخريجي المؤسسات الأكاديمية قبل جهل البسطاء؛ ثم مشكلة طغيان عاطفة على الرؤية العقلية، فيُعمِي القلب الأعمى العقل عن رؤية الأمر من منظور عقلاني موضوعي محايد. الجهل يؤدي إلى ضبابية فكرة مثل «المسئولية». الإنسان الجاهل لا يدرك أين تبدأ مسئوليته الشخصية، وأين تنتهي؛ أين تبدأ مسئولية رئيس الحيّ، وأين تنتهي؛ أين تبدأ مسئولية المحافظ، وأين تنتهي؛ أين تبدأ مسئولية رئيس الدولة، وأين تنتهي؛ الإنسان الجاهل عنده كل هؤلاء ’حكومة‘، المحافظ ورئيس الحيّ ورئيس الدولة؛ ولأن كلهم حكومة، فتقصير أحدهم هو تقصير للحكومة كلها. على وتيرة أن المرأة السويدية العارية تعني أن كل السويديات عاريات؛ وأن الشيعي الذي يضرب نفسه يعني أن كل الشيعة يضربون أنفسهم؛ وإلى آخره. والإنسان الذي أعمته العاطفة عن العقل والمنطق، يرى أن ’الحكومة‘ تساوي ’الإخوان‘. والإنسان الجاهل الفاشل الكسول يلخص كل هذا في شخص واحد، مثل رئيس الدولة، ويخرج نفسه تماماً من المعادلة والمسئولية؛ أو يعتبر أن قيامه بوظيفته كي يكسب المال هي مسئوليته وفقط، وبقية الدنيا كلها مسئولية هذا الشخص الواحد.

ومن الجهل العام تأتي ضبابية الكثير من الأمور والأفكار، فتصبح أشياء وأفكار لها تعريفات محدودة، مثل المسئولية، أمور جدلية قابلة للاختلاف عليها، كُلّ بحسب رأيه الشخصي، بدلاً من أن يكون الأمر متفق عليه وله تعريف محدد يرجع إليه المتعلم وطالب العلم.

عندما تكون الدائرة دائرة جهلاء بمؤهلات أكاديمية، فالساحة مفتوحة لأرخص سيناريوهات التضليل والتعتيم الإعلامي. جاهلان يتحدثان عن أمر يظنّان أنه محل جدل ولا تعريف له وراجع إلى الرأي الشخصي، فماذا تظن سيحدث عندما يسمع أحدهما أو كلاهما كلمة تؤيد رأيه الجاهل في الإعلام الموجه؟

والجهل نرى منه الجاهل بدينه يزعم أنه يعرف دينه جيداً. ونرى منه الجاهل في السياسة يعطي رأيه في السياسة والسياسيين. الجهل. الجهل فوضى وجاهلية. وهو تماماً ما نرى الكثير من الناس عليه اليوم...فوضى وجاهلية، وظلم في ثياب مسئولية.

—ياسين رُكَّه

الأحد، فبراير 24

اعطني شعباً بلا إسلام في العقل

كذب النازيّ. بل اعطني شعباً بلا إسلام—في عقله، لا يميز الفاسق ولا يراجع الأنباء، ثم اعطني ميكروفوناً، أعطيك حرباً في عشية وضحاها. أعطيك غنماً، أعطيك عبيداً، أعطيك جنوداً، أعطيك شعبين من الشعب. أعطني شعباً بلا إسلام في العقل، ثم اعطني ميكروفوناً، أعطيك أي شيء.

—ياسين رُكَّه

السبت، فبراير 23

كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟

كل كلمة نكتبها ونقولها، سنحاسَب عليها. كل كلمة!

{مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}—ق: ١٨.

أي كلمة نكتبها أو نقولها قد تكون ترساً من أتراس ماكينة الحرب في النهاية، أو أحد أسباب التبسّم في اتفاقية السلام والتعاون؛ أي كلمة قد تدخل في معادلات تسلسلية تؤدي إلى نتيجة لم نكن أبداً نتخيلها عندما كتبنا تلك الكلمة، تماماً مثل القنبلة الذرية، في حجم الثلاجة، ولكن تدخل في ردود أفعال تسلسلية تدمر مدينة بأكملها.

«إنَّ العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ—مِن رضوانِ اللهِ، لا يُلقي لها بالًا، يرفعُه اللهُ بها درجاتٍ؛ وإنَّ العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ—مِن سخطِ اللهِ، لا يُلقي لها بالاً، يَهوي بها في جهنَّمَ!» الراوي: أبو هريرة | المحدث:السيوطي | المصدر: الجامع الصغير - الصفحة أو الرقم: ٢٠٦٠ | خلاصة حكم المحدث: صحيح.

وكل من قال ’لا إله إلا الله‘ (وإن علمنا أنه لا يؤمن بها!) دمه حرام على المسلم. فقبل أن تكتب كلاماً أو تنشر صوراً تزيد الكراهية ضد الشيعة، وتحث على معاداتهم، وتمهد الطريق إلى حرب ضدهم، تُراق فيها دماء من الجانبين تؤمن بلا إله إلا الله، تذكر آيات الله وأحاديث الرسول، واعلم أنك لا يجب أن تكون من يطلق الرصاص أو يستخدم النصل في القتل؛ إن كنت ممن تسببت في بدء الحرب بلسانك وقلمك، فأنت مسئول وقتها. وكلمة لا إله إلا الله وحدها ستكون خصمك يوم القيامة بجانب الشيعي الذي تسببت في قتله بكلمة منك، بدلاً من أن تدعو إلى الحوار معه.

«أجمع لي نفراً من إخوانك حتى أحدثهم. فبعث رسولاً إليهم. فلما اجتمعوا جاء جندب وعليه برنس أصفر. فقال: تحدثوا بما كنتم تحدثون به. حتى دار الحديث. فلما دار الحديث إليه حسر البرنس عن رأسه. فقال: إني آتيكم ولا أريد أن أخبركم عن نبيكم؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثاً من المسلمين إلى قوم من المشركين، وإنهم التقوا فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقصد إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله؛ وإن رجلاً من المسلمين قصد غفلته. قال: وكنا نحدث أنه أسامة بن زيد. فلما رفع عليه السيف قال: لا إله إلا الله. فقتله. فجاء البشير إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله فأخبره. حتى أخبره خبر الرجل كيف صنع. فدعاه. فسأله، فقال: ”لم قتلته؟“ قال : ’يا رسول الله، أوجع في المسلمين. وقتل فلاناً وفلاناً. وسمى له نفراً. وإني حملت عليه، فلما رأى السيف قال: لا إله إلا الله.‘ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”أقتلته؟“ قال: ’نعم‘. ”فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟“ فجعل لا يزيده على أن يقول: ”كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟“» الراوي: جندب بن عبدالله | المحدث: مسلم | المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: ٩٧ | خلاصة حكم المحدث: صحيح.

”كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟“

”كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟!“

الجهل النقاشيّ في أمتنا

من مظاهر الجهل الشديد في النقاش والحوار في أمتنا هي استنتاج كلاماً على أمزجتنا، لم يقله الشخص الذي نحاوره. مثلاً، يقول الشخص أن نسبة الأمّيين في الريف المصري كذا وكذا، ثم يردد المذيع بعده ’يعني كل الفلاحين في مصر أميين؟ لا حول ولا قوة إلا بالله‘، وهو إما مذيع جاهل أو أنه يريد أن يضع كلاماً على لسان الضيف لم يقله الضيف؛ أو تجد الجرائد العربية في اليوم التالي منشورة بعنوان مثل ’المسئول الفلاني في الحكومة يفجر تصريحاً بأن الفلاحين أميين!‘ ومثال آخر نراه بكثرة في الإعلام والشارع عامة هو أن يقول الناقد ’هذا فِكر عَالَمَاني، ولا يمتّ أصلاً للأكاديمية بصلة‘، فيكون رد فعل الطرف الآخر على وتيرة ‘وتتهمني أني عَلَمَاني؟! سنترك لحضرتك الأكاديمية والعِلم في كل شيء!‘

شيء فعلاً مخزي؛ شيء يُرثى له ويقطر جهلاً. وبالمناسبة، عندما يقوم مشاهير الإعلام وتقوم الجرائد الكبيرة بمثل هذه الأفعال، فماذا تنتظر من المواطن البسيط الذي يناقشك أو يتحاور معك في قضية ما؟ ما هو وقتها، هذا المذيع المشهور وهذه الجريدة الكبيرة تعتبر بمثابة القدوة في نظر المواطن البسيط، وهو يقلدها! هذه هي الحقيقة. المواطنون البسطاء يبحثون عن أي مثال يقلدونه، لأنهم نشئوا على ذلك؛ بل وهذه هي الطبيعة البشرية الاجتماعية التي يقل جداً من يقاومها؛ إنها فطرة اجتماعية بحتة أن نبحث عن مثال أو قدوة نحتذي بها، كي نشعر بالانتماء والوحدة الروحية مع من حولنا. فإن لم نعرف تفاصيل كافية عن قدوة حقيقية مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فماذا تظن أننا نفعل؟ إننا نبحث عن أي قدوة أو مثال آخر! فإن لم يجد المواطن مثالاً يُحتذى به في الحوار والنقاش وتفسير ما يقوله الطرف الآخر، فماذا سيفعل؟ بالتأكيد سيستخدم أول مثال أمامه في الحوار والنقاش؛ وما هو أول مثال في الحوار والنقاش يمكنك أن تجده في عالم اليوم؟ مذيع على شاشة التليفزيون يفسر ويعيد كلاماً ويناقش ضيفاً ما!

فعندما يكون أسلوب هذا المذيع بهذا الجهل والتخلّف أو بهذا الخبث والتزوير المخزي، فما الذي سيلتقطه المشاهد؟

ما ذكّرني بهذه القضية، بعد سيل من الفيديوهات—على يوتيوب—المنشورة بعناوين مبالِغة أو مُضَلِّلَة جداً ولا علاقة لها بمحتوى الفيديو خلال الشهور الأخيرة، هو فيديو يُنشر هذه الأيام عن استهزاء جمال عبد الناصر ومن حوله بالحجاب وبالثقافة الإسلامية التي تمنع الفن السافر؛ وبالرغم من أني أعي جيداً أن عبد الناصر كان يحارب شريعة الله، ويعذّب الإخوان المسلمين في المعتقلات، وساعد في استوطان إسرائيل بحركة في منتهى الدهاء وهي إرسال يهود مصر إلى إسرائيل تحت ستار إعلامي من ’طرد اليهود من مصر‘ (ويا له من دهاء سياسي إعلامي!)، إلا أن كل هذا لا يعني أن أبالغ أو أكذب في تصريح قام هو به.

كان هذا تعليقي على الفيديو:

عنوان الفيديو مضلل ويضع كلاماً على لسان عبد الناصر هو لم يقله، فللأسف لا أستطيع إعادة النشر، لأن هذا هو نفس أسلوب المعارضة وإعلام الكذب والدعارة السياسية الذي يضع كلاماً وهمياً على ألسنة الرئيس وساسة الأحزاب الإسلامية؛ فلماذا نقبل على خصومنا ما نرفضه على أنفسنا؟ لا لازدواجية المعايير، ونعم للخصومة الشريفة.

وهذا ليس دفاعاً عن عبد الناصر بالتأكيد؛ هذا الرجل كان محارباً لشريعة الله بما لا يدع مجالاً للشك، وعذب الكثير من الإخوان في المعتقلات؛ ولكن كل هذا لا يبرر أن نتبع نفس أسلوب خصومنا في وضع كلام على لسان الغير هو لم يقله. هذه ثقافة جاهلة كاذبة، أرجو من العرب نبذها وتركها، لأنها حقيقة تخلف ثقافي ومستوى متدني في الحوار، أعاني منه شخصياً مع الكثير من الناس ممن يستنتج كلاماً على مزاجه مما أقوله، ثم يقوّلني كلاماً لم أقله. الله يهدينا جميعاً.

—ياسين رُكَّه

الثلاثاء، فبراير 12

مصطفى حسين يرسم الشعراوي بإشارة باهومت!

Strange-caricature-of-Shaarawy

هل ظن مصطفى حسين أن العرب ليس فيهم من يفهم؟

لماذا يرسم مصطفى حسين الشيخ الشعراوي هكذا؟ ما هذه السحابة وهذا المكان؟ هل الشيخ في السماء؟؟ وما هذه الإشارة بيديه؟ اليمنى تقول لا، واليسرى تشير إلى الموجه إليه الكلام؟ هذا ما يريدنا أن نفهمه الرسام الكاريكاتيري، ولكن حقيقة هذه الإشارة، خاصة عندما تكون الذراع اليمنى مرتفعة لهذه الدرجة التي تكاد تكون غير طبيعية...الحقيقة نراها في صورة باهُومِتْ (بافُومِتْ Baphomet)، الشيطان كما يتخيله السحرة وعبدة الشيطان، وباهومت أيضاً يعتبروه سخرية من الرسول عليه الصلاة والسلام (لاحظ الهلال الأبيض فوق اليمنى والهلال الأسود تحت اليسرى!).

والإشارة تعني بالإنجليزية:
As above, so below

وهذه الجملة هي أشبه باللغز، ويتعسر ترجمتها إلى العربية بدقة، ولكن عدة ترجمات قد تساعد القارئ العربي على الفهم:
• كما فوق، هو تحت
• كما فوقكم، هو تحتكم
• ما فوقنا، هو تحتنا
• الله هو سيد السماء، والشيطان هو سيد الأرض

كل هذه الترجمات تشرح معنى اللغز الذي يُشار إليه فقط بهذه العلامة من الذراعين واليدين. فلماذا يقوم مصطفى حسين برسم شيخنا الشعراوي هكذا؟ وهل هي صدفة؟

تحديث: بعد نشري لهذه الصورة والمقالة، رأيت أن بعض الناس تضحك على هذا التحليل والاحتمال. مساكين الناس...عندما يواجههم شيء لا يفهمونه على الإطلاق، يتسرعون في السخرية منه أو الضحك، يقيناً أنهم يعرفون الحقيقة.

ما يثير فضولي هو ما الذي يعتمد عليه هؤلاء الناس كي يكونوا متأكدين تماماً من صحة ظنهم في قضية مثل هذه؟ كيف تكون متأكداً؟ لابد من الإيمان العميق بالصدف أو المصادفة، أليس كذلك؟ لابد من الإيمان العميق بأن التلقائية في أي شيء لا سبب عميق لها، بل هي فقط تلقائية عشوائية! لابد من الإيمان بالعشوائية والمصادفات في نفس الوقت. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل العشوائية والمصادفات حقائق علمية؟ بل هل العشوائية والمصادفات أفكار أو استنتاجات علمية من الأصل؟ العلم الحديث يقول لا، ولكن هذه نظريات متقدمة جداً ولم يسمع عنها أغلبية الناس من الأصل.

ماذا أيضاً؟ ماذا نحتاج كي نؤمن يقيناً أن مصطفى حسين بريء وأن احتمال أن هذا الرسم مقصود شيء مستحيل؟ نحتاج إلى أن تكون إشارات اليد أشياء غير هامة. لابد أن تكون إشارات اليد شيء تلقائي فقط وغير هام على الإطلاق. بعيداً عن الطب والرفلِكسولوجي والعلوم الكونية الأخرى التي تتطرق إلى أهمية اليد وطريقة استخدامها، من دين الإسلام نفسه أقول: إذا لم تكن إشارة اليد مهمة، فلماذا أمر الله رسوله بأن يشير بإصبع السبابة ويحركه تحريكاً خفيفاً في كل تشهد وفي كل صلاة؟ ولماذا أمر رسول الله أن يضع الكف الأيمن تحديداً فوق الكف الأيسر أثناء الوقوف وقراءة القرآن؟ ولماذا رفع اليدين إلى الكتفين عند الله أكبر وسمع الله لمن حمده؟ لماذا كل هذه الإشارات، وخاصة إشارة السبابة في التشهد؟ أشياء رمزية فقط؟ بجد؟ الله يأمرنا بشيء رمزي وغير ذي أهمية لنفعله في كل صلاة وفي كل تشهد؟

إذا كل هذه الأسئلة لم تجدي مع المتشكك والساخر، فكل ما أستطيع أن أقوله هو أن الإنسان عدو ما يجهله. وأنه أحياناً يكون الشيء أعمق بمراحل كبيرة من أن يستوعبه إنسان، فلا يجد هذا الإنسان ما يحفظ به ماء وجهه أو يشعر به بالثفة بنفسه سوى السخرية والاستهزاء بما يجهل. تماماً كما سخر البعض في الماضي ويخسر ملاحدة اليوم من فكرة وجود الله من الأصل، فيقولون عليها أساطير الأولين. قد يحلو للمستهزئ أن يقول أن هذه خرافات وأساطير، وتحميل للأمر أكثر من أهميته، تماماً وكأننا نقول أن إشارة السبابة في التشهد وتحريكها (كما في الحديث الصحيح) ليست مهمة لهذه الدرجة، وهي مجرد إشارة رمزية؛ وهو جهل وسطحية وتسرع في الحكم على شيء أمرنا الله به في أهم عبادة بل أهم شيء نفعله في الحياة، وهو الصلاة.

فعلاً، الإنسان عدو ما يجهله، وأحياناً يكون الخبر سابق لزمانه. معظم الناس ليست مستعدة بعد لدراسة عمق الإشارات، دعك من فهمها. وهو بالفعل...أسهل بكثير أن نقنع أنفسنا أن كل شيء في الحياة بسيط جداً، ولا يوجد عمق له أو تعقيد، وكأن الذرة نفسها، المكون الرئيسي للكون الحسّي، بسيطة مثلاً. ذو العقل البسيط والعلم البسيط لا يستطيع أن يرى سوى البساطة؛ هذا هو الموضوع ببساطة. وما أبسط السخرية والضحك.

هي مذعرة للشيطان [أي الإشارة بالأصبع].
الراوي: عبدالله بن عمر | المحدث: ابن الملقن | المصدر: تحفة المحتاج - الصفحة أو الرقم: ١/٣٢٥ خلاصة حكم المحدث: صحيح أو حسن [كما اشترط على نفسه في المقدمة]

الإشارة بالإصبع أشد على الشيطان من الحديد.
الراوي: عبدالله بن عمر | المحدث: ابن الملقن | المصدر: تحفة المحتاج - الصفحة أو الرقم: ١/٣٢٥
خلاصة حكم المحدث: صحيح أو حسن [كما اشترط على نفسه في المقدمة]

كان ابن عمر إذا جلس في الصلاة، وضع يديه على ركبتيه، وأشار بإصبعه وأتبعها بصره، ثم قال: قال رسول الله—صلى الله عليه وسلم: لهي أشدّ على الشيطان من الحديد! يعني: السبابة.
الراوي: عبدالله بن عمر | المحدث: الألباني | المصدر: تخريج مشكاة المصابيح - الصفحة أو الرقم: ٨٧٧
خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن

وبناءً عليه، فإن كانت الإشارة بإصبع التوحيد أشد على الشيطان من الحديد، وهذا ليس إدعائي، وإنما قول الرسول عليه الصلاة والسلام نفسه، فلماذا يا أهل العقل تستبعدون احتمال أن الشيطان يعلم أولياءه إشارات ترضي الشيطان بدلاً من الإشارات التي تؤلمه؟ أليس هذا منطق سليم بناءً على الدليل الديني؟ وبناءً على هذا، فما المشكلة في أن تكون بعض الشخصيات المشهورة والهامة في الوطن العربي خائنين للوطن أو الدين، أو للاثنين معاً، ويكتبون ويعملون من أجل مجموعات نخبة لا دين لها من الأصل، وتعمل من أجل الدنيا والتفاهات التي يعدها الشيطان لرؤساء مجالسهم؟

—ياسين رُكَّه

منصب المُفتي

قرأت بعض التعليقات على موضوع مفتي الديار المصرية، بمناسبة تعيينه حديثاً بالانتخاب لأول مرة في التاريخ الحديث، بدلاً من التوظيف الحكومي. ولاحظت أن حتى بعض المثقفين يروا أن المنصب ليس له أهمية، فأقول الآتي في هذا الشأن:

هذه القضية تعتمد على كيفية التطبيق وعلى الصلاحيات. إننا كأمة، ليس عندنا ’فاتيكان‘ أو قائد بسلطات مثل سلطات بابا الفاتيكان—أي أن المرجعية الدينية ليست متمركزة عندنا في مبنى أو فرد واحد حيّ، واليوم ليس عندنا حكومة ديكتاتورية تعيّن منصب المُفتي كموظف حكومة (فقد تخلصنا من النظام القديم، والنظام الجديد غيّر القوانين فجعل منصب المُفتي بالانتخاب، لا بالتوظيف الحكومي)؛ فاليوم، لأنه ليس عندنا فاتيكان ولأننا نطبق مبدأ الشورى والانتخاب—تحت مسمى الديمقراطية، فهو آمن بل ومطلوب لنا أن يكون عندنا منصب مثل مفتي الديار.

والمقصود أصلاً من اسم المنصب أنه مستشار الرئيس والوزارات والهيئات الحكومية الكبرى في أمور الدين والفتاوى الشرعية. يعني عندما يحتاج الرئيس إلى معرفة ماذا يقول الإسلام في قضية ما جديدة عليه، أهي حرام أم حلال، يذهب إلى مفتي الديار ليستشيره. فكلمة ’الديار‘ هنا تشير إلى دار الرئيس ودار الوزارة الفُلانية ودار الهيئة العِلّانية، وإلى آخره. طالما منصب مفتي الديار المصرية، هذه هي رؤيته وصلاحياته ومسئولياته الرئيسية، فهو شرف لنا أن يكون عندنا المنصب، وأن يتم اختياره بالانتخاب.

وإن تساءل أحدهم: لماذا لا يكون فريق فتوى استشاري بدلاً من مُفتي واحد؟ أقول: هذه مسئولية المُفتي نفسه؛ يطلب مساعديه وزملاءه في القضايا الكبيرة والمهمة ويتناقش معهم ويستشيرهم فيها، ثم يرجع إلى الرئيس فيقول له بماذا أفتى الفريق الاستشاري في الأزهر. أما في بعض الأمور البسيطة للرئيس أو الوزارات، فقد يفتي فيها مفتي الديار في التو واللحظة، على خط الهاتف مثلاً، وهو بالتأكيد أسرع بكثير من الحاجة إلى اجتماع فريق كل مرة طلبت دار مصرية فتوى ما. وبالتأكيد كل مؤسسة أو فريق في الدنيا يحتاج إلى قائد؛ هذه سنة الحياة. فبإمكاننا جميعاً اعتبار أن مُفتي الديار المصرية هو قائد فريق الفتاوى الشرعية الاستشاري للديار المصرية. ولأن المنصب يتم التعيين له بالانتخاب اليوم، فلا خوف من تسلط أي أحد بإذن الله، لأن علماء الأزهر دائماً سيختارون أحق وأكفأ عالم للمنصب بتوفيق الله.

—ياسين رُكَّه

الحقير والبغيض والقبيح

سألت نفسي: من الحقير؟ فتفكرت ثم وجدت أن الحقير عندي هو من استغل ضعف أو جهل شخص آخر كي يستغله هو نفسه.

وسألت نفسي: من البغيض؟ فوجدت أن البغيض عندي هو من ظن أن امتلاك شيء يعطيه مقاماً وهيبة حقيقية ثم بالفعل تملك هذا الشيء؛ أو من ظن أن الشهادة واللقب يعطياه مقاماً وهيبة حقيقية وبالفعل حصل عليهما؛ أو من ظن أن المنصب يعطيه سمواً ومقاماً أعلى وبالفعل حصل على المنصب؛ هذه الناس عادة ما أجدها بغيضة كلما تعاملت مع أشكالهم. نبرتهم بغيضة، أسلوبهم بغيض، عيونهم بغيضة، ووجوههم بغيضة. وأبغضهم لأني أعلم أنهم يشعرون بالنقص والدونية، وأعلم أنهم يبغضون أنفسهم ونصيبهم، ومع ذلك...يضعون في نبرتهم وعلى وجوههم قناعاً من التعالي على الآخرين. فيا له من تناقض يقطر قبحاً.

أما القبيح...فهو من كَرِه الجمالَ في الآخرين، فكُرِه الجمالُ فيه وارتدت الكراهية على وجهه قبحاً.

—ياسين رُكَّه

الجمعة، فبراير 8

خدعوك فقالوا الإسلام السياسي

ألاحظ مؤخراً أن بعض الموحّدين (ولا أقول مسلمين، بل موحدين) يتحدثون عما يُسَمَّى بالإسلام السياسي أو السياسة في الإسلام وكأنها أفكار أجنبية أو دخيلة على الإسلام. كيف وصل بعض العرب إلى هذا الفِكر؟ حقيقة لا أفهم.

دعونا نحلل الأمر لغوياً ببساطة، وقبل حتى أن نتحدث عن الإسلام أو ما يقوله الله في القرآن: ما هي السياسة أصلاً؟ السياسة هي مجال العمل الذي يحتوي على منظومة أو مجموعة من السياسات المحلية والدولية. سياسات جمع كلمة سياسة واحدة؛ والسياسة الواحدة بدورها هي منهاج العمل المحلي أو الدولي في قضية ما. فما هو منهاج العمل؟ منهاج العمل هو مجموعة من القواعد التي تنظم كيفية العمل، وقد يكون المنهاج في شركة كبرى أو دولة. عندما يكون في دولة، فطبيعي أن تكون على الأقل بعض هذه ’القواعد‘ ببساطة قوانين، إما محلية أو دولية. فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل في الإسلام ’قوانين‘ محلية ودولية واجتماعية وعسكرية واقتصادية أم لا؟ هل في الإسلام سياسات اقتصادية أم لا؟

الإجابة لمن يفقه الألف من كوز الذرة في الإسلام هي بالتأكيد نعم، في الإسلام يوجد قوانين وسياسات، وهي بكليتها معروفة باسم الشريعة الإسلامية (أو الدستور الإسلامي). فمثلاً مجموعة القوانين المتعلقة بالمعاملات المالية والربا وتحديد بالضبط ما هو الربا اسمها سياسات اقتصادية إسلامية، أو بالإنجليزية:
Islamic economic policies

فإن كان في الإسلام قواعد وقوانين، تجتمع لتكون سياسات، والسياسات بدورها تجتمع لتكون سياسة الدولة، أفليس إذن الإسلام نظام شامل متكامل ويحتوي على سياسة الدولة المسلمة أو الشعب المسلم؟ ألا يوجد سياسة في الإسلام إذن؟

فما الذي يقصده البعض عندما يختبئون خلف المصطلح العجيب ’الإسلام السياسي‘ ليسخروا منه أو يرفضوه؟ وهل عندما يرفضوه، هم يرفضوا أشخاص مثل مُرسِي وأحزاب مثل الحرية والعدالة، أم أنهم عندما تطرقوا إلى ما يسمونه بالإسلام السياسي، هم في الحقيقة يرفضون كليّة وشمولية الإسلام، ويريدون أن يكون الإسلام فقط شعائر وهز رؤوس ولوي ألسنة بقرآن لا يفقهون فيه شيئاً؟ هل يرفضون سياسة وسياسيين، أم هم في الحقيقة يريدون دفس الإسلام دفساً في ركن مظلم على سجادة تضرع في محراب عبادة، لا يخرج منه أبداً؟

—ياسين رُكَّه

الثلاثاء، فبراير 5

السباب والحياء والنساء

قرأت تعليقاً عن الشتيمة؛ افتكرت تربيتي، وافتكرت حال بلادنا كان إزاي في التسعينات، وافتكرت اللي بأسمعه عن حال بلدي تجاه الشتيمة والسباب العلني إنهارده، وافتكرت المخلوق الواطي سُوسْتَه والثقافة الواطية بتاعته والتخدير والدغدغة العقلية تجاه السبّ العلني اللي بيقوم بيه. فتأملت في الأمر.

أنا مباشتمش بألفاظ نابية في أي مكان أو صفحة عامة، ولا أسمح لأي شخص بنشر الألفاظ النابية على صفحتي؛ هذا مع العلم بأني على أتم الاستعداد بأن أترك شتيمة موجهه لي شخصياً إذا لم تكن لفظاً قذراً تماماً، يعني لو واحد كتب ’كلب حقير واطي‘، ممكن أسيبها لو معاها كلام تاني، لكن ما أسيبش لفظ قذر أبداً. والسبب الرئيسي هوه وجود البنات والنساء. حقيقي، مقدرش أزعم إن امتناعي عن الشتيمة راجع لمبادئ أو كده، خالص...أنا ممكن أشتم بأوطى الألفاظ، أخلاقي للأسف تسمحلي وبأشتم مع صحابي الولاد—على الأقل إنهارده، وبأؤكد للأسف لإن ده شيء لا يدعو للفخر أبداً ولا شطارة أو شجاعة مثلاً والعياذ بالله؛ ده ضعف وتنفيس للغضب مثير للشفقة. لكن ما يمنعني عن نطق أو كتابة الألفاظ القذرة في أي مكان أو صفحة عامة هو احتمال أن تسمع أو تقرأ السباب فتاة. أنا عارف إن فيه بنات بتشتم، لكن ده مش معناها إن كلهم كده؛ واحتراماً للبنات اللي ممكن يسوئها جداً قراءة أو سماع الشتيمة أو الفحش، أمتنع. وفي الامتناع خير وتحضر ليّا، غصبٍ عن أخلاقي اللي تسمحلي، فالحمد لله إن ربنا خلق بنات محترمة ولسه موجودين رغم أنف المخلوقات العِرّة من الجنسين.

فلكل ذكر وأنثى بيشتموا بفحش في الصفحات والأماكن العامة وفاكرين إن الناس كلها زيهم أقولهم: لأه، فُوقُوا، لسّه فيه بنات حيائها ينخدش من الفحش والألفاظ القذرة وقد تتأذى بشدة كمان، ولسّه فيه رجالة تمتنع عن الألفاظ دي عشان بنت واحدة بس زي دي، حتى لو وسط عشر إناث وجوههم ملوثة بقبح ما تقبلوه من ألفاظ حولهم بدون الإعراض عنها بوجوههم. إحنا رجّاله، مش لازم تكون وشوشنا جميلة علاطول، لكن البنت...إزاي يفضل وشّها جميل وهيه موجهاه كل يوم في اتجاه ألفاظ قذرة من غير ما تدوّر وشها وتسيب المكان اللي فيه ألفاظ قذرة؟ ما ينفعش. حتحتاج طبقات من الفاونديشن عشان تغطي القذارة اللي بتتراكم على وشها اللي مبقاش فيه حياء، وتلوث بقذارة الموجات الصوتية النابية.

يا ريت كل بنت بتسمح لنفسها تقول ألفاظ نابية أو تقعد مع ناس بترمي في وشّها ألفاظ فاحشة تفتكر إن حتى الشاب اللي كان بيلعب بديله وهوّه صغير مع الداعرات، لما بيفكر يتجوز، بيحاول على الأقل إنه يبتعد عن الوجوه الداعرة، فيبحث عن وجه فيه بعض الحياء؛ هوّه بيعمل كده بفطرته، لإنه عايز زوجة يثق فيها؛ سواء ربنا وفقه يلاقيها بعد اللي عملُه أم لا، دي حاجة ترجع لله بقه. وتراكم الألفاظ القذرة في وش أي بنت لا يمكن أن يترك أي حياء على الوش ده. والوش اللي من غير حياء حيحتاج فاونديشن كثير قوي عشان يخبّي القذارة التي سممت الحياء. أنا عارف إن ذكور كثير  بقه يبدو عليهم إنهم لا يروا ولا حتى يهتموا بالحياء، ولكن أؤكد لكم أن الكثير منهم عندما يبحثون عن شريكة حياة، بفطرتهم البحتة يبحثون عن الحياء في وجوه من يقابلونهن من نساء. فالسؤال: هل من حياء تبقّى في وجهكِ أم أن الفُحش قد قتله قتلا؟ ووالله إن الحياء ليس طأطأة الرأس وحمار الخدود، بل هو هالة ساحرة يراها الرجل في وجه وعين المرأة المرفوعة الرأس؛ فإن كان رجلاً نبيلاً، ألقت في قلبه الاحترام، حتى جعلته هو يطأطئ عينه للحظة.

—ياسين رُكَّه

الثلاثاء، يناير 1

الجاهل يغلب!

عندما تذكرت: ’ما جادلت عالماً إلا وغلبته، وما جادلت جاهلاً إلا وغلبني.‘—الإمام الشافعي

ذات مرّة بأكلم اتنين إخوانوفوبيين وبأقولهم: الحرية مربوطة بالمستوى العلمي للإنسان، والمستوى العلمي في العصر ده مربوط بالمستوى الاجتماعي؛ عشان كده قادة الثورات وأبطالها دايماً من الطبقة المتوسطة.

قالولي: يا نهار اسود، انت طبقي وأمثالك همّا السبب في الثورة. قال الحرية بالمستوى التعليمي قال. انت قوّاد!

قولتلهم: مش عارف إزاي وصلتوا للتفسير الجاهل ده، وإنما المقصود هوّه إنّي أتحرر بقدر ما أعلّم وأثقف نفسي.

قالولي: ده *****. عايز تدّي لنفسك حرية زيادة عشان انت متعلّم أكثر أو مستواك التعليمي أعلى؟  انت إخواني قوّاد!

قولتلهم: أنا مش إخواني، وانتوا مش جهلة فقط، أنتم أغبياء رسمي. يعني أنا وضحت المقصود، وبرضو لسه مُصِرّين إني بأعطي حرية زائدة بناءً على المستوى العلمي! فيه غباء أكثر من كده؟! الحرية التي تأتي من العِلم لا يعطيها لي أو لك أي شخص، وإنما تعطيها أنت لنفسك بتحرر عقلك من عبودية غسيل المخ والسذاجة والغباء! ولكن...هيهات أن يفهم الجملة الجاهل الغبي. نعم، غلبتني.

—ياسين رُكَّه

الأحد، ديسمبر 30

المنافقون وعاهات اللسان وسفهاء الأحلام والإعلام

كتب صديق لي:

’بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴿138﴾.....النساء

من هم ؟ اقرا التى تليها‘

ولمن يتعسر عليه أن يبحث عن الآية التي تليها الآن، الآية من سورة البقرة هي: ’الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّـهِ جَمِيعًا ﴿١٣٩﴾‘

وجدت نفسي أتذكر آيات أخرى في القرآن عن المنافقين، وتفسير تلك الآيات، فكتبت:

’ويا ريت المنافقين إنهارده لسانهم حلو زي ما كانوا على أيام الرسول عليه الصلاة والسلام، وإنما بالعكس، دُول بيتهتهوا ويتأتئوا في الكلام. وعجب العجاب، إن الغنم برضو بتسمعلهم وتمصمص شفايفهم ويقولوا يا سلام!‘

جملة جعلتني أضحك للحظة، وقد تكون قد جعلت أحدهم يبتسم وهو يفهم المقصود أو يُسقِط الإشارة على أشخاص محددين في الساحة السياسية المصرية اليوم. ولكن...بعد الضحك مباشرة، أجد نفسي أطأطئ رأسي في أسى وحزن على حال الناس، خاصة حال قومي، العرب اليوم. أجد نفسي أتساءل: كيف وصلنا إلى هذه المرحلة؟ كيف تحول أهل الشعر والبلاغة إلى قوم بهذا القدر من الجهل، حتى أصبح أسفه السفهاء وأجهل الجهلاء وذوو عاهات اللسان هم من يتحدثون باسم الشعب وهم المشهورون عند الشعب؟

ألا تلاحظ هذا يا مصري؟ من أشهر المذيعين؟ من أشهر السياسيين والنخبة؟ كم واحد منهم عنده عاهة في لسانه أو يتأتئ أو يتهته في خطابه؟ كم واحد منهم نحفظ له عشرات وعشرات من الهراء المضحك؟ كيف أصبح هؤلاء يا مصريون هم من يتحدثون لنا فنسمع لهم ويتحدثون باسمنا؟ ولا تجعلوني حتى أبدأ في نطق الآلاف للغة العربية الفصحى، الذال كَزِين والثاء كَسِين...نشاز نشاز نشاز يكاد يحدث القيء قبل أن يحدث صداعاً في الأذن.

والله إنه لشيء ووضع وحال يكاد يبكيني. وأنا كإنسان يجري في عروقه دم، نصفه عربي ونصفه اسكندنافي، أقول للعرب: خذلتموني وخذلتم مسلمي آسيا يا عرب...بعد أن خذلتم الإسلام. واأسفاه.

—ياسين رُكَّه

الأحد، ديسمبر 16

مبدأ أن الأحزاب الإسلامية ليسوا الإسلام وسوء الاستخدام

صفحة [انا ضد الفكر السلفى الوهابى الرجعى المتشدد]، اللي ضد الفكر الإخواني كمان—مش عارف بحجة إيه، نشرت مؤخراً مقولة للدكتور طارق السويدان:

’لا أفهم لماذا يعتبر بعض الاسلاميين المعارضة لاجتهاداتهم السياسية معارضة للاسلام نفسه وليتذكروا أنهم بشر فالاسلاميون ليسوا الاسلام‘

وهي بالفعل مقولته وتم نشرها على حسابه الرسمي على تويتر بتاريخ ٢٧ نوفمبر ٢٠١٢.

ولكن من الذي سيعيد نشر هذا الكلام في مخيلتك؟ هل هم الذين يعارضون الإسلاميين ’لاجتهاداتم السياسية‘، أم الذين يعارضون الإسلاميين—نقطة؟ أتفهم مقصدي؟ ومن مثال هذه الصفحة المشبوهة، نعرف الإجابة.

للأسف، أقل القليل هذه الأيام من يعارض الأحزاب الإسلامية بسبب اجتهادات سياسية محددة، والدليل هو أنك لو سألتهم عن النقاط المحددة التي يعترضون عليها في القرارات السياسية أو الدستور، لم يستطيعوا أن يعطوك أي أمثلة؛ والقليل منهم ممن يمكنه أن يذكر لك مثالاً أو إشاعة سمعها، لو قلت له أن معارضته وجهة نظر، ولكن ماذا يريد؟ يقول لك أنه يريد أن يترك هذا الحزب الإسلامي الساحة السياسية تماماً أو أن يتم إسقاط الرئيس ذي المرجعية الإسلامية! أي أنه لا يعارض كي يحث النظام على تحسين القرارات، بل يعارض لأنه سواء أكان هناك ما يعترض عليه أو لم يكن هناك ما يعترض عليه، هوه مش عاجبه الحزب الإسلامي وخلاص!

ولو كان الحزب اللي بيعمل نفس القرارات دي الحزب اللي على مزاجُه هوه، منفتح كده وحالق دقنه ومراته كاشفه راسها ولابسه ميني جيب، وحبذا لو بيشرب خمرة مستوردة، يا سلاااام...تبقى نفس القرارات دي على قلبه زي البفتة البيضاء، ويبقى مستعد إنه يصبر شوية، ويطلب منك انت كمان إنك تصبر. لكن حزب إسلامي؟! أبداً! على جثته يقعد يوم واحد في الحكم من غير ما يلطخ سمعته ويسب ويشتم ويلعن فيه. مرضى القلوب.

ليت مفكرنا الحبيب، د. السويدان، يدرك من يستخدم مقولته الفكرية المحددة، فيخرجها عن سياقها ويوجهها إلى الجهلاء. هذه ناس لا تفهم معنى ’الاجتهادات السياسية‘ من الأصل، ولا تعرف سوى الكراهية العمياء، الإسلاموفوبيا، وبعضهم مسلمين بالعقيدة والاعتقاد! يستخدمون مقولته ليبررون لا النقد المحدد، بل يبررون الكراهية العمياء والسباب والتطاول.

—ياسين رُكَّه

ما هو الدين؟

حديث مع أحد أصدقائي تخلله سؤالي إياه: ’ما هو دينك؟‘ وكان رد فعل صديقي هو الاستغراب الشديد، على وجه افتراض الوضوح الشديد لحقيقة أنه مسلم. ذكرني هذا الموقف بالحقيقة المؤسفة لواقعنا اليوم كعرب لا نتحدث العربية الفصحى، فلا نفهم لغتنا على الوجه الأمثل. وعلى الرغم من أن النقطة التالية لم يكن لها علاقة بصديقي أو حواري معه، إلا أن الموقف ذكرني أيضاً بأن الكثير من الناس اليوم يخلطون بين الدين والعقيدة في النقاشات الفكرية؛ بل أن هناك من يصل إلى درجة الظن بأنه إن لم يخلط الدين مع العقيدة، لأصبح تكفيرياً!

يعني أنه يجب أن نقول أن دين أي مسلم هو الإسلام، وإلا أصبحنا تكفيريين؛ وبناءً على ما أفهمه اليوم، هذا خطأ. فقد يكون المرء مسلماً، وبالتالي لا نكفره أبداً بل نعترف أنه مسلم—بعقيدته، ولكن نقول أن دينه في الحقيقة ليس الإسلام. كيف هذا؟

أفضل بداية للإجابة على هذا السؤال هي تعريف كلمة ’دين‘ في اللغة. الدَّيْدانُ والدَّيْدَنُ والدِّين: العادة. قال العرب: ما زال ذلك دَيدَنَه ودَيدَانه ودِينَه ودأْبَه وعادَتَه. فالدِينُ بالكسر في اللغة: العادةُ والشأن. والدِينُ أيضاً هو جنسٌ من الانقياد؛ الطاعة.

إذن، فعندما يسألك أحدهم في نقاش فكري: ’ما دينك؟‘، هو إما يسألك للتحضير إلى أسئلة أخرى، حيث يبني أسئلة جديدة على إجاباتك تباعاً؛ أو هو يسألك: ما شأنك؟ ما دأبك وعادتك؟ من تطيع وإلى من تنقاد؟

فهل يمكننا الاتفاق الآن على صحة استنتاج أن السؤالين الأكاديميين أو الفكريين، ما عقيدتك؟ وما دينك؟، هما سؤالان مختلفان؟

بمعنى، إنك قد تكون مسلماً بالتأكيد، أي أن عقيدتك وإيمانياتك إسلامية، فأنت تؤمن أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله—صلى الله عليه وسلم، وتؤمن بسائر الرسل بما فيهم عيسى وموسى عليهما السلام، وبالملائكة ويوم القيامة والقدر، وإلى آخره. أنت تؤمن بكل هذا، إذن فعقيدتك إسلامية، وبالتالي أنت مسلم. ولكن، دينك قد يختلف؛ بمعنى، أن طريقة حياتك وعاداتك ودأبك والذي تنقاد إليه ومن تطيعه…كل هذه الأشياء قد تكون مختلفة تماماً عن التعاليم الإسلامية. ألا يمكن أن نتفق على هذا؟

وكيف أصلاً تعرف إذا كانت طريقة حياتك إسلامية أم لا بدون تعلم أو قراءة؟ هناك الكثير من الناس من يتسائل بتعجب: ’وهل أنا أزني أو أسرق أو أقتل يعني؟‘ والتعليق على هذا هو: وهل الإسلام كدين وعادة وطريقة حياة هو فقط تجنب الزنا والسرقة والقتل؟ الإسلام أكبر من هذا بكثير؛ فكيف تعرف أن طريقة حياتك واختياراتك وعاداتك بالفعل إسلامية؟ كيف تعرف أن النصائح التي تنقاد إليها هي نصائح إسلامية؟ كيف تعرف أن من تطيعهم في الإعلام أو في الدنيا يدعون إلى أفكار إسلامية؟ كل هذه الأسئلة تحدد دينك.

فإن كنت متأكداً من عقيدتك، موقن أنها عقيدة إسلامية، إذن فأنت الحمد لله مسلم. ولكن…معرفة دينك هو شيء مختلف تماماً، وشيء أصعب من معرفة عقيدتك. يجب أن تنظر إلى أشياء كثيرة: ما هي عاداتك اليومية أو دأبك اليومي؟ هل للصلاة على وقتها في يومك وقت مخصص خمس مرات كدأب يومي؟ هل لذكر الله في يومك أي وقت مخصص كعادة يومية؟ هل طريقة حياتك مشابهة—ولو قليلاً—لطريقة حياة رسول الإسلام، مع الاختلافات العصرية والتكنولوجية فقط؟ هل الأفكار التي تنقاد إليها أفكار إسلامية؟ هل أنت متأكد من الإجابة بالدليل والحُجة ورأي أكثر من شيخ أو عالم موثوق به؟ هل الأشخاص الذين تطيعهم وتحبهم وتسمع وتقبل أفكارهم مسلمين موثوق في حبهم للإسلام ويتبعون الإسلام في حياتهم؟ هل أنت متأكد من ذلك؟ كي تعرف دينك على حقيقته، يجب أن تجيب على كل هذه الأسئلة.

وللأسف الشديد، عندما يحاول أكثرنا اليوم الإجابة على هذه الأسئلة، نرى أن عقيدتنا فقط هي الإسلامية، أما ديننا فليس الإسلام، وإنما مزيج من الليبرالية والعالَمَانية والأناركية والإنسانية والأمركة أو التأمرك وإلى آخره من الثقافات والأديان والأيديولوجيات التي تأثرنا بها جميعاً اليوم في ظل تآكل الهوية الإسلامية في بلادنا تحت قمع الهوية السياسية الليبرالية والهوية القانونية العالَمَانية.

الدين ليس الإيمانيات، وإنما العادات والأفعال. قد تكون مسلماً، ودينك ليس الإسلام. وفي هذه الحالة، حتى عقيدتك في خطر شديد كل يوم، لأنك قد تجد أن الكثير من الأحاديث الصحيحة، التي أتى فيها تعبير ’ليس منا‘ على لسان رسول الله عليه الصلاة والسلام، تنطبق عليك! ووقتها، أنت تقول أنك تؤمن بالإسلام (وليتك تفهم معنى كلمة ال’إسلام‘ وبالفعل سلّمت واستسلمت لله) وأن عقيدتك إسلامية، ولكن رسول الإسلام يقول أنك لست من المسلمين…فإن أصبحت شهادتك أمام شهادة سيد الخلق أجمعين يوم القيامة أمام الله، فمن تظن الله سيصدق وأي شهادة سيقبل الله؟ شهادتك أم شهادة سيد الخلق أجمعين؟

—ياسين رُكَّه

الثلاثاء، ديسمبر 11

معادلة بسيطة عن احترام بعضنا البعض

لو انت مستعد بعواطفك الجياشة إنك تشيطن رئيس وطني اللي أنا اختارته، يبقى استعد برضو لأي حد—أنا مثلاً—يقول عليك انت شيطان. عدالة كده؟

لو انت مستعد بقناعاتك النيّرة إنك تتهم حزب سياسي بإنه عدو الشعب والوطن، يبقى برضو استعد لأي حد—أنا مثلاً—يقول عليك انت عدو الوطن. تمام كده؟

لو انت مستعد بأخلاقك وانفعالك إنك تشتم الحزب السياسي اللي أنا مقتنع بيه، يبقى برضو استعد إنك انت نفسك تتشتم. منطقية، صح؟

لو انت مستعد تقول إن أحد الرموز القيادية في الوطن أسوأ من الصهيوني الحقير، يبقى برضو استعد لأي حد—أنا مثلاً—يقول عليك انت واطي وحقير.

احترم نفسك قبل أن تطلب من الآخرين أن يحترموك. عامل الآخرين، بما فيهم الغائبين، كما تحب أن يعاملك الآخرون. بسيطة.

والبادئ…أظلم.

—ياسين رُكَّه

الاثنين، ديسمبر 10

مبدأ أن الجهل مثله مثل العلم طالما سميناه رأياً!

Isaac-Asimov-Ignorance-and-Knowledge

"هناك طائفة جهل في الولايات المتحدة، وكانت دائماً موجودة. سلالة [ضد-الفكر] ظلت دودة مستقرة تتسلل إلى حياتنا السياسية والثقافية، تحت رعاية المفهوم الفاسد بأن الديمقراطية تعني أن ’جهلي صالح مثله تماماً مثل علمك‘"—إسحاق أسيموف، نيوزويك، ٢١ يناير ١٩٨٠.

يعني الرجل يقصد أن بعض الناس تظن أن الحرية والديمقراطية تعني أن أي رأي، حتى وإن كان خطأ أو مغالطة أو جهلاً محضاً، صالح ويجب أن يُحترم ويُقبل، مثله مثل الرأي الصائب والحق المصحوب بالمنطق والأدلة؛ طالما وضعنا على أي كلام طابع، ملصق، أو مسمى ال’رأي‘، إذن فعلينا احترام الكلام وقبوله والسكوت عليه! وكله باسم الحرية والديمقراطية. هذا الفكر الفاسد، والذي شبهه إسحاق أسيموف، سنة ١٩٨٠، بسلالة من الديدان الطفيلية، كان متواجداً في أمريكا منذ السبعينات—بل ومن قبلها، فهل يخفى علينا معشر العرب اليوم، ونحن بنا ما بنا من رجعية وجهل وتخلف ننافس بهم أي تخلف موجود في البلاد المتقدمة تكنولوجياً، أن نفس هذا الفكر الفاسد موجود اليوم في حياتنا السياسية والثقافية—وبكثرة؟

ما ذكرني بمقولة أسيموف وهذا الكلام هو أني سمعت أكثر من شخص فشل معي في إثبات إدعائاته بالمنطق أو الدليل، ولم يروق له أن أكون صريحاً في وصف أي كلام مذكور بالخطأ أو الجهل، فلم يجد ما يفعله سوى أن يلجأ إلى الهجوم الشخصي، فيتهمني بأني أهينه أو أتهجم على شخصه وأني لا أتقبل آراء الآخرين! وكأننا مجبرين على تقبل واحترام أي هلاوس من أي شخص، حتى وإن فشل فشلاً ذريعاً في إثبات كلامه أو إقناعنا بالمنطق والأدلة. وكأن تعبير ’خطأ يحتمل الصواب‘ مثله مثل ’خطأ لا يحتمل أصلاً الصواب‘، لأن لا يسانده لا منطق سليم ولا أدلة وجيهة!

كل الآراء صالحة، وكل الآراء مقبولة، وكله تمام. هناك الكثير من الناس اليوم ممن يرددون مثل هذا الكلام وهم مقتنعين قناعة تامة بهذا المنطق الفاسد. فعلاً، وكأن الخطأ والكذب والجهل أصبحوا جميعاً مثلهم مثل الحق، طالما وضعنا على أيهم ملصق ’رأي‘! وعجبي.

—ياسين رُكَّه

الأحد، ديسمبر 9

هل هي قسوة أم صراحة؟ دقة أم دراما؟

yaseen-rocca-banner-arabic-debate

بعض الناس بتقولِّي: ‘بالراحة شوية يا ياسين’.

أنا بأقول إننا كلنا أخدنا كفايتنا وزيادة من الراحة، وآن الأوان بقه ناخد شوية صراحة. شوية صدق. شوية حق. وشويتين شجاعة في الحق.

اللي عايز راحة، يدوّر عليها في حته تانية؛ أنا معنديش راحة، وإنما عندي صراحة.

عربي أفتخر بعرب الأمس، وأمتعض من دراما ومبالغات وانفعالات وتهويل عرب اليوم.  عرفت معنى الحمار الذي يحمل الأسفار في بعض الحاصلين على الدكتوراه ممن جادلتهم، وقابلت دود كتب أو قراء لا يجيدون إسقاط ما قرءوه على واقعهم، وتعلمت جواهر الحكمة من الإمام ومن اللئام. لا أبالي بالشكليات ولا الألقاب، ولا التقاليد البعيدة عن الإسلام، فأنا اسكندنافي كما أني عربيّ. حدثني بالمنطق السليم، والدليل القويم، والعلاقات المناسبة بين الأفكار، أو اسكت.

وبعض أصدقائي حتى يستشهدون بجزء من الآية الكريمة في القرآن: ’وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ‘. معنى هذه الكلمات في التفسير الميسر كالآتي: ’ولو كنت سيِّئ الخُلق قاسي القلب‘. فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل الصراحة والصدق في الحق يعتبرا سوء خلق وقسوة قلب؟ ما علاقة القلب هنا أصلا عندما أصف مثلاً قول أحدهم بالكذب فأقول ’هذا كذب‘، أو أصف فعل أو موقف أحدهم بالمخزي فأقول ’هذا موقف مخزي‘؟ العرب قديماً كانوا هكذا؛ عندنا سجلات تاريخية نرى فيها أنهم كانوا يستخدمون تعبيراً مثل ’هذا كذب‘. فما الذي حدث لنا؟ لماذا أصبح فهمنا للغة بهذا الجهل والسذاجة والانفعالية والقفز إلى استنتاجات خيالية؟

إني أصف الكلمة أو الفعل أو الموقف، ولا أصف الشخص. ثم أذكر لماذا، بالمنطق أو الشاهد أو الدليل. كل هذا ليس له علاقة بسوء الخلق أو بقسوة القلب أو حتى بالقلب نفسه على الإطلاق، وإنما هي صراحة صافية من اللف والدوران عندما يكون الحق على الميزان، وتكون سمعة حزب أو أمة كاملة تحت فحص العيان.

ومع هذا، فأُشهِد الله أني أجتهد أن أكون دبلوماسياً مع الشخص الذي يستحق هذا الجهد. ولكن للأسف، معظم الناس هذه الأيام—خاصة العرب—انفعالية، تهويلية، مبالِغة، وينطبق عليها المصطلح الغربي ’دراما كوين‘ أو ملكة دراما. Drama queens

—ياسين رُكَّه

الثلاثاء، يونيو 5

الأفيون الاصطلاحي

ياسين رُكَّهكم أتوق إلى يوم…أرى فيه ولو ٨٠% من الناس تبدأ في التفكّر في المصطلحات واللغة التي تستخدمها كي ترى فيها عجب العجاب من المغالطات والمبالغات والتحوير والتدليس، فتعي أخيراً كيف يغسل الإعلام الأمخاخ فقط بالتلاعب بالألفاظ!

مسلم ملتزم ---> رجل دين
استراتيجية حزب ---> وعد
قرارات مرحلية ---> عهود
عدم الاشتراك في منافسة سياسية = خدمة للشعب
فصل السياسة عن الدين =/= عَالمَانية
إدخال تعاليم الله في السياسة = تجارة بالدين

وإلى آخره. وناس كثيرة، سواء متعلمين أم لا، يتعاطون هذا الأفيون الاصطلاحي...وبعضهم بيعمل دماغ بيه ويتكيّف جداً ويقول كمان!

—ياسين رُكَّه

الخميس، أبريل 12

لماذا أرفض مصطلح ’إسلاميين‘ قلباً وقالباً؟

Not Islamist but Muslim or Islamic’إسلاميون‘…أرفض هذا المصطلح، بل وأكرهه وأظنه مصطلحاً خبيثاً. لأنه من الأصل ليس مصطلحاً اخترعناه أو ابتدعناه نحن العرب أو نحن المسلمون ذوي المرجعية الإسلامية، بل لقد ابتدعه العَالَمَانيون ثم أشهره الإعلام الغربي الخبيث كي يتيح لنفسه سبّ المسلمين المتدينين كما يشاء، وهو مصطلح دخيل حتى على اللغة الإنجليزية:
Islamists

كلمة "إسلامي" لا يصح أن تُستخدم للإشارة إلى أفراد أبداً، مهما كان فِكرهم أو مرجعيتهم؛ لأن الكلمة تُستخدم للإشارة إلى كل ما هو لا شخصي، مثل مؤسسة أو فكرة وهكذا. أما مع الشخص أو الفرد فنقول ’مسلم‘.

وحتى عندما نشير إلى مؤسسة إسلامية باللغة الإنجليزية، نقول:
Islamic organization

لا نقول أبداً:
Islamist organization

وكلمة ’إسلاميين‘ هذه أتاحت للآلاف من المسلمين أن يسبّوا في ’الإسلامي‘ كيفما يشاءون، وعندما تتعجب منهم أو تناقشهم في سلوكهم الغريب، يقولون لك أنهم مسلمين ومن يسبونه منافق، وليس مسلم بل ’إسلامي يتاجر بالدين‘ أو ’متأسْلِم‘ وإلى آخره من المنطق الفاسد ومن وشواهد غسيل المخ، وكأنهم دخلوا قلوب هؤلاء السياسيين ذوي المرجعية الإسلامية فعرفوا فيهم النفاق يقيناً!

وهذا أيضاً هو السبب الرئيسي لااستخدام وإشهار الغرب للمصطلح الدخيل البغيض:
Islamist
إنه يتيح لهم السخرية من ’الإسلامي‘ أو التحذير من مخاطره الشديدة، فيقومون بالقنص اللغوي الإعلامي تحت ستار المصطلح، ويصعب عليك أن تتهمهم بالإسلامُوفُوبْيا أو كراهية الإسلام لأنهم سيقولون لك نفس ما يقوله بعض المسلمين—أو المحسوبين على المسلمين—ممن يسبون ال’إسلاميين‘: أنهم لا يتحدثون عن المسلمين المتوسطين المعتدلين، وإنما عن ال’إسلاميين‘ الأصوليين المتشديين الرجعيين ال...ال...

أما عن سبب ابتداع الغرب للمصطلح، فإني أرى أن هذه تبعيات فكرهم العَالَمَاني، واقتناعهم بأنه لا يصح للدين بأن يتدخل في السياسة أو القانون، فأحسوا بالحاجة إلى إعطاء المسلم الملتزم الذي يسعى لتطبيق الإسلام في السياسة مسماً يفرّقه عن بقية المسلمين؛ فهو في نظرهم ليس مسلماً ملتزماً يريد أن يُحكّم الله على نفسه وعلى المجتمع باستخدام القوانين الإسلامية في إدارة المجتمع، ليس مسلماً متديناً يرى أن الإسلام ليس أسلوب عبادة بل أسلوب حياة وبالتالي هو جزء لا يتجزأ من حياة المجتمع، أي جزء لا يتجزأ من القوانين التي تدير المجتمع، أي جزء لا يتجزأ من السياسة، حتى لا تصبح السياسة ’لعبة قذرة‘ كما يعرفها الغربيون؛ لا، الغربي العَالَمَاني لا ينظر إلى السياسي المسلم الملتزم بهذه الطريقة، بل ينظر إليه على أنه خطر (وبالفعل الإسلام خطر على العَالَمَانية كما أن العَالَمَانية خطر على الإسلام)، ويستحق مصطلحاً يفرّق هذا المسلم عن بقية المسلمين تماماً، مصطلحاً يمكن بسهولة تحويله إلى مصطلح ازدرائي. كما هو الحال اليوم.

إن لم تقتنع تماماً بما ذكرته، فأسأل الله أن أكون على الأقل قد دعوتك إلى مراجعة فكرك عن هذا المصطلح. وأؤكد أني أحب ديني وأؤمن بشريعة ديني وأدافع عن الأحزاب الإسلامية والمرشحين ذوي المرجعية الإسلامية كلما استطعت ووجدت أن الحق والشواهد والأدلة ستكون معي. وأريدك أن تعلم أني إذا أردت أن أشير إلى شخص منتمي إلى حزب إسلامي أو إلى الفِكر الإسلامي، فإني أقول مثلاً ’المرشح الإسلامي المرجعية‘، ’النائب ذو المرجعية الإسلامية‘، أو ’السياسي المسلم الملتزم‘.

—ياسين رُكَّه