حديث مع أحد أصدقائي تخلله سؤالي إياه: ’ما هو دينك؟‘ وكان رد فعل صديقي هو الاستغراب الشديد، على وجه افتراض الوضوح الشديد لحقيقة أنه مسلم. ذكرني هذا الموقف بالحقيقة المؤسفة لواقعنا اليوم كعرب لا نتحدث العربية الفصحى، فلا نفهم لغتنا على الوجه الأمثل. وعلى الرغم من أن النقطة التالية لم يكن لها علاقة بصديقي أو حواري معه، إلا أن الموقف ذكرني أيضاً بأن الكثير من الناس اليوم يخلطون بين الدين والعقيدة في النقاشات الفكرية؛ بل أن هناك من يصل إلى درجة الظن بأنه إن لم يخلط الدين مع العقيدة، لأصبح تكفيرياً!
يعني أنه يجب أن نقول أن دين أي مسلم هو الإسلام، وإلا أصبحنا تكفيريين؛ وبناءً على ما أفهمه اليوم، هذا خطأ. فقد يكون المرء مسلماً، وبالتالي لا نكفره أبداً بل نعترف أنه مسلم—بعقيدته، ولكن نقول أن دينه في الحقيقة ليس الإسلام. كيف هذا؟
أفضل بداية للإجابة على هذا السؤال هي تعريف كلمة ’دين‘ في اللغة. الدَّيْدانُ والدَّيْدَنُ والدِّين: العادة. قال العرب: ما زال ذلك دَيدَنَه ودَيدَانه ودِينَه ودأْبَه وعادَتَه. فالدِينُ بالكسر في اللغة: العادةُ والشأن. والدِينُ أيضاً هو جنسٌ من الانقياد؛ الطاعة.
إذن، فعندما يسألك أحدهم في نقاش فكري: ’ما دينك؟‘، هو إما يسألك للتحضير إلى أسئلة أخرى، حيث يبني أسئلة جديدة على إجاباتك تباعاً؛ أو هو يسألك: ما شأنك؟ ما دأبك وعادتك؟ من تطيع وإلى من تنقاد؟
فهل يمكننا الاتفاق الآن على صحة استنتاج أن السؤالين الأكاديميين أو الفكريين، ما عقيدتك؟ وما دينك؟، هما سؤالان مختلفان؟
بمعنى، إنك قد تكون مسلماً بالتأكيد، أي أن عقيدتك وإيمانياتك إسلامية، فأنت تؤمن أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله—صلى الله عليه وسلم، وتؤمن بسائر الرسل بما فيهم عيسى وموسى عليهما السلام، وبالملائكة ويوم القيامة والقدر، وإلى آخره. أنت تؤمن بكل هذا، إذن فعقيدتك إسلامية، وبالتالي أنت مسلم. ولكن، دينك قد يختلف؛ بمعنى، أن طريقة حياتك وعاداتك ودأبك والذي تنقاد إليه ومن تطيعه…كل هذه الأشياء قد تكون مختلفة تماماً عن التعاليم الإسلامية. ألا يمكن أن نتفق على هذا؟
وكيف أصلاً تعرف إذا كانت طريقة حياتك إسلامية أم لا بدون تعلم أو قراءة؟ هناك الكثير من الناس من يتسائل بتعجب: ’وهل أنا أزني أو أسرق أو أقتل يعني؟‘ والتعليق على هذا هو: وهل الإسلام كدين وعادة وطريقة حياة هو فقط تجنب الزنا والسرقة والقتل؟ الإسلام أكبر من هذا بكثير؛ فكيف تعرف أن طريقة حياتك واختياراتك وعاداتك بالفعل إسلامية؟ كيف تعرف أن النصائح التي تنقاد إليها هي نصائح إسلامية؟ كيف تعرف أن من تطيعهم في الإعلام أو في الدنيا يدعون إلى أفكار إسلامية؟ كل هذه الأسئلة تحدد دينك.
فإن كنت متأكداً من عقيدتك، موقن أنها عقيدة إسلامية، إذن فأنت الحمد لله مسلم. ولكن…معرفة دينك هو شيء مختلف تماماً، وشيء أصعب من معرفة عقيدتك. يجب أن تنظر إلى أشياء كثيرة: ما هي عاداتك اليومية أو دأبك اليومي؟ هل للصلاة على وقتها في يومك وقت مخصص خمس مرات كدأب يومي؟ هل لذكر الله في يومك أي وقت مخصص كعادة يومية؟ هل طريقة حياتك مشابهة—ولو قليلاً—لطريقة حياة رسول الإسلام، مع الاختلافات العصرية والتكنولوجية فقط؟ هل الأفكار التي تنقاد إليها أفكار إسلامية؟ هل أنت متأكد من الإجابة بالدليل والحُجة ورأي أكثر من شيخ أو عالم موثوق به؟ هل الأشخاص الذين تطيعهم وتحبهم وتسمع وتقبل أفكارهم مسلمين موثوق في حبهم للإسلام ويتبعون الإسلام في حياتهم؟ هل أنت متأكد من ذلك؟ كي تعرف دينك على حقيقته، يجب أن تجيب على كل هذه الأسئلة.
وللأسف الشديد، عندما يحاول أكثرنا اليوم الإجابة على هذه الأسئلة، نرى أن عقيدتنا فقط هي الإسلامية، أما ديننا فليس الإسلام، وإنما مزيج من الليبرالية والعالَمَانية والأناركية والإنسانية والأمركة أو التأمرك وإلى آخره من الثقافات والأديان والأيديولوجيات التي تأثرنا بها جميعاً اليوم في ظل تآكل الهوية الإسلامية في بلادنا تحت قمع الهوية السياسية الليبرالية والهوية القانونية العالَمَانية.
الدين ليس الإيمانيات، وإنما العادات والأفعال. قد تكون مسلماً، ودينك ليس الإسلام. وفي هذه الحالة، حتى عقيدتك في خطر شديد كل يوم، لأنك قد تجد أن الكثير من الأحاديث الصحيحة، التي أتى فيها تعبير ’ليس منا‘ على لسان رسول الله عليه الصلاة والسلام، تنطبق عليك! ووقتها، أنت تقول أنك تؤمن بالإسلام (وليتك تفهم معنى كلمة ال’إسلام‘ وبالفعل سلّمت واستسلمت لله) وأن عقيدتك إسلامية، ولكن رسول الإسلام يقول أنك لست من المسلمين…فإن أصبحت شهادتك أمام شهادة سيد الخلق أجمعين يوم القيامة أمام الله، فمن تظن الله سيصدق وأي شهادة سيقبل الله؟ شهادتك أم شهادة سيد الخلق أجمعين؟
—ياسين رُكَّه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق