كتب م. محمد كمال: الإخوان والعسكري: كيف يفكران؟
تحتدم الأحداث كلما اقتربنا من الموعد المضروب لتسليم السلطة، لا سيما أننا نعيش ثلاث انعطافات كبرى، الأولى هي الصراع بين "البرلمان" النشيط و"الحكومة العاجزة.. أو المتآمرة"، والثانية هي الصراع المفتعل على "تأسيسية الدستور" والثالثة هي الصراع على "رئاسة الدولة".
وتمايز الفرقاء على ساحة الملعب السياسي، فأصبحت المباراة بين "الإخوان" من جهة وبين "العسكري والقوى الليبرالية واليسارية والفلول" من جهةٍ أخرى، واختار "شباب التحرير" موقف المتفرج الذي يشجع فريقًا لم ينزل الملعب بعد.
أما "الإخوان" فهم مشغولون بإدارة عملية "نزع الملك" من "العسكري" والذي ألف التمدد على عرش مصر، وهم يفكرون كالآتي:
المهمة الكبرى في المرحلة هي مناجزة "العسكري" حتى يسلم السلطة للشعب ليبدأ الأخير في امتلاك إرادته وينتقل إلى ديمقراطية حقيقية يختار فيها من يشاء.
أما إستراتيجية "العسكري" فهي البقاء في السلطة بالتحكم في سلطات الدولة عبر التحصل على امتيازات دستورية تجعل الثورة عليه بمثابة (انقلاب) على الشرعية.
ظل الفريقان يتناحران ويفوز كل منهما على الآخر في مواقع ويخسر أخرى، مع إصرار كل منهما على استكمال الطريق، حتى وصلا إلى مرحلة "عدم القدرة على التراجع"...
فأما مكاسب كل فريق فكانت كالآتي:
"الإخوان" مع كل القوى الوطنية انتزعوا "الانتخابات البرلمانية" وتحديد معالم "انتخابات الرئاسة" والاتفاق على "موعد نهائي لتسليم السلطة"، وعلى صعيد "المصداقية" فقد خسر "العسكري" كثيرًا جدًّا من رصيد "حماية الثورة" بعد أن نجح الثوار في تعرية نواياه الاستبدادية.
أما "العسكري" فقد نجح في شق صف الثوار بمماطلته في الاستجابة لمطالب الثورة، والتي فرقت القوى الوطنية إلى ثلاث فرق وهم "شباب التحرير" الذي يطالب باستكمال الثورة عبر "الميادين"، ثم فريق المهادنين الذي انحاز لبقاء "العسكري" عدة أعوام والتفاوض معه بلا ضغوط، ثم "الإخوان" الذين اختاروا "التفاوض تحت وابل النيران" بمعنى "التفاوض" مع الإبقاء على "الميدان" كرادع يستخدم بحسابات دقيقة.
واستطاع "العسكري" أيضًا أن ينال من "مصداقية" شباب الثورة عبر تسريبات إعلامية تتهم الشباب بتمويلات خارجية، ويحاول النيل من "مصداقية" الإخوان مستغلاً قرار ترشيح "الشاطر"، وفي المقابل فقد ربح كثيرًا بإجراء انتخابات برلمانية نزيهة، وزادت هذه المكاسب من "إحباط" القوى الشبابية لا سيما مع اختلافهم على أنفسهم بعد اختلافهم مع "الإخوان".
وهكذا أصبح الفريقان "الإخوان" و"العسكري" وفي يد كل منهما أوراق في مواجهة الآخر حتى أتينا للمرحلة الراهنة التي رأى فيها "العسكري" أن يبادر بفرض (شروط المرحلة)!.. فكانت كالتالي:
أولاً: تهديد "البرلمان" "بالحل" إذا استمر في إحراج الحكومة و"سحب الثقة" منها، والإبقاء على حكومة "حرق الأرض" لإفشال "البرلمان".
ثانيًا: أن يكون النظام السياسي "رئاسيًّا".. (مما ينبئ بدعم العسكري لمرشحٍ ما، قد يكون عمرو موسى في النهاية).
ثالثًا: سيطرة "العسكري" على عشر وزارات من ضمنها الوزارات السيادية, بصرف النظر عمن يفوز بالأغلبية، لتصبح إرادة "العسكري" أعلى من إرادة الشعب.
وبالقطع فقد واجههم "الدكتور الكتاتني" برفض هذه التهديدات، وأن "البرلمان" رغم كونه لا يمتلك الإسقاط القانوني للحكومة فإنه سيواصل إسقاطها سياسيًّا وشعبيًّا، إبراء للذمة، وإعلامًا للشعب الذي اختار "برلمانه".
كذلك فإن "الإخوان" رفضوا هذه الإملاءات وهددوا باللجوء للشعب صاحب الحق الأصيل في قبول أو رفض شروط العملية السياسية. هنا لجأ "العسكري" لورقة "تأسيسية الدستور" وجمع من استطاع في صفه، واستخدم مدفعية الإعلام الثقيلة لمواجهة أكذوبة اختلقوها وهي "الاستحواذ الإخواني"، ورغم القلق الشعبي العارم من هذه المواجهة إلا إنها سترسو حتمًا على شاطئ الأمان؛ ذلك لأن العسكر يخشون "الميدان"، وليس بمقدورهم الصدام الدموي مع الشعب الذي يتكون الجيش وقياداته الوسطى من أبنائه؛ وكذلك لأن "الإخوان" سارعوا إلى (عدل) موازين القوى في مواجهة "العسكري" الذي يسيطر على القوى السياسية التقليدية ومعها كل مؤسسات الدولة التنفيذية.
وأما كيف (يعدل) "الإخوان" الموازين؟.. فذلك بخوضهم انتخابات الرئاسة، وإذا نجحوا (وهو المتوقع) في إيصال مرشحهم لسدة الحكم فستكون القوى متوازنة مع "العسكري" الذي سيضطر حينئذ لسماع صوت الحقائق على الأرض، والتي ستخبره أن سيطرته على القوة رسميًّا ستتحول إلى "مسئولية" وليس "امتيازًا"، وسيكون وقتها أقل اشتهاء للسيطرة على الحكم، وسيكتفي بالحصول على "امتيازات" العسكر التي يحصلون عليها عادة نظير "التحول الديمقراطي الآمن" كما حدث في إسبانيا وشيلي وأغلب دول أمريكا اللاتينية.
ليس فخًّا- إذن- من خصوم "الإخوان" أن يحمّلوهم مسئولية "التركة الخربة"، وإذا كان أستاذنا فهمي هويدي يشفق على "الإخوان" من المخاطرة الكبيرة، فإن على الجميع أن يسأل:
وأين هي القوة (أو القوى) البديلة المرشحة لإدارة الصراع؟
الإجابة بلا تردد: ليست هناك قوة جاهزة، وعليه فإن الاختيار الإخواني أصبح أخلاقيًّا أكثر منه سياسيًّا.. بمعنى أن "الإخوان" لا يمكن أن يروا أمام أعينهم صفحة الثورة تطوى، والعودة إلى النظام البائد تجري على قدم وساق، ثم تأخذ قرارها بالابتعاد عن المواجهة خشية الفشل أو التربص، لا سيما وأن ما اكتشفه أستاذنا "هويدي" (من تآمر) منذ أسابيع كان واضحًا تمامًا وبلا لبس "للإخوان" ولقوى ثورية عديدة من البداية.
وعلى الذين يرون أن "الإخوان" سيفتتون الصوت الإسلامي بترشيح "الشاطر" أن ينظروا للمشهد من زاوية الصراع بين الثورة وأعدائها، وليس من منظور حسابات انتخابية فقط تأتى بأي إسلامي؛ لأن منظور الصراع سيحمّل "الإخوان" تبعة قراراتهم أمام الشعب وبالتالي لا يمكن أن يكتفوا بأن يكونوا مجرد أصوات تضخ لصالح أي مرشح ثم يتركونه هو والثورة نهبًا للضغوط، وعليه؛ فإن "الإخوان" اختاروا من سيواصل معركة "مطالب الثورة" وليكونوا مسئولين معه أمام الشعب عن نتائج هذا النضال.
فارق كبير بين "رئيس" يستند إلى رافعة اجتماعية، سواء أكانت حزبا أو جماعة أو هما معًا، ويمتلك بجوارها دعمًا شعبيًّا، وبين "رئيس" وصل بدعم "كتلة تصويتية" فقط؛ لأن "الأول" سيظل مدعومًا من ظهيره المجتمعي لإنجاح مشروعه، والدعوة إلى تأييده جماهيريًّا، أما "الثاني" فإن الأصوات التي أوصلته للحكم ستكون أول من يطالبه بوعوده عشية نجاحه، فتصبح ضغطًا مضافًا على ضغوط "صراع التحول الديمقراطي"، وحينها سينشغل بالعاجل الذي يستطيعه، ويرضخ لضغوط "العسكري" التي يسهل حينها أن تعيد الوطن إلى المربع صفر.
—م. محمد كمال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق