الاثنين، يونيو 17

أيخدعوننا أم يخدعون أنفسهم؟

يتشدقون بكلمة ’الاعتصام‘، وأبو اعتصام منهم بريء. يتشدقون بكلمة ’سِلْمِيَّة‘، والحاجّة سلمية منهم بريئة. لم يقل لي الإخوان أو إعلام الإخوان أو مرشدهم أو برنجانهم شيئاً عن هذا، بل رأيت بعيني. والله العظيم رأيت بعيني في عدة فيديوهات، المولوتوف والحجارة تُقذف قذفاً على أسوار قصر الرئاسة وتقذف داخله، ورأيته في أحداث غير الاتحادية؛ إن كان هذا ’اعتصامكم وسِلْمِيَّتكم وثورتكم وتظاهركم‘، فتباً لكم ولما تفعلون وما تدعون إليه وما تأفكون بألسنتكم الكاذبة وأقلامكم الآثمة؛ تبّاً لكم ثم تبّاً وسُحقاً.

فإن رأينا المولوتوف والحجارة في ’اعتصامكم السلمي‘ يوم ٣٠ يونيو تُقذف على أملاك الدولة ومباني الدولة الحساسة، وظللتم تتشدقون بالاعتصام والسلمية، فأسأل الله ألا يكون في حلقي كلاماً حينئذ، بل يكون بصاقاً؛ فأبصق ثم أسكت، لأني وقتها أكون بالفعل قلت ما عندي في جبروت هذا التمثيل والكذب الوقح.

من تبقى في عقله ذرة عقل، لأدرك أن التغيير يأتي بالصندوق الآن. فإن كانت المعارضة على حق وكانت فعلاً الأغلبية، وإن كانت محترمة أصلاً، لاستخدمت انتخابات البرلمان لتأتي بحزب أغلبية جديد يخفف الإدارة السلبية المزعومة للرئيس، ثم لاستخدمت انتخابات الرئاسة بعدها لتتخلص تماماً من بُعبُع الإخوان. ولكن...مفلس الفِكر لا يسعه سوى الكذب واستخدام الحيل اللغوية كي يغسل أمخاخ الناس، مثلاً بأن المولوتوف اعتصام سلمي؛ ومفلس العشيرة لا يسعه سوى استخدام القوة السلاحية والمؤامرات كي يفرض رأيه على الأغلبية. نخبة ليس معها سوى إفلاس...إفلاس فِكري وإفلاس تأييد؛ ولكن هناك جيل رضع وفُطِم على إعلام هذه النخبة، ثم نشأ كلٌ منهم كَتِرس في ماكينتهم العملاقة؛ ثم هناك جيل آبائهم الذي نشأ عليه لعشرات من السنوات. فقد لا يكون من العجيب أن يسمع لهم بعض من ضلّوا من أهل هذين الجيلين.

والطريف في الأمر أنهم يقولون علينا نحن مغسولي الأمخاخ وخرفان ونسمع لكلام المرشد أو لإعلام الإخوان (لمن ليس في الجماعة)! وأين هو إعلام الإخوان بالضبط من إعلام الإفك والدياثة، بأمواله ولمعانه وأضوائه وبغاياه وديّوثيه؟ أصلاً من الأشياء التي أنتقدها بشدة في الإخوان هي أدائهم الذي يُرثى له في مجال الإعلام—بل بدائيتهم في الإعلام!

النخبة والمعارضة يقولون علينا مغسولي الأمخاخ ومضحوك علينا، ونحن نقول عليهم مغسولي الأمخاخ ومضحوك عليهم؛ كان من الممكن أن أحتار في الأمر قليلاً وأحتاج إلى التفكّر وسؤال نفسي مثلاً: ماذا لو أنهم على حق؟ ولكن هذه المرة، الموضوع لا يحتاج إلى الكثير من التأمل، لأنني عندما أسأل نفسي—قبل أي شخص آخر: ما الذي [يُمْكِن] أن يغسل مُخي؟ أين هو الإعلام أو البروباجاندا التي يمكن أن تغسل مخي؟ أسأل نفسي ماذا يمكن أن يكون مصدر مثل هذه الخديعة والبرمجة العقلية واللغوية، فلا أجد أي إجابة أو أي اختيارات محتملة؛ لأن إعلام الإخوان يكاد يكون منعدماً من الأصل، أو يبدو كقزم مسكين بجانب عملاق، مقارنة بإعلام المعارضة والفلول والنخبة! أنا لا أشاهد تليفزيون من الأصل، وإن شاهدت أمثلة في الماضي، يمكنني بسهولة الحكم على الفرق الشاسع بين ميزانية وقدرات وخبرات وأضواء وجنود النخبة الإعلامية وكاريزميتهم على جانب، وهزالة وبؤس الإعلام الإخواني على الجانب الآخر. فإعلام الإخوان يكاد يكون منعدماً، وإن تواجد، فأنا أصلاً لا أتعاطاه على الإطلاق. فإما أني غسلت مخي بنفسي، وهذا لا أرى له مكاناً في المنطق أو الواقعية؛ وإما أني بالفعل فكرت وقارنت هذه الأمور بموضوعية.

وبعيداً عن الإخوان أو المعارضة أو السياسة كلها، إني أعلم أنه مبدئاً في الحياة وحقيقة باطنة أنه مهما كانت ظروف شعب ما سيئة، إن لم يكن هناك دلائل قاطعة على تورط طرف ما في هذه الظروف، إن لم يكن هناك علاقات مباشرة—لا جدل فيها—تربط الدلائل بطرف ما، فلا يمكن للعاقل المحايد المتفكر إلا أن يستنتج أن الناس ترى ما تريد أن تراه أغلب الأوقات، وأن الضيق والمشاكل في الحقيقة نابعة من داخلهم هم أنفسهم؛ والدليل القرآني على ذلك قاله الله تعالى لنا في كتابه الكريم: {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}—الأنفال: ٥٣، وقال تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّـهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ}—الرعد: ١١.

فمن الذي يرى مشاكلاً ومساوءاً أكثر من حلولاً ومبشرات خير؟ ومن السبب في أي مشاكل في الوطن اليوم؟ الحكومة أم الأمن والشرطة أم الناس أنفسهم؟ أم أن لكل من هؤلاء دور في مشاكل محددة، وفي النهاية أكبر مسئول عن المشاعر السلبية هم الناس أنفسهم؟ من الذي يجب أن يتغير اليوم، الحكومة أم الناس؟

من المضحوك عليه هنا؟ من الخادع ومن المخدوع؟

{يُخَادِعُونَ اللَّـهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}—البقرة: ٩.

—ياسين رُكَّه

ليست هناك تعليقات: