عامر شماخ يكتب: من هم شباب الإخوان؟
يصور خصوم الإخوان شباب الجماعة كأنهم أعضاء في هيئة سياسية كارتونية، يتنازعون السلطة مع قادة هذه الهيئة للحصول على مناصب أو مكاسب مادية.
ويصورونهم شبابًا ضائعين، عاطلين، استحوذ قادتهم على خير الجماعة، وسخروهم لحمل الأعباء، وتلقي الضربات، بينما هؤلاء القادة في رغد العيش، بعيدين عن مصادر الخطر ومواطن المواجهة مع الأنظمة القمعية.
ويصورنهم شخصيات آلية، لا عقل لها ولا حواس، فهم يسمعون ويطيعون لأمرائهم ومسئوليهم، طاعة عمياء، لا نقاش فيها ولا جدال.
ويصورون العلاقة بين القادة والشباب، كأنها علاقة صراع عنيف على السلطة، بما يحتمله هذا الصراع من توجس كل طرف بالآخر، ومن تبادل للاتهامات فيما بينهم.
وقد استغل هؤلاء الخصوم انتقاد بعض الشباب المحبين للجماعة أو المؤيدين لها ممن لم ينالوا حظًا كافيًا من التربية داخل محاضنها—فاعتبروا ذلك بداية النهاية، وأن انهيار الإخوان سوف يكون قريبًا على أيدي هؤلاء الشباب.
فما صحة ما يدّعيه هؤلاء الخصوم؟ ومن هم شباب الإخوان؟!
- شباب الإخوان يا سادة هم عماد الجماعة وأساسها، وهم قادتها وقاعدتها، هم من يخططون ويوجهون وينفذون، ويتابعون ويقيمون الأعمال ويصححون الأخطاء، ولو أجري إحصاء دقيق لوجدنا الغالبية العظمى من القيادة من الشباب—باستثناء مكتب الإرشاد الذي يضم أيضًا نسبة لا بأس بها منهم—فهم رؤساء اللجان، ونواب الشُعب، ورؤساء المناطق والقطاعات، وهم أعضاء الهيئة العليا للحزب، وأعضاء الأمانات، ورؤساء اللجان والشياخات والوحدات الحزبية الصغيرة.
- وشباب الإخوان يا سادة، هم الذين أسسوا هذه الدعوة، فالبنا نفسه كانت سنه لا تتعدى اثنين وعشرين عامًا؛ أما الستة الذين شاركوه تأسيس الجماعة وأعلنوا عن قيامها (عام ١٩٢٨م) لم تكن سنهم تزيد على ذلك؛ أما أهم خصيصة من خصائص هذه الجماعة فهي: "إقبال الشباب عليها، يناصرونها ويؤيدونها"، كما قال الإمام البنا، وهذا سبب—بعد توفيق الله تعالى—من أسباب قوتها، ونقائها، وثباتها…من أجل هذا تحتضن الجماعة ثلاثة أقسام مهمة تخصصت كلها في تربية وصناعة الشباب، هي: قسم الجامعات، قسم الإعدادي والثانوي، قسم الأشبال.
- وشباب الإخوان يا سادة، هم رجال الأمة الربانيين القرآنيين، الجادين، الذين لا تخيفهم كثرة الخصوم، ولا تفزعهم قوى الشر، هم رهبان الليل فرسان النهار، لسان حالهم يقول: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)—١٠الحشر، لا يجهرون بسوء، ولا يفحشون بقول، صابرون متعففون، مخلصون لربهم فلا يعملون لحساب أحد، ولا يخافون في الله لومة لائم، سيماهم الإيمان والحماسة والعمل، ليسوا دعاة كسل أو إهمال، وليسوا (دراويش)، وليسوا دعاة تفريق عنصري بين طبقات الأمة، وهم قوم عمليون يدعون ميدان الكلام إلى ميدان العمل، وينتهون من وضع الخطط والبرامج إلى ميدان الإنفاذ والتحقيق.
- وشباب الجماعة يا سادة يوازنون بين العقل والعاطفة، والمادة والروح، والنظر والعمل، والفرد والمجتمع، والشورى والطاعة، والحقوق والواجبات، والقديم والجديد، وهم معتدلون في موقفهم من الدعوات والأفكار الأخرى، فهم يتمتعون بروح طيبة سمحة، وقلب كبير.
- وهم الذين حملوا الدعوة الإسلامية إلى المدارس والجامعات، والقرى والنجوع، وهم الذين قادوا الناس إلى المساجد، وضربوا المثل بطهارة الدعاة ونقاء الدعوة، وهم من دفعوا الثمن غاليًا بعدما واجهوا الطغاة والمستبدين، وهم الذين جاهدوا المحتلين، وحموا ثورة يناير من الفشل؛ حيث تقدموا للشهادة مسرعين، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا، وهم جيل جديد من الناس، أسوياء النفوس، يعيشون لفكرة، ويعملون لغاية، ويكافحون في سبيل عقيدتهم.
وهذه الصفات ليست وليدة اليوم، إنما لازمت شباب الجماعة منذ ولادتها، ونقتطف هنا فقرة للكاتب الكبير إحسان عبد القدوس، نشرها في تحقيق له بمجلة روز اليوسف (١٣ من سبتمبر ١٩٤٥م) يصف فيها شباب الإخوان وقتها، يقول:
’وهم مع كل ذلك شباب (مودرن)، لا تحس فيهم الجمود الذي امتاز به رجال الدين وأتباعهم، ولا تسمع في أحاديثهم التعاويذ الجوفاء التي اعتدنا أن نسخر منها، بل إنهم واقعيون يحدثونك حديث الحيـاة لا حديث الموت؛ قلوبهم في السماء، ولكن أقدامهم على الأرض، يسعون بها بين مرافقها، ويناقشون مشكلاتها، ويحسون بأفراحها وأحزانها؛ وقد تسمع فيهم من (ينكِّت) ومن يحدثك في الاقتصاد، والقانون، والهندسة والطب.‘
- ولقد عرف القاصي والداني مقدار الترابط المتين الذي يربط الإخوان بعضهم ببعض، وقد جعل إمامهم ومؤسسهم (الأخوة) أحد أركان البيعة العشرة، ولهذا فإن شباب الإخوان هم أحرص الناس على جماعتهم، وأحب الناس لشيوخهم وقادتهم.
—عامر شماخ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق