السبت، ديسمبر 29

إشاعات حالة الاقتصاد المصري

ألاحظ أن الإعلام الديوث (وهو يمارس الدِياثة بالتعاون مع بعض العاهرات الإعلامية—من الجنسين) يتناقل الآن، في منتهى السرعة بعد خطاب الرئيس أمام مجلس الشورى، بعض المواد الدرامية العاطفية (للتأثير على عاطفة كارهي الأحزاب الإسلامية) وبعض الأخبار المضللة عن الاقتصاد المصري، لإقناع كل من عنده القابلية للتصديق بأن الرئيس يكذب وأن مصر مقبلة على هاوية اقتصادية. يبدو أن أخبار الأسابيع السابقة بأن مصر مقبلة على هاوية فتنة وحرب أهلية لم تأتي بجدوى، وجاء الآن دور هاوية ومصيبة جديدة يلوحون بها لكارهي الأحزاب الإسلامية. ممم...مصاصة جديدة لإشغال الأطفال بها.

’الإخوان خدوا مصاصتي!‘

مفيش خلاف إن الاقتصاد حالته وحشة، وده مش من الحكومة أكيد، وإنما من الثورة المباركة. مش الشعب قاعد يعمل ثورة بقالُه سنتين أهو؟ وبيفكر يكمل؟ قولنا من ثالث شهر ثورة أصلاً، من حوالي سنتين، إن الثورة دي بتكلّف البلد ملايين كل يوم؛ قالوا كله يهون في سبيل الحرية والعدالة والبتنجانية. طيّب، طالما يهُون يبقى يهُون بقه! ولّا هوّه كلام وخلاص؟ اللي عمل ثورة وبيعتز بيها، يفتكر إن الثورة ثمنها مش فقط دماء وشهداء، لا، وإنما بيدفع ثمنها اقتصاد الوطن وبالتالي الشعب. أنا مستغرب إن الثورة لسه مستمرة وفيه ناس بترمي التهمة بتاعة الاقتصاد على الحكومة (والتهمة المزعومة كمان، وده أنا جايلكم في الكلام عليه). ليه؟ مفيش أسباب سمعتها غير فقط كلمة ’أداء‘. إيه هوه الأداء ده بالظبط؟ حد يقدر يشرحلي تفاصيلُه وإزاي توصل إلى استنتاج إن الاقتصاد وحش بسبب الأداء المزعوم؟

ده اقتصاد يا جدعان، مش سياسة ولا دين ده كمان! اقتصاد يعني أرقام. فيه أكثر من كده موضوع سهل جداً الكلام فيه؟ أرقام يا بشر...واحد زائد واحد يساوي اتنين، وواحد في الميه من ألف يساوى عشرة. فالموضوع بسيط، أرقام الاقتصاد موجودة وبتتنشر في مختلف الأماكن على الإنترنت...كل مصري عليه إنه يطلّع الأرقام ويشوف هل بتنزل أم بتطلع، والأرقام اللي بتنزل، يتتبع أسباب نزولها ويربطها بما يُسمى ’أداء الحكومة‘—لو يقدر. موضوع فعلاً بسيط للي مُصِر إن السبب هوّه الحكومة، مش الثورة، وبسيط لإنه أرقام. يعني مش حنقعد نفتي ونتفلسف في سياسة ودين، لا، وإنما حتقولي أرقام وأقولك أرقام، ونتتبع الأرقام لغاية ما نجيب قرارها.

الثورة بتسبب تدهور اقتصادي لأسباب كتيرة، وواضحة برضو مثل قلة السياحة نتيجة خُوف السياح من الانقلابات المحتملة أو إنهم يتسجنوا في الدولة مع ظهور أي مظاهرة أو ما شابه، ونظراً لبطء المواصلات في المدن الكبرى بسبب الزحام وانسداد الطرق والميادين بالمتظاهرين، وطبعاً الناس دي—المتظاهرين—مبتشتغلش، ونظراً لقلة المستثمرين لأن الاستثمار في دولة غير مستقرة سياسياً مجازفة أعلى من الاستثمار في دولة مستقرة، وهكذا. فيه أسباب كتيرة معروفة اقتصادياً عن تأثير الثورات على الاقتصاد. اللي عايز يثبت إنه مش الثورة (اللي مستمرة) هيّه السبب في حالة الاقتصاد (لو الحالة فعلاً لسّه وحشة أصلاً!)، عليه يتتبع الأرقام ويثبت لنفسه قبل الآخرين إن الأرقام دي مصدرها ’أداء الحكومة‘ أو قرارات معينة من الحكومة. غير كده يبقى كلّه كلام عايم، وآراء شخصية؛ والأراء الشخصية ليس لها معنى لإن كل واحد ممكن يتبنى أي رأي، بما فيه إن السبب في تدهور الاقتصاد هو الديناصور...ده رأي برضو في نهاية الأمر! معلش إحنا بنتكلّم.

على الجانب الآخر، اللي عايز أرقام، خطاب محمد مرسي الأخير فيه أرقام كتيرة جداً عن مؤشرات اقتصادية في البلد؛ فالسؤال اللي يفرض نفسه: هل اقتصاد الدولة يتم تقييمه بأرقام مثل الأرقام المذكورة في خطاب رئيس الدولة، أم يتم تقييمه بصورة فوتوغرافية لواحد مختل عقلياً وفيديو لواحدة فقيرة بتبكي ومشكلة بعض المعارف والأصدقاء في وظيفتهم وحالتهم المادية؟ كيف نقيِّم الاقتصاد، بالأرقام؟ أم بالصور والأفلام والأحلام؟

أنا مبقولش لحدّ إنّه ينبسط وينجعص من كل كلمة قالها الرئيس في خطابه، لا؛ وإنما بأقول إن الراجل ذكر أرقام محددة ومؤشرات اقتصادية مبشرة. فيا جماعة الخير، الموضوع مستحيل يكون أكثر سهولة من كده لإثبات أي شيء...إحنا بقالنا سنتين بنتناقش في أمور سياسية دينية فلسفية عامّة...وأخيراً جاتلنا فرصة ذهبية نتكلم بالأرقام، وبالتالي بالدلائل القاطعة تماماً، فيا إما تتكلموا بالأرقام يا أهل المعارضة والإسلاموفوبيا، وتثبتوا بقه لأنفسكم—قبل ما تثبتوا لينا—إن الحكومة فعلاً هي السبب في أرقام متدهورة (ده لو فيه أصلاً أرقام لسّه في تدهور!)، يا إما أبوس راسكم...تنقطونا بالسكات وكفاية بقه تحرجوا نفسكم وتثبتوا للمرة الألف إن مفيش أمل خالص إنكم تفكروا بعقولكم شوية لما الموضوع يكون متعلق بالإخوان أو الأحزاب الإسلامية. حقيقي يعني، ده اقتصاد يا بشر...فيه حاجة أسهل من كده تمسكوا فيها وتحطوا إيديكم على الدلائل القاطعة على أخطاء حزب ما أو أخطاء الرئيس المربوطة بأرقام الاقتصاد؟؟ دي كمان مش حنعرف نتكلم فيها بالدلائل القاطعة؟ الأرقام كمان؟! ده شيء يخلّي الواحد يطلع من نفوخه!

—ياسين رُكَّه

ليست هناك تعليقات: