الثلاثاء، يوليو 30

من هو الشعب المسلم وما هو وطنه؟

قد يكون اللهُ كتبَ لي أن أكون من أبٍ مصريٍّ وأمٍ اسكندنافية حتى لا أتأثر بمرضِ القومية، سواءاً قوميةٍ مصريةٍ أو قوميةٍ أوروبيةٍ أو قوميةٍ عربية. معظمُ سنواتِ حياتي، ارتبطتُ عاطفياً بأماكن معينة وذكريات محددة في مصر، ولكني لم أشعر بحب زائد أو مبالغ فيه لمصر عن أي بلد مسلمة أخرى. بل إني دائماً كنت أشعر أن هذه الوطنية المتطرفة أو القومية ما هي إلا مرضاً في القلب ورجعيةً جاهليةً قَبَلِيَّة، شيء لا يطيب لي أبداً أن أدعه يدخل قلبي.

إني اليوم أؤمن أنه لا حاجة للأوطان عندما يكون الوطنُ ديناً؛ لا حاجة للأعلام عندما يكون الوطنُ فِكرة؛ لا حاجة للرايات عندما يكون الوطنُ شعباً...ويكون الشعبُ مسلماً لله. فالمسلم في أمريكا وفنلندا وإسبانيا وتركيا والجزائر ومصر وفلسطين والإمارات والسعودية وماليزيا وأستراليا ممثل لهذا الشعب، الشعب المسلم. المصريون شعب أغلبه مسلم، والسعوديون شعب يكاد يكون كله مسلم، وتركيا شعب أغلبه مسلم، وإلى آخره؛ ولكن، من هو ’الشعب المسلم‘؟ بالألف واللام. الشعب المسلم هو المسلمون في الأرض كلها. وهذا الشعب المسلم بديهياً له وطن، مثل أي شعب آخر. فما هو وطن الشعب المسلم؟ بناءاً على واقعنا اليوم، لن تستطيع أن ترسم حدوداً جغرافية لهذا الوطن أبداً، ولا يصح أصلاً رسمُ تلك الحدود. فالحقيقة تفرض نفسها: الوطن عندنا اليوم ليس أرضاً، بل دين وفكرة.

وأي بقعةٍ من الأرض يُذكر فيها اسمُ اللهِ وحدَهُ...وطني.

لا يهمني ما اسم الأرض التي ولدت بها؛ إن كنت مسلماً، فأنت أخي. ولا يهمني موقعُنا الجغرافي في الأرض؛ إن كنا مجتمعأً مسلماً نعيش بكرامة وحرية على بقعة من الأرض فنعمّرها ونذكر اسمَ اللهِ فيها ونطيعه، فهذه الأرضُ وطني.

ومن الوطن تأتي الهوية الثقافية. اليوم في مصر، تجد المعارض للإخوان المعتدل أو الصادق يعترف أن الإخوان ليسوا إرهابيين وليسوا منافقين أو أشراراً، ولكن في نفس الوقت، يعارضهم ويرفضهم—ويدرك أن كراهية الآخرين لهم—بسبب تغييرهم للهوية الثقافية لمصر! وأكرر، ما يغار عليه هذا المعارض هو الهوية الثقافية لمصر نفسها، كبلدٍ وكعادات وتقاليد وفنّ واهتمامات، بغض النظر عن رأي الإسلام في هذه العادات والتقاليد والفن. وهذا المعارض يبرر لنفسه إيمانياتِه وقناعاته بأن الإسلامَ دينُ يسر، وأنه لا داعي لتعقيد الأمور أو التشدد وإلى آخره. وأحياناً يكون ذلك المعارض مدركاً تماماً أنه لا يأخذ بالأيسر من الإسلام، وإنما في الحقيقة يأخذ ما يحلو له، ويترك الباقي؛ هو يدرك جيداً أنه لا يعارض التعقيد أو التشدد، بل يعارضُ شموليةَ الإسلامِ ويعارض بعض التعاليم الإسلامية التي لا تروق له ولم ينفتح لها قلبه بعد! هو يدرك هذا، ولكن لا يمكن أن يعترف بذلك أبداً أمامك. وكل هذا أعْتَبِرُهُ دليلاً آخراً على أن القوميةَ مرضٌ خطيرٌ يصيب القلب، لأن ارتباط الإنسانِ بأرضٍ ما أولاً وبعشيرة محددة أولاً وأخيراً يؤدي إلى انصراف القلب عن الحق، وميلِه إلى عاداتِ وتقاليدِ العشيرةِ قبل أي تعاليم أو عادات أخرى، إلى ما تَعَوَّدَ عليه في هذه الأرضِ قبل أي شيء آخر. وعندما يحدث هذا على حسابِ تعاليمِ وأوامرِ الله، وعلى حسابِ عبادِ الله الذين يعيشون في نفس هذه الأرض، فيا له من خسران مبين لذلك الإنسان.

أُشْهِدُ اللهَ أنه لا يَهُمُّنِي ما اسمَ الأرضِ التي ولدت بها؛ إن كنت مسلماً—مسلماً بحق ومؤمناً بشمولية الإسلام، فأنت أخي. ولا يهمني موقِعُنا الجغرافيُّ في الأرض؛ إن كنا مجتمعأً مسلماً نعيش بكرامة وحرية على بقعة من الأرض فنعمّرها ونذكر اسمَ اللهِ فيها ونطبق دينَهُ فيها، فهذه الأرضُ وطني. هذه هي هويتي الثقافية.

وأي بقعةٍ من الأرضِ يُذكرُ فيها اسمُ اللهِ وحدَهُ...وطني.

—ياسين ركه

السبت، يوليو 20

يا ترى بتكره مين أكثر؟

تعليقاً على موضة نشر صور للمجرمين والخونة وسؤال جمهور الصفحات على المواقع الاجتماعية: من تكره أكثر، هذا السيكوباتي أم هذا القاتل أم هذه الكذابة أم هذا المنافق؟ كتبت...

يا جماعة الخير، يا ريت سيبنا من الكلام في الكراهية، وتركزوا على الأخبار المؤكدة والتفكير المنطقي والنقد العقلاني. يا ريت نرتقي بفِكر المسلمين وبفِكر مؤيدين المشروع الإسلامي.

نكره الشر والخائنين وكل حاجة، ولكن مش لازم نركز على النقطة دي إعلامياً يعني! الشعوب العربية مش ناقصة أصلها كراهية؛ كلنا بنمارس العنف والكراهية بالقدر الكافي وأكثر. فيا ريت لما يكون واحد مدير صفحة على فيسبوك مثلاً، يحاول يرتقي بفِكر الناس، خاصة لما يكون الجمهور مسلمين متدينين ومؤيدين للمشروع الإسلامي. تحدث إلى عقول الناس أكثر بكثير مما تتحدث إلى قلوبهم؛ هكذا يمكننا الارتقاء بفِكر شعوبنا والأمة.

نصيحتي لكل أخ: لا تشارك في هذه الاستفتاءات، خاصة عندما يكون واضحاً أن لا فائدة منها أصلاً، لا إعلامياً ولا إخبارياً. واكتب تعليق تنصح به مدير الصفحة بالرسالة التي ذكرتها أعلاه، ويبقى جزاك الله خيراً.

—ياسين رُكَّه

التوبة...والذنوب المتكررة التي توجب الغسل

هل تعرف شخصاً—أو أكثر—كثيراً ما يفعل ذنوباً تُوجب الغُسْل أو الطهارة؟ هل يبدو الأمر أحياناً وكأنه إدمان؟ هل كاد هذا الشخص أن يفقد الأمل في توبته ونفسه؟

ابتسم فقُل له أن يُبْشر، ثم اقرأ عليه قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}—البقرة: ٢٢٢.

التائب هو من يتوب، أما التوَّاب فهو الكثير التوبة. والمتطهر معروف؛ هو من يُطهِّر نفسه بالوضوء أو الاستحمام بنية الطهارة. قد يكون هناك حكمة من ذكر الله للتوّابين والمتطهرين مع بعضهم هكذا؛ قد يكون من ضمن المقصود هو التوّاب المتطهر، الكثير التوبة الذي يتطهر من ذنبه ومما فعله به ذنبه. الرسول (ص) قال في العبادة: ’لا يسأمُ اللهُ حتى تَسْأَموا‘، وأحاديث أخرى جميلة عن التوبة تمكننا من إسقاط هذا المعنى على التوبة. والله يقول بنفسه أنه يحب العبد المتطهر كثير التوبة.

تخيل إن أحبَّك الله! فما الذي يحتاجه أي إنسان بعد أن يحبه الله؟!

كل ما علينا هو أن نتْبع الذنوب الكثيرة بالتوبة—بعد كل ذنب؛ والتوبة من شروطها اتخاذ النية بألا نقوم بهذا الذنب مرة أخرى. ونعم، قد نفشل؛ فشلنا مراراً وتكراراً في الماضي حتى أننا شعرنا أنه لا أمل فينا! فشلنا وفشلنا...حتى بدا لنا وكأن توبتنا غير صالحة، وكأننا لا نعني هذه النية، وكأننا نخادع الله سبحانه وتعالى! دعك من المستقبل، اترك المستقبل لله؛ حتى وإن كانت فرصة نجاحك في التوبة النصوحة ضعيفة جداً، فركّز على الحاضر، ركز على هذه اللحظة. هل تريد أن تكون طائعاً لله الآن؟ هل تريد أن يحبك الله الآن؟ إذاً فتُب الآن، وتطهر. افعلها مراراً وتكراراً، افعلها كل مرة، كن توّاباً متطهراً...وأبشر بحُبِّ الله.

—ياسين رُكَّه

الخميس، يوليو 18

لماذا ثاروا ولماذا نعتصم؟

من ثار من أجل الكهرباء والبنزين والأمان من البلطجية، فلا يستحق سوى الكهرباء والبنزين والأمان من البلطجية (حياة الليبرالي اليوم، ولاحظ انعدام الكرامة واستيراد العيش واختفاء الحرية).

ومن ثار من أجل العيش والكرامة والحرية، فلا يستحق سوى العيش والكرامة والحرية (حياة الكثير من المصريين في عهد مُرسي، مؤيدين ومعارضة، ولاحظ شكوى الناس من قلة الدين وعدم وجود وحدة وافتقار هواء الوطن إلى رضا الله).

ومن ثار من أجل إرجاع رجل إلى كرسيّ، فلا يستحق سوى رجوع ذلك الرجل إلى الكرسيّ.

ومن ثار من أجل إعلاء كلمة الله، من أجل تحكيم شرع الله، من أجل الله—وإن كان جزء من هذا هو رجوع الحق لأصحابه، فلا يستحق سوى الله. وكفى بالله كل حاجة في الدنيا والآخرة.

«إنما الأعمالُ بالنياتِ، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى؛ فمن كانت هجرتُه إلى دنيا يصيُبها، أو إلى امرأةٍ ينكحها، فهجرتُه إلى ما هاجر إليه.»
الراوي:    عمر بن الخطاب | المحدث: البخاري | المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: ١ | خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

—ياسين رُكَّه

من منا على حق؟

كيف يطمئن قلبك أنك على حق في هذه السنوات الخدّاعة؟ بطرق كثيرة، منها القراءة والتعلم من مصادر مختلفة—بل ومخالِفة لبعضها البعض، ثم التفكر؛ ومنها التحدث مع ممثلين لكل جانب والتعرف عليهم (والتحدث معهم لا يعني إلقاء الاتهامات عليهم ووضعهم في قفص المجرم كي يدافعوا عن أنفسهم)؛ ومنها أيضاً أن تلاحظ نوعية الأشخاص الذين يرددون اسطوانات محددة.

يعني مثلاً من ضمن ما لاحظته شخصياً هو أن الأغلبية العظمى من الناس التي تكره الإخوان والسلفيين اليوم، أصلاً لم يكونوا متدينين عندما عرفتهم أيام المدرسة والجامعة؛ واليوم الإناث فيهم غير محجبات وواضح كرههم للحجاب أو النقاب (وهذا يختلف عن التي تدرك أن الحجاب فرض فتحتشم إلى حد ما وتتمنى الهداية؛ ولا، الحجاب ليس المعيار الوحيد لتدين الأنثى ولكنه بالتأكيد أحد المعايير المهمة وهو عنوان الكتاب أو عنوان الجواب؛ وإذا كان الحجاب سطحي ولا داعي للاهتمام به، فالجلد سطحي ولا داعي لتنظيفه أو تجميله؛ هذه عينة من الحوارات مع الليبراليات)، والذكور فيهم واضح من اهتماماتهم اليوم أن الدين عندهم أقصى ما فيه صلاة الجمعة ’وكام فرض كده على ما قُسُم‘ كل حين وآخر؛ باختصار، ناس لم أعرف عنها الطيبة والصلاح، لا في الماضي ولا اليوم. هذه هي عينة الأغلبية العظمى من كارهي الإخوان ممن أعرفهم معرفة مُسبقة. على الجانب الآخر، الكثير ممن كنت أعرف عنهم الصلاح ورشاد العقل والثقافة أيام المدرسة والجامعة أجدهم اليوم من مؤيدي المشروع الإسلامي وبالتالي يقفون مع السياسيين ذوي المرجعية الإسلامية، سواء إخوان مسلمين أو غيرهم؛ هذا بالإضافة إلى أن معظم من عرفتهم في السنتين الأخيرتين، من الإخوان المسلمين أنفسهم ومن مؤيدي المشروع الإسلامي الذين لا ينتمون إلى أي أحزاب أو مدارس فِكرية إسلامية محددة، أكاديميون ومن الحاصلين على الدكتوراة وممن يجيدون على الأقل لغتين بطلاقة وممن يكتبون بلغة راقية تدل على الثقافة والخلفية الأكاديمية؛ باختصار، ناس محترمة. وعندما نتحدث في السياسة، نخاطب عقول بعضنا البعض، لا قلوب وعواطف بعضنا البعض؛ وبالتالي، لا تجد في حواراتنا مكاناً للكراهية أو الغضب أو السباب، بل هي حوارات عن الأحداث والشواهد والأدلة والمنطق والتاريخ والدين وكتاب الله وسنة رسوله (ص). وأجد أن العلاقات بين الأمور والأفكار في حواراتنا علاقات صحيّة منطقية وصحيحة، وليست علاقات مشبوهة أو عجيبة أو محيّرة من النوع الذي يجعلك تهتف: ’هُوَّ مال ده بده؟!‘ ما أكثر ما أجد نفسي في حاجة إلى أن أهتف بتلك العبارة مع الإخوانوفوبيين والليبراليين وأعداء المشروع الإسلامي عامة.

ونفس المقياس يمكن تطبيقه على المشاهير والإعلاميين. عندك مثلاً شخص مثل جابر القرموطي؛ اقرأ كلامه ولاحظ أنه اسطوانة مماثلة جداً للكثير من الببغاوات هنا على فيسبوك وبقية المواقع الاجتماعية. يقول جابر القرموطي: “إن اعتصام رابعة ليس اعتصامًا ولا يوصف بأي كلمة غير كلمة "مبيت دائم" ومبيت "غير صحي". ونفى أن يكون عددهم ٢ مليون، وتساءل: لو كلامهم صحيح أحب أسألهم، بيستخدموا "الحمام" إزاي وفين؟ وطالب القرموطي بضرورة أن يكون هناك عقلاء يتوسطون لفض "مبيت" رابعة الذي لن يدوم إلى ما لا نهاية. ووصف القرموطي ما يحدث من الإخوان من عنف وفوضى بأنه سيزيد من الفجوة بينه وبين الشارع، وأضاف: الشطارة ليست منصة وعلم وميكرفون وصوت عالي، بل رجل الشارع هو الذي يقول رأيه وليسوا هتيفة الميدان. واستطرد القرموطي: "ارحمونا! ليس بالكحك والبسكويت تحل الأمور، والعنف ليس المخرج الآمن لكم."”

أليس هذا المزيج من الكذب الوقح والسفاهة المنمقة يكاد يكون صورة طبق الأصل من اسطوانات بعض معارفنا اليوم في مصر، سواء من الأهل أو زملاء الدراسة والعمل أو مغيبين يكتبون تعليقات على المواقع الاجتماعية؟

ثم شاهد مشاعر جابر القرموطي تجاه الرئيس السابق محمد حُسني مبارك:
http://www.youtube.com/watch?v=EYSE_OCoe8A

وهذا العذر البائس لإعلامي هو مجرد مثال من أمثلة أخرى كثيرة يتعلم ويتلقّن منها الببغاوات والمغيبون الأعذار المثيرة للشفقة لما هُم عليه من لا فِكر ولا وعي ولا منطقية. ماذا ننتظر من مساكين يأخذون الثقافة والمنطق من باسم يوسف ويتعلمون التاريخ الإسلامي من إبراهيم عيسى ويتذوقون الحكمة من توفيق عكاشة؟

شكراً لهذه العيّنات من أشباه البشر...يمكن لبعضنا الاطمئنان على فِكره أحياناً.

—ياسين رُكَّه

الفتنة نائمة والظالمون يهلكون الظالمين والطعام لذيذ

’اللهم أهلك الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين‘.

كيف تربي السلبية وحب الدنيا في شعب مسلم وتصنع أشباه متدينين؟ ارفع صوتك بهذا الدعاء، ركّز عليه، كرره على مسامع المسلمين؛ وفي نفس الوقت، اشتكي وقل لهم أن الأدعية المستحدثة التي يدعون بها ليس لها دليل في السنة وأن الأولى والأرجح الدعاء بما دعا به الرسول عليه الصلاة والسلام. ولكننا لا نعرف عن الرسول (ص) دعائه بذلك الدعاء أبداً، فلماذا يدعو به الشيخ المُفتي في الخُطب والدروس؟!

إذا أصبحت أمنية المسلم هي أن يُهلِك الله الظالمين بالظالمين ويخرجه من بينهم سالمين، فما هي وظيفة المسلم؟ ما هي شغلانة المسلم إذن؟ ما هي فائدته للناس ولله وللأرض؟

لو الظالمين يتضربوا بالظالمين، أُمَّال انت بتعمل إيه؟ بتتفرّج؟

أليس هذا الدعاء مثل قول: {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}—المائدة: ٢٤؟

كيف تصنع السلبية وانعدام النخوة والخوف صناعة في قلوب أشباه المتدينين؟ كلما قام أحدهم للوقوف أمام ظالم أو جندي مرتزق من جنود الظالم، تحدث عن ’الفتنة‘. تحدث عن الفتنة كثيراً، وطنطن بها مراراً وتكراراً في آذان أشباه المتدينين؛ الفتنة راحت والفتنة أتت، والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.

أهي الفتنة حقاً التي كانت نائمة؟ أهي الفتنة حقاً التي استيقظت؟ ومن الذي يريدون عودته إلى النوم؟ الفتنة؟ أم قلبك وضميرك؟ أنت.

لعنة الله على الجهل، وشفانا الله جميعاً من سهولة غسيل الأمخاخ.

يا أهل العقل، الحق في غير مكانه قد يكون باطلاً؛ الحق لغير أهله قد يصبح ظلماً. وأعطيك مثالاً واضحاً: فكرة أن إله الكون واحد، أليست حقاً؟ فما ظنك بشخص يؤمن بأن هذا الإله الواحد ليس في السماء، بل هو أمامه...تمثال أو صنم أمامه؟ فعندما يتحدث هذا الشخص عن الإله والرب الواحد، قد تعجب بكلامه، وتراه على حق؛ ولكنك قد تُصعق عندما تكتشف أن الإله الذي يتحدث عنه موجود في حجرته على هيئة صنم!

إذن، فقبل أن تقبل الحق تأكد من مكان الحق في الزمان والمكان، تأكد من العلاقات بين هذا الحق وما حوله، تأكد من نسبيّته أو إطلاقه. يعني، هل التوقيت مناسب؟ وهل هذا هو مكان التطبيق السليم لهذا الحق؟ وهل الحق في هذا المكان يُظهر علاقات صحية بينه وبين ما حوله من أفكار أو حقائق أو أفراد؟

في زماننا هذا، نرى شبه يومياً أمثلة لموقف ’حق يراد به باطل‘. وبإسقاط الكلام كله على مثال ذكرته مناسب لأحداث اليوم، نعم، يوجد شيء اسمه الفتنة وعلينا أن نتقيها؛ ولكن هل للفتنة علاقة بالوقوف أمام الظالم أو زبانية الظالم؟ بالتأكيد لا. فلا تدع المغسولين مخياً والجهلاء وأشباه المتدينين يخدعونك بما خدعوهم به النخبة والإعلام الكاذب ومشايخ الحكومات.

—ياسين رُكَّه

الأربعاء، يوليو 17

بعيداً عن مرسي والإخوان والسلفيين، وفي قلب القضية

عزيزي مؤيد المشروع الإسلامي، قبل أن تتحدث مع إخوانوفوبي أو إسلاموفوبي أو ليبرالي متأسلم، مؤمن إيماناً شديداً بأن الإخوان والسلفيين منافقين متأسلمين انتهازيين، اسأله هل يؤمن بأنه لا دين في السياسة؟ اسأله ماذا يفعل الشعب المسلم بالقوانين الإسلامية؟ ناقشه في شمولية الإسلام، أو أن الإسلام نظام إدارة كامل لكل كبيرة وصغيرة في حياة الإنسان. وشاهد فيديوهات واقرأ مقالات—وكتباً إن أمكن—واقرأ مناقشات في هذا الموضوع على المواقع الاجتماعية ومنتديات النقاش، كي ترى كيف يتناقش الناس في هذه القضية، وما هي النقاط المقنعة فيها، والدلائل القرآنية والسنية والمنطقية التي يمكن إثبات وجهات النظر بها.

إن لم يقتنع بشمولية الإسلام وأهميته كمنظومة قانونية ونظام حُكم، فلا يمكن أن يقتنع بأن أي سياسي ذي مرجعية إسلامية خالص النية. يجب أن يقتنع أن السياسي ذا المرجعية الإسلامية له ضرورة، لأنه طالما يؤمن بأن ليس له أي أهمية، فسيظل يؤمن أن ما يُدْعَى ب’الإسلامي‘ هو شخص متسلق وتاجر دين وإلى آخره.

القضية في جذرها ليست قضية الإخوان أو السلفيين أو اللحية، وليست حتى قضية رجوع د. محمد مُرسي (وإن كان هذا هو الحق بناء على الديمقراطية لأن من أتى بانتخاب يجب أن يرحل بانتخاب أو استفتاء)، وإنما هي قضية الرضا بالقوانين الإسلامية وقبول الإسلام كنظام لإدارة الدولة والمجتمع، أو نظام للحُكم. ابدأ بهذا، ثم بعد الانتهاء منه—إن انتهيت، يمكنك الحديث في دلائل التطبيق المخْلِص لأي جهة، سواء الإخوان أو السلفيين أو أبو إسماعيل، للقوانين الإسلامية واستخدام الإسلام كنظام حُكم.

وهذه هي القضية التي تستحق التمسك بها؛ لا يعنينا أصلاً إذا كان من يطبق الإسلام كنظام حُكم من الإخوان أو من السلفيين أو مستقلا؛ ما يعنينا هو أن يتم بالفعل هذا التطبيق. بعد هذا، نختار من السياسيين المتاحين ذوي المرجعية الإسلامية بحسب الجدارة لإدارة البلاد. فمثلاً، من يختار الإخوان قد يختارهم لأنهم أقدم مؤسسة خيرية وحزب سياسي معارض في تاريخ مصر ولأنهم بارزون في الإدارة؛ ومن يختار السلفيين قد يختارهم لأن تطبيقهم للإسلام سيكون ’الأحوط‘ اتجاهاً والأكثر بعداً من الشبهات أو الأصح من منظورهم؛ ومن يختار أبو إسماعيل قد يختاره لأنه مستقل عن هؤلاء وهؤلاء إلى حد كبير، وقد ينجح في جمع الأطراف على قضية واحدة لاستقلاليته هذه. وقتها نكون متفقين على المبدأ وعلى نظام الحُكم، ومختلفين فقط فيمن نراه الأنسب للمرحلة. وهو اختلاف لا يسمح للكراهية أن تنمو فيه.

فمرة أخرى، لنحاول قدر الإمكان أن نقنع الآخرين بالقضية نفسها، بالمشروع الإسلامي نفسه، بالقوانين الإسلامية وأهميتها، بالإسلام كنظام حُكم. إقناع الناس بشيء مثل هذا أسهل بكثير من إقناع الناس بأن الإخوان—مثلاً—حلوين وقمامير أو أن د. محمد مُرسي حَبُّوب!

—ياسين رُكَّه

الليبرالية في ثوب الإسلام بعد الانقلاب العسكري

الموضة هذه الأيام، من بعض مدّعي الثقافة والوسطية، من عينة من يعشقون ’فن وفِكْر‘ طرطور مثل باسم يوسف، يقولون لك—ما معناه—أنهم بالرغم من كرههم الأعمى للإخوان والتيار الإسلامي المنافق كله، وبالرغم من إيمانهم العميق بالفشل الذريع لمُرسي وحكومته بما فيها باسم عودة مثلاً، إلا أنهم في نفس الوقت لا يرضون بالعنصرية أو التعذيب أو الظلم أو الاعتقالات العشوائية أو الحكم العسكري. ولاحظ أنهم يقولون هذا، ولكن لا يؤيدون معتصمي رابعة ولو بكلمة واحدة ولن يقفوا معهم أبداً.

هذه العينات من الناس ليسوا مسلمين—إن كانوا—سوى بالعقيدة (يعني بالاعتقاد) وفقط؛ والله الذي لا إله إلا هو إنهم ليبراليون، كما يقول الكتاب، ليبراليون وأمخاخهم منغمسة انغماس تام في الليبرالية وأفواههم تقطر ليبرالية، وإن ارتدوا الحجاب وكانت أسمائهم أحمد ومحمد وتشدقوا بآيات من القرآن. ووالله الذي لا إله إلا هو الليبرالية ما هي إلا ثوب جديد لنفس روح العالمانية التي انكشف أمرها وحذر منها الغزالي والشيخ الشعراوي نفسه رحمهما الله. الشيخ الشعراوي قالها في الفيديو: لا يمكن أبداً أن يكون المسلم عالمانياً. وبناء عليه فلا يمكن أن يكون المسلم ليبرالياً.

العالمانية أو الليبرالية تريد أن تفعل بالإسلام ما تم بالفعل في المسيحية...ممارسات روحانية لا تخرج من ركن مظلم للعبادة في محراب في المنزل أو الكنيسة أو المعبد أو المسجد (ولاحظ أن بعد قرون من تآكل الهوية المسيحية خاصة في الغرب خلت الكنائس من العبادة حتى في يوم الأحد!)—أي مبدأ أن لا دين في السياسة، واعتقادات ثيولوجية أو دينية لا تخرج من العقل إلى اللسان في أي مكان عام—مبدأ أن الدين شيء بين الإنسان وإلهه فقط. هذا هو ما يريد مروجوا هذا الفِكر، من أمثال باسم يوسف، أن يفعلوه في الإسلام. وهذا هو الفِكر الذي يردده غنم وعبيد النخبة...ليبراليون في ثياب مسلمين.

تذكر: إن نطقوا الشهادتين، فدمائهم حرام علينا، ونعاملهم بالظاهر وهو إسلامهم، ولكن لا تثق بآرائهم ولا تعاملهم معاملة المسلم الكامل، لأن من عمل أو تكلم لإضعاف شوكة الإسلام كنظام حاكم، سواء عن عمد أو عن جهل، فهو يعمل على هدم الإسلام نفسه، لأن الإسلام لا يتجزأ أبداً. احذر المحجبات وذوي الأسماء المسلمة فيهم أكثر مما تحذر من الليبرالي الواضح الزندقة، لأن الليبرالي في ثياب الإسلام يشجع المسلم الجاهل وغير المسلم على الظن بأن هذا هو الإسلام ’الوسطي‘، والإسلام منهم ومن الليبرالية بريء. هؤلاء أخطر على الإسلام من العدو الواضح لأنهم يدمرون الإسلام ببطء، ويدمرونه من الداخل؛ وهم أهل بدعة. هداهم الله...أو أضلهم الله أكثر حتى يظهر عدم إسلامهم.

تذكر: كما أن الإسلام من المنظور الفرديّ هو الشهادتين والاستسلام لله ولأوامر الله كلها، فالإسلام من المنظور المجتمعيّ أولاً وأخيراً قانون...دستور، ترسيخ لأوامر الله هذه، قواعد حُكم. {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}—المائدة: ٤٤.

—ياسين رُكَّه

الثلاثاء، يوليو 16

لولا من في رابعة

لولا من في رابعة، لقلت أن هذا الشعب لا يستحق أن يختار رئيسه بالانتخاب،

بل أن يداس بالنعال ويُحكم بالإرهاب.

لولا من في رابعة، لسكتّ على الانقلاب العسكري متبسّماً، متشفيّاً، في أناس يستحقونه ويستحقون الرجوع إلى أيام العذاب.

هل اللوم على نخبة فاسقة، بدون الدماء والزنا ليس لها منصب أو اكتساب؟

أم اللوم على رعاع جاهلة، بدون القهر والإهانة، إلى العمل لن تخرج من باب؟

أم اللوم على فرعون ودبّابة، بدون صناعة العدو في ثوب الإسلام، لم تكن لتجلس على كرسي مُحاط بالكلاب؟

من ألوم في هذا المثلّث، مثلث الشرّ والجهل والنجاسة، يا أولي الألباب؟

لولا من في رابعة، لانشغلت بالسؤال واللوم عن جثث الأطفال والساجدين في دماء وثياب أهباب.

لولا من في رابعة، لانشغلت بمقت الكلاب وأولاد الكلاب.

لولا من في رابعة، لم أكن لأرى سوى الذئاب تعتلي الكلاب.

لولا من في رابعة، لكنت بلا بيت في وطني، بلا أمل، ولا آداب.

لأن من في رابعة هم سبب أدبي، ورابعة اليوم بيتي، في وطن يفتقر إلى الأسباب.

لولا من في رابعة، لامتلأ القلب بالمقت والاكتئاب.

لولا من في رابعة، لاشتعل الرأس شيباً ثم شاب.

لولا من في رابعة من أطفال ونساء وملائكة ورجال وشيوخ وشباب.

لولا من في رابعة...أيا أولي الألباب.

—ياسين رُكَّه

الثلاثاء، يوليو 9

السر وراء الكثير من الإرهاب والمناورات السياسية والإعلامية

لكي تفهم الكثير من المناورات السياسية، والكثير من الهجوم الإعلامي وغسيل المخ البروباجاندي والهجوم الإرهابي (وأكثر الإرهاب يأتي من وكالات المخابرات)، تذكر كلمة واحدة: القانون.

أو الدستور.

نعم، المال يحرك الكثير من الأمور في العالم؛ أو كما يقول الغربيون، المال يجعل العالم يدور. ولكن، حتى المال نفسه لا يمكن أن يحرك أي أمر عام بدون قانون يبيح ذلك!

فالصراع كله وأصله، في جذوره العميقة، هو صراع بين قانون إلهي وقانون وضعي؛ أو بمعنى أدق، بين أهل القانون الإلهي وأهل القانون الوضعي. لسه مش فاهم؟ طب لو قلت ’دستور‘ بدل قانون، الفكرة قرّبت كده شوية؟

وأزيد: أهل القانون الإلهي في مصر اليوم مثلاً هم أهل الشريعة الإسلامية (الشريعة هي الكلمة التي نصف بها منظومة قواعد القانون الإسلامي، كما أن الدستور هي الكلمة التي نصف بها منظومة قواعد القانون الوضعي، أي الذي وضعه إنسان مثلي ومثلك)، وأهل الشريعة الإسلامية يعني خبراء القانون الإسلامي والبسطاء ممن يؤيدون الشريعة الإسلامية؛ وعلى الجانب الآخر، أهل القانون الوضعي في مصر اليوم مثلاً هم أهل العالمانية والليبرالية (والكثير منهم يظنون أنك يمكنك أن تكون مسلماً ليبرالياً، وهذا شيء مضحك لمن فقه الألف من كُوز الذرة في الإسلام بكليته)، وأهل العالمانية يعني خبراء القانون الوضعي (وأحياناً هؤلاء ’الخبراء‘ هم أنفسهم من اخترعوا وصاغوا ووضعوا هذا القانون من أصله!)، ومعهم البسطاء (أو الجهلاء) ممن يؤيدون الدستور الوضعي أو الدستور العالماني أو الليبرالي أو الدستور الإنساني عامة.

ولكل إنسان فطن وعنده بعض الذكاء، إن رجعت بذاكرتك إلى الأحداث التي تلت الثورة المصرية في ٢٥ يناير، وإن استطعت أن تتذكر الكثير من التصريحات والأحداث والإعلانات التليفزيونية وتعليقات الشخصيات السياسية (سواء العميلة أو غيرها) وتعليقات الفنانين والنشطاء و...و... إن رجعت بذاكرتك وتذكرت ما يكفي من الأحداث، لازداد يقينك بهذه الفكرة الجذرية الجوهرية...السر كله في الدستور!

أهل الباطل قد يرضون بالكثير من القوة لدين الله، بل قد يعطون السياسيين ذوي المرجعية الإسلامية مليارات من المال ويستسلمون للمسلمين المتدينين في الكثير والكثير من الأمور، ويعطونهم كل شيء ممكن، إلا القانون! إلا دستور إسلامي. إلا...’السلطان‘ (وهي الكلمة التي استخدمها عثمان بن عفان رضي الله عنه في مقولته الشهيرة: إن الله يزع بالسلطان...).

أهل الباطل قد يعطونك أي شيء، ولكنهم سيحاربون حتى آخر قطرة دم ممكنة كي يمنعونك من تحكيم الله على نفسك وعليهم! خذ مال الدنيا كله منهم، ولن يبالوا، طالما قانونهم هم الذي يحكم (لأنهم سيستردون منك هذا المال كله بمزيج من التكنولوجيا والبروباجاندا—أو الإعلام المُوجّه—والقانون الذي وضعوه هم أنفسهم)؛ طالما هم يحكمون بسلطانهم، ولا يحكم الله بشريعته...لن يبالوا بأي مكاسب تأخذها أيها المسلم.

تذكر هذه الكلمة: القانون. الدستور. تفهم الكثير من الأمور والأحداث والمناورات والمعارك السياسية والإرهاب. وتفهم سر القوة، وأعمق بذرة للحرب.

—ياسين رُكَّه

لماذا دليل أقلية المعارضة هو عزل العسكر لمرُسي؟

يبدو أن بعض مؤيدي التيار الإسلامي نفسه يؤمنون أن عزل الرئيس السابق د. محمد مُرسي كان هزيمة في إحدى المعارك ضد الإسلاموفوبيا وفوبيا الشريعة الإسلامية. كما يراه الفريق الآخر، الذي يضم عالمانيين وليبراليين وملاحدة وعسكر وفلول وأقباط وإلى آخره، نصراً لهم. الحقيقة، كما أراها، هي أن هذا لم يكن هزيمة أو نصراً، بل كان غشاً واستخداماً غير قانوني للقوة العسكرية. بل وكان الدليل الذي نحتاجه اليوم على أن المعارضة في الحقيقة هي الأقلية! لأن الكثير من أهل المعارضة يتشدق بأن تأييد الإخوان ومُرسي قلّ كثيراً عما سبق.

فالذي حدث، من منظوري، هو أن العسكر استغل أن ما يقرب من نصف الشعب (ولكن لا يمثل الأغلبية بالدقة الحسابية) يهتف ضد الرئيس السابق د. محمد مُرسي، فعَزَله العسكر بناءً على ذلك؛ ولكن هل حقاً كان المعارضون أكثر؟ أنا على يقين أنهم كانوا الأقلية، حتى وإن كانوا مثلاً ٤٥% من الشعب، فهذه أقلية؛ طالما لم يزيدوا عن ٥٠%، فهم الأقلية، كما تقول قواعد الديمقراطية التي يتشدقون بها في أي بلد ديمقراطي نصف محترم؛ أوباما مثلاً في أمريكا كسب بنسبة ٥٢.٩٣%، كما كسب مُرسي بنسبة ٥١.٧٣%. فإن كان المعارضون ٤٩.٩٩% من الشعب، لظل د. محمد مُرسي الرئيس الشرعي للوطن.

كيف عرفت أنّ المعارضين كانوا الأقلية؟ ببساطة لأنه إن كان العسكر يعرف أن المعارضة هي الأغلبية، لأجرى استفتاء شعبي بمنتهى الثقة في مسألة بقاء مُرسي من رحيله. ولضمان دقة النتائج وعدم التزوير، لأشرف العسكر بأنفسهم على الاستفتاء وأيضاً قاموا بتمويل إشراف حيادي دولي على الاستفتاء، وبالتالي لعرفنا جميعاً بمنتهى الدقة رأي أغلبية الشعب في هذا الأمر. ولكن العسكر كان يعرف أن المعارضة هي الأقلية على مستوى الجمهورية كلها، حتى وإن كانت أغلبية في بؤرة الفساد، العاصمة؛ عواصم العالم كلها بؤر فساد عامة، أو بمعنى آخر، يتركز ويكثر فيها الفساد عن أي مدينة أخرى في الدولة. ولأن العسكر كان يعرف أن المعارضة أقلية، فقد أدرك أن الطريقة الوحيدة للتخلص من مُرسي هي استخدام القوة والجبر. استخدام القوة والجبر بدون أي خطوات تسبقها لتجنب هذه الخطوة، هو دائماً اختيار أهل الباطل والفساد، لأنهم يعرفون أن لا الحق ولا المنطق نفسه معهم.

فإن جادلك معارض في حقيقة أنه يمثل الأقلية، اسأله لماذا إذن لم يقم العسكر أو الجيش بإجراء استفتاء شعبي يشرف عليه العسكر أنفسهم—مع إشراف دولي أيضاً—في مسألة بقاء مُرسي من عدمه؟

غالباً سيكون رده الساذج والمتكبر هو أن الأمر واضح؛ اسأله واضح لِمَن؟ له هو وعينه الغير حيادية الكارهة؟ أم واضح لعدّاد في بيته يعرف به أعداد الناس في كل مكان في مصر؟ الأمر الوحيد الواضح هو أن الكثير لا يريد أن يعدّ الناس في مصر اليوم بدقة رقمية وحسابية ونسبية.

—ياسين رُكَّه

الجمعة، يوليو 5

إلى الفرحانين والشامتين...الساذجين

بعض أهل المعارضة فرحانين بعزل الرئيس السابق د. محمد مُرسي. بعضهم شامتون. وبعضهم ساخرون ومتهكمون. وبعضهم...نافش ريشه عامة.

طبطب على كل واحد فيهم بابتسامة شفقة، وقُل له: ’مبروك حلّ مشاكل مصر يا حبيبي!‘

مساكين.

وبالمناسبة، كان هذا هو ردّ فعلي نفسه منذ أكثر من عامين، عندما كان يحتفل المساكين—وغير المساكين—بتنحّي الرئيس السابق محمد حسني مبارك. هم يحتفلون، وكنت أنا أقول في نفسي: مساكين...يظنون أنهم حققوا إنجازاً أو حلّوا مشاكل الوطن.

قد يظنه البعض اليوم إنجازاً بالفعل، ولكن هذا لأنهم يعرفون اليوم ما حدث بعد تنحيه؛ أما في ذلك اليوم نفسه بدون أن أعرف المستقبل، لم أكن أعتبر هذا إنجازاً على الإطلاق، لأني كنت أتذكر أن مطالب الثورة لم يكن لها أي علاقة بتنحي الرئيس مبارك نفسه، وإنما كانت تتعلق بقانون الطوارئ والفساد والبرلمان المزوّر! كانت هذه هي التغييرات الوحيدة التي تستحق الاحتفال. أما اليوم...فيكفي أن أهل المعارضة فرحوا ورضوا بعزل الرئيس محمد مُرسي. بل يكفي أصلاً أن هذا هو كان هدفهم! اضحك!!

فعلاً...مساكين. يظنونه نصراً. ما أسهل اللعب بقلوب وعقول الشعوب اليوم. إنها سنوات عجيبة.

فهم من فهم، وجهل من جهل.

المهم، النقطة هي أن أهل المعارضة فعلاً مساكين، فعلى مؤيدي التيار الإسلامي والمشروع الإسلامي أن يظلوا على ثقة بالله، وأن يشفقوا على سذج المعارضة، لأن عزل الرئيس محمد مُرسي لا يغير أي شيء للأسوأ أو للأفضل، تماماً مثل تنحي مبارك منذ أكثر من عامين. كلها أشياء تافهة لإدارة عواطف الجماهير الساذجة.

ابتسم إن لم تكن ساذجاً...أو أفقت لتوّك من سذاجتك.

—ياسين رُكَّه

هل هي فتنة وانقسام بين مجتهدين اليوم؟

لا علاقة حقيقية بين الفتنة وقت معاوية وعليّ بن أبي طالب والانقسام الشعبي في مصر اليوم، وهذا ليس لأنه لا يوجد مقارنة بيننا وبين الصحابة، بل إن المقارنة أحياناً صالحة طالما حافظنا على مكانة الصحابة كلهم وعرفنا فضلهم علينا جميعاً، وإنما لا يوجد علاقة حقيقية أو مقارنة صالحة لأن الاختلاف وقتها كان بين صحابين جليلين، فضلهما الاثنين على رأسنا، عليّ بن أبي طالب وهو غنيّ عن التعريف، ومعاوية بن أبي سفيان، كاتب الوحي وقائد الجيوش الإسلامية. يعني إن شئنا أن نقارنه باختلاف في الوقت المعاصر، لكان واجباً أن نقارنه بموقف بين رجلين قائدين يريدان أن يطبقا شرع الله وقوانينه مثلاً، بغض النظر عن هويتهما؛ وبناءً على الوضع السياسي في مصر اليوم، لا يوجد شخصيات مثل هذه يمكن أن تأتي من أي أحزاب إسلامية سوى حزب الحرية والعدالة وحزب النور وحزب الراية (حازم صلاح أبو اسماعيل). ولا أقول أن أي شخص يأتي من هذه الأحزاب يصبح في منزلة الصحابة—لا سمح الله، بل أقول أنه إن اختار أي من هذه الأحزاب قائداً للولاية أو للوطن، فهذه القادة هم من يمكن مقارنة الاختلاف بينهم أو عليهم بالاختلاف بين صحابيين جليلين، ولا مقارنة بين منزلة الصحابة الجليلة ومنزلتنا المتواضعة. فالسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل أهل المعارضة اليوم معهم قائد من حزب أعلن صراحة هدف تطبيق شريعة الله وقوانينه؟ هل مثلاً حركة تمرد تريد شخصية سياسية سواء من حزب الحرية والعدالة أو حزب النور أو حزب الراية؟ هل يريد الفنانون المصريون قائداً من هذه الأحزاب؟ هل يريد الأقباط قائداً من هذه الأحزاب؟ الفلول؟ هل يريد أي مُعارض اليوم رئيساً ذا مرجعية إسلامية ويعرف من هو؟ أم أنهم جميعاً يبحثون عن قائد ليبرالي أو عالماني أو عسكري؟

وبناءً عليه، فلا مقارنة على الإطلاق هنا. وإذا كان أهل المعارضة فيهم كل هؤلاء الذين ذكرتهم (وجهات أخرى تحارب الإسلام والشريعة سراً وعلانية)، ثم انضم إليهم بعض ما نعرف عنهم التديّن (والله أعلم بالقلوب)، فلا يسعني سوى أن أقول: خسارة، وإنه لشيء مُحزن.

حقيقة، لا يمكنني أن أتخيل...كيف يقف مُعارض مسلم متدين اليوم في ميدان التحرير بجانب الفلول أو مؤيدي نظام مبارك وبجانب الليبراليين وبجانب العالمانيين وبجانب الكثير من الفنانين الكارهين للشريعة والسنة وبجانب الفوضويين والأقباط (من الذين لم يخرجوا في ثورة ٢٥ يناير أصلاً وفقط خرجوا الآن وهم أكثر الأقباط) والملاحدة والمغتصبين...كيف تقفوا بجانب كل هؤلاء، وما زلتم تظنون أنكم على حق أو أن الأمر غير واضح الضلال والبطلان؟

ألا يجب أن نسأل أنفسنا من الذين يقف معنا اليوم في موقفنا، كي نفهم إذا كنا على حق أم لا؟ نعم، لا يُعرَف الحق بالرجال، ولكن عندما نرى أطرافاً وجهات إسلاموفوبية أو كارهة للإسلام وشريعته بهذه الكثرة، تقف معنا في نفس الموقف الذي نتخذه، ألا يتسرب الشك إلى قلب الإنسان الذي لم تعميه العاطفة أو يغسل مخه الإعلام الكاذب؟

سبحان الله. أتفهم المسلم الذي يعارض الإخوان كي يختار السلفيين أو أبو إسماعيل والراية مثلاً، أو أي قائد سياسي أعلن صراحة ورسمياً مرجعيته الإسلامية. ولكن تعارض الإخوان كي تختار مَنْ؟ ليبرالي أو عالماني أو عسكري؟ والله إنه لشيء مخزي، ولا يوجد أصلاً أي شك أو ضبابية في الموضوع.

خسارة. خذلني اليوم الكثير والكثير ممن كنت ألتمس فيهم الحكمة وصلاح بوصلة القلب.

—ياسين رُكَّه