الأربعاء، فبراير 2

يا أهل الثورة: اتركوا شخص الرئيس وركزوا على رسالة الإصلاح

الملخص:
ركزوا فقط على طلب إصلاح سياسي ينبع منه الإصلاح الإعلامي والاجتماعي. يا أهل الثورة، يا ثوريون مصر، اتركوا شخص الرئيس ورسالة إسقاطه، وركزوا بكل قوتكم وطاقتكم على رسالة الإصلاح السياسي الشامل، بما يتضمنه ذلك من إصلاح دستوري. وإني أدعو إلى هذا الآن لأن هذه هي الرسالة الوحيدة التي يمكن من خلالها إعادة تجميع أكبر قدر ممكن من جماهير الشعب على هدف واحد. إن بعض المصريين الآن يتعاطف مع الرئيس المصري، والبعض الآخر يرى أن بعد خطابه الثاني يمكن أن نعطيه فرصة أخيرة، ولكي يكسب الثوريون هؤلاء الناس إلى صفهم ويجعلونهم يتعاطفون مع استمرار الثورة، يجب على الثوريين أن يغيروا رسالتهم الرئيسية الآن من رسالة لإسقاط الرئيس والهجوم على شخصه إلى رسالة تصميم على إصلاح سياسي جذري شامل حقيقي؛ أي أن تطلب الثورة من الرئيس أن يحقق للشعب القائمة الأصلية للمطالب الرئيسية، والتي كانت تخلو من أي ذكر لإسقاط الرئيس نفسه. اتركوا شخص الرئيس ورسالة الإسقاط يا أهل الثورة، وركزوا على رسالة الإصلاح السياسي الشامل، حقناً للدماء، وتجنباً للفتنة، وتوحيداً للكلمة والهدف والمصلحة العامة، وتشبثاً بالقضية الحقيقية العميقة التي تحتاجها مصر الآن.

كلمة بالعامّية المصرية:
في ناس بيقولوا 6 أشهر مش كتير بعد 30 سنة. تمام كده، 6 أشهر فعلاً مش كتير بعد 30 سنة، وعشان كده بقول إن قضيتنا مش مبارك، ونفسي الناس تركّز. قضيتنا هيه إصلاح سياسي شامل وجذري وحقيقي، يعني مجلسي الشعب والشورى وقانون الطوارئ والقوانين للي الريّس متكلمش عليهم، إلى آخر القائمة. بصراحة، بعد أكتر من 300 قتيل وآلاف الجرحى، وبعد تدمير اقتصاد البلد، حرام الناس دي ترجع بيتوها من مولد بلا حمص...بدأوا حاجة، يخلصوها، بس يركزوا في المهم....عشان كمان الناس اللي عمالين يقولوا الريّس ده جميل وطعم ميبقاش عندهم مادة ينغصوا بيها على بتوع الثورة...ساعتها يقولوا بتوع الثورة، حنخليلكو الريس بتاعكم عشان مطعيّتوش، بس عايزين نتخلص من الفساد ونحصل على الإصلاح السياسي عشان دم الناس اللي ماتت ميرحش هدر...والتلاتين سنة اللي فاتت مكنتش مشكلة مبارك بس، وإنما قانون طوارئ وفساد سياسي.

التفاصيل:
سواءً أكنت كقارئ تعرفني أم لا، أريد أن أبدأ بتوضيح أنه يمكنك التأكد من هويتي المستقلة، وتفاصيل فِكْري، واعتدال منهجي، وحبي لوطني الأصغر مصر ووطني الأكبر العربي والأشمل الإسلامي، والتأكد أيضاً من مجاهرتي بالحديث ضد الفساد في مختلف الأنظمة السياسية، يمكنك التأكد من كل هذا من الكثير من المقالات الأخرى التي كتبتها على مدونتي وعلى صفحتي على فيسبوك.

كتبت في السابق، وقبل أول يوم لثورة مصر في 25 يناير 2011، أني ضد الثورات، خاصة عندما تكون في توقيت مثير للشك بشدة مثل وقتنا الحالي، وهو توقيت يأتي بعد الأحداث العنيفة في تونس (وهي دولة صغيرة المساحة بتعداد حوالي عشرة مليون فيسهل على جهاز مخابرات إحداث إضرابات ومظاهرات داخلها تتناسق مع تصريحات واتصالات داخلية من عملاء في مختلف أجهزة الدولة بما فيها الجيش)، وبعد أحداث الانفجار ما بين المسجد والكنيسة في الإسكندرية، وانفصال السودان. هذه الظروف والملابسات تلاحقت ثم توافقت بشكل مثير للشك مع هذه الثورة، فأحسست منذ البداية أن هذه الثورة ليست ثورتنا.

وكتبت أن البديل الذي كنت ولا زلت دائماً أؤمن به هو الإصلاح الاجتماعي أولاً، والذي يأتي منه—بدون الثورة—إصلاح سياسي وإعلامي. وهذه عملية بطيئة وصعبة بالفعل، ولكن هذا هو بالتحديد ما يجعلها مؤثرة وباقية. وإن من سنن الحياة هي أن ما يأتي سريعاً يذهب سريعاً؛ وأن ما يأتي بالقوة لا يدوم. وهذا هو ما تحاول أن تقوم به الثورات: إصلاح وتغيير يأتي سريعاً وبالقوة في خلال بضعة أيام أو أسابيع؛ وهو تغيير من النوع الذي أؤمن أن لا بقاء أو دوام له. أما التغيير البطيء الذي يأتي عن طريق الإصلاح الاجتماعي، فهو ما يبقى. وهذه ليست أفكاري وحدي، بل إني تعلمتها من أمثال غاندي ومارتِن لُوثر كِنْج ومالكولم إكْس، بل ومن تعاليم عيسى أو المسيح ابن مريم عليه السلام، ومن سنة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، ومن آيات الله، وهي كثيرة فيما يتعلق بهذه الرسالة وفيما يتعلق بقدرة الإيمان وصلاح القلوب (وهو المعروف بالإصلاح الاجتماعي في اللغة الغير دينية) على استحقاق نصر الله بل وأن يرزقنا الله من حيث لا نحتسب ومن السماء والأرض بسبب هذا الصلاح والتقوى والإيمان، حتى وإن كان هناك فساداً سياسياً من الحاكم أو الحكومة. ولكن للاختصار هنا، فقط أذكر آية واحدة وهي: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". فقلت أننا يجب أن نغير ما في نفوسنا كشعب أو على الأقل كأغلبية الشعب، فإن فعلنا فإننا إذن نستحق أن يغير الله ما بنا من استبداد وظلم ومصائب وذل وفقر.

سخر مني الكثير واتهمني بالتفلسف وعدم الواقعية، واختلف معي الأكثر، بل واختلف معي أعز أصدقائي وأهلي، وذهبوا ليساندوا الثورة ويشاركوا فيها أيضاً، سواء في شوارع مصر أو بأصواتهم وأقلامهم على صفحات الإنترنت والقنوات الإعلامية المختلفة. رأيت وسمعت شيوخاً وأئمة ودعاة ومثقفين وفنانين وصحفيين ومفكرين وإعلاميين وكتاب وسياسيين وأكاديميين يساندون الثورة، بل ويشاركون الجماهير في مطالبة مبارك بالرحيل، أو يساندون فكرة إسقاط الرئيس. فتحيرت ولم أعد أفهم ما الذي يحدث! لماذا ظللت لا أجد في عقلي أو قلبي الارتياح لمساندة هذه الثورة والانضمام إليها؟ يوجد الآلاف ممن يفوقونني حكمة وعلماً يساندونها، فلماذا لا أشعر بالارتياح؟ لماذا لا أسمع لهم؟ لم أدري، وكنت أتمنى أن يأتي يوم فأرى علامة واضحة تجبرني أن أعترف أني كنت واهماً وكنت مخطئاً عندما تحدثت ضد تلك الثورة، ولكن حتى الآن لم أرى علامة مثل هذه، وكم أتمنى أن أراها في أقرب وقت لأن اقتصاد بلدي ينهار والدماء تسيل والأجساد تتساقط وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة، وبلا تغيير جذري يُذْكَر، وإن هذا ليجعل العين تدمع والقلب ينفطر...فكم كنت أتمنى أن أعود إلى وطني، ولكني أخشى الآن أن أجد نفسي أتساءل: إلى ماذا أعود؟ انهيار اقتصادي وخراب وفراغ قيادي وتنازع سياسي؟

استمرت الثورة أياماً، فوَصَلَتْ إلى مرحلة—حتى أنا نفسي رأيتها—تخطت نقطة اللا عودة بكثير. فوجدت نفسي أقول أنه قد فوات أوان الحديث ضد الثورة أو محاولة إثناء الناس عنها، وبما أن البلد تنهار اقتصادياً بسرعة جنونية، فمن الحكمة أن أغير ما أحاول توصيله للناس، حتى وإن كانت منصة خطابي متواضعة ولا تصل إلى الكثير من الناس في الوقت الحالي، فلعل أحدهم ينقل رسالتي إلى من يقتنع بها فيوصلها للكثير من الناس. وكتبت رسالة فأرسلتها إلى شبكة رصد الإخبارية آملاً أن يتخصروها في جملتين أو ما شابه وينشروها، خاصة وأن ما ذكرته باختصار هو أني أدعوهم إلى حث الشعب على الانتهاء مما بدأوه في أقرب فرصة ممكنة، وفهم مماطلة النظام على أنها مماطلة تدمر البلد واقتصادها وليست غباءً، وذكرت فيها بعض التفاصيل والشواهد على ما يحدث في البلاد من خراب وانهيار اقتصادي. ولكن للأسف، بالكاد حتى مرت 24 ساعة قبل أن تنتهي صلاحية رسالتي من المنظور العملي والسياسي.

 فاليوم، بعد الخطاب الثاني للرئيس مبارك بتصريحاته الإضافية، وتطورات الأحداث واتخاذ الثورة منحنيات جديدة، وظهور فتنة مخيفة في ميدان التحرير بالقاهرة، وبعد ظهور مناقشات كثيرة وتخبط فكري وانقسام وطني: بين قبول ما ذكره الرئيس في خطابه الثاني والرجوع إلى البيوت، وبين الاستمرار في هذه الثورة بأي ثمن، اليوم أكتب فأعيد رسالتي الأولى التي كنت أدعو لها قبل بدء الثورة أول يوم، ولكن هذه المرة، أضع رسالتي في إطار الثورة نفسها.

فبدلاً من الدعوة إلى إصلاح اجتماعي ينبع منه الإصلاح السياسي والإعلامي وبلا ثورة، الآن أدعو إلى استخدام الثورة، بمرحلة اللا عودة التي اكتسبتها، للتركيز فقط على طلب إصلاح سياسي ينبع منه الإصلاح الإعلامي والاجتماعي. أي أني أقول: يا أهل الثورة، يا ثوريون مصر، اتركوا شخص الرئيس ورسالة إسقاطه، وركزوا بكل قوتكم وطاقتكم على رسالة الإصلاح السياسي الشامل، بما يتضمنه ذلك من إصلاح دستوري. وإني أدعو إلى هذا الآن لأن هذه هي الرسالة الوحيدة التي يمكن من خلالها إعادة تجميع أكبر قدر ممكن من جماهير الشعب على هدف واحد. إن بعض المصريين الآن يتعاطف مع الرئيس المصري، والبعض الآخر يرى أن بعد خطابه الثاني يمكن أن نعطيه فرصة أخيرة، ولكي يكسب الثوريون هؤلاء الناس إلى صفهم ويجعلونهم يتعاطفون مع استمرار الثورة، يجب على الثوريين أن يغيروا رسالتهم الرئيسية الآن من رسالة لإسقاط الرئيس والهجوم على شخصه إلى رسالة تصميم على إصلاح سياسي جذري شامل حقيقي؛ أي أن تطلب الثورة من الرئيس أن يحقق للشعب القائمة الأصلية للمطالب الرئيسية، والتي كانت تخلو من أي ذكر لإسقاط الرئيس نفسه. ركزوا على أهداف إقامة حكومة ووزارة جديدة بقيادات أصغر سناً ومحببة إلى الشعب قدر الإمكان، فمثلاً هناك الكثير من المصريين ممن يحترمون ويحبون شخصيات مثل أحمد زويل ومحمد البرادعي وأيمن نور وعمرو موسى، فإن استعان الرئيس ببعض هؤلاء في مراكز وزارية أو حكومية مختلفة لكان هذا من أفضل ما يرسله الرئيس إلى الشعب عن صدق نيته في الإصلاح السياسي؛ ركزوا على إلغاء قانوان الطوارئ وتعديل المواد الهامة من الدستور وإقالة مجلسي الشعب والشورى وإعادة انتخابهم بقوانين وإجراءات تضمن النزاهة والشفافية. اتركوا شخص الرئيس ورسالة الإسقاط يا أهل الثورة، وركزوا على رسالة الإصلاح السياسي الشامل، حقناً للدماء، وتجنباً للفتنة، وتوحيداً للكلمة والهدف والمصلحة العامة، وتشبثاً بالقضية الحقيقية العميقة التي تحتاجها مصر الآن.

ليست هناك تعليقات: