الخميس، أبريل 26

نتذكر الله ونطيعه قليلاً...لأن رحمة الله وسعت كل شيء!

أحياناً نتواكل بتكاسل على ’رحمة الله‘، فننسى الكثير من الدين ونمسك في كلمة: ’وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ‘.

ولكن إن كان مفهوم رحمة الله المجانية التي ستسعنا وذنوبنا جميعاً بتمتمة ’لا إله إلا الله‘ وخبط الجبهة في الأرض كل حين وآخر، قضاء دقائق قليلة في صلاة، وساعات طويلة في الموسيقى والتليفزيون والدردشة والسباب واكتساب مال لا نشتري به سوى دنيا وفقط دنيا...إن كان هذا المفهوم صحيح، فبالله عليكم، لماذا كتاب كل واحد منا عبارة عن مجلد أو موسوعة كاملة، قاعدة بيانات مهولة، وكأنها آلاف الصفحات من الجداول الدقيقة دقة متناهية، مثل جداول إكسل؟ بالتواريخ والأرقام والمقادير والموازين التفصيلية!

’وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا‘—الكهف ٤٩.

يا سادة، لم يقل الله في هذه الآية، التي تثبت بالدليل القاطع أن كتاب كل مرء منا يسجل كل صغيرة وكبيرة، عمرنا كله لحظة بلحظة، لم يقل الله "فترى الكافرين"، بل قال: "فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ"! أتعلم كيف تُفسر هذه الكلمة في التفسير الميسر؟ تفسر بكلمة ال‘عصاة‘!!

من منا لا يعصى الله، بالله عليكم؟ يعني أنا وأنت قد نكون ’مجرمين‘ ونحن لسنا ’دريانين‘! أنت قد تكون من ال‘مجرمين‘ الذين سيرددون هذه الجملة يوم القيامة.

مال هذا الكتاب لايغادر صغيرة ولاكبيرة إلا أحصاها؟! ما لهذا الكتاب لا يترك أي صغيرة أو كبيرة من حياتي وأعمالي إلا وأثبتها؟!! كيف سجل كل ثانية من الستين في الدقيقة الواحدة، وكل دقيقة في الساعة، وكل ساعة استيقاظ في كل يوم من عمري؟! كيف ولماذا هذه الدقة المتناهية؟!! أنا لم أتخيل أن الأمر هكذا على الإطلاق!! لم أكن أظن أنه عندما يكون ٩٥% من يومي في أشياء لا علاقة لها بالله أو الدين على الإطلاق، وال ٥% الباقية التي تذكرت الله فيها كانت بدون تركيز جيد أصلاً، سيكون ٩٥% من كتابي يوم القيامة أسود من لون جهنم على الأفق! ولكن..ماذا عن رحمة الله؟؟ رحمة الله التي وسعت كل شيء؟!

’وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا‘.

’قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ‘ ﴿الأنعام: ٥٠﴾

‘وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ...وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ...قَلِيلًا مَّا تَتَذَكَّرُونَ‘ ﴿غافر: ٥٨﴾

مرة أخرى، قال الله ‘ولا المسيء‘، ولم يقل مثلاً ‘ولا الكافر‘ أو ’ولا مرتكب الكبائر‘...بل فقط المسيء. وفعلاً، قليلاً قليلاً ما نتذكر أو نعقل أو نفكر في الجهل الذي نعتقده عن ديننا وعن الله سبحانه وتعالى.

هل تستوي المسلمة المحجبة ذات الخلق الحسن والصلاة على وقتها، مع المسلمة الغير محجبة ذات الخلق الحسن—أيضاً—والصلاة المتفاوتة؟ هل يستوي المسلم ذو الخلق الحسن والصلاة على وقتها، مع المسلم ذا اللسان البذيء والصلاة يوم الجمعة فقط؟؟ هل يُعقل هذا أصلاً بناءً على كل هذه الأدلة القرآنية القاطعة؟

لا، والله لا يستوون. وفلنستعد جميعاً لأن ندفع ثمن كل دقيقة وكل يوم من حياتنا ضيعناه في معصية ونسيان الله. استعدوا، لأن عندي لكم خبر عن موضوع رحمة ربنا التي وسعت كل شيء، بقية الآية!

‘وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ‘. نعم، نحن بجهلنا وأخذ ما يعجبنا فقط من القرآن نردد المقولة أو الآية بدون أن نكملها...رحمته وسعت كل شيء، ولكنه سيكتبها لمن يتقوا الله حق تقاته. يعني من سخرية القدر، أن المرء الذي يتكاسل ويتواكل على رحمة الله، من حيث التعريف لا يخاف الله حق المخافة أصلاً—أي التقوى، وبالتالي لم يكتب الله له الرحمة أصلاً.

‘لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ‘ ﴿الحشر: ٢٠﴾

’قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّـهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‘ ﴿المائدة: ١٠٠﴾

لعلكم!

ليست هناك تعليقات: