كتب الدكتور محمد سليم العوّا:
"العلاقة بين الإسلام والسياسة كالعلاقة بين الإسلام وأي شأن آخر من شئون الحياة، لأن للإسلام قولا في كل مايهم الناس في حياتهم (من شئونهم الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والتربوية)، وله قول في شئونهم السياسية؛ لكن ليس معنى أن للإسلام قولا في الشأن السياسي أن يتحول الشأن السياسي إلى دين!
الشأن السياسي شأن مصلحة، وشأن منفعة الناس ومضرتهم، وشأن ما يصلح به الناس ومالا يصلحون به، ولذلك قال العلماء: (السياسة ما كان فعلا يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح).
فكل فعل مسئول من حاكم، أمير، ملك، أو سلطة سياسية، يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح فهو سياسة عادلة؛ وكل فعل يكون الناس معه أقرب إلى الفساد فهو سياسة باطلة أو سياسة جائرة أو غير مقبولة؛ والإسلام يزكي السياسة العادلة ويجعلها جزء من شريعته.
ويقول ابن قيم الجوزية في مفتتح كتابه، الطرق الحكمية: (إن هذه السياسة العادلة هي مالا يخالف الشرع)، لأن أوضاع السياسة لا تنتهي والشرع محصور فيما نزل من القرآن الكريم وما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من الأحاديث الصحيحة، وما وراء ذلك ملايين المشكلات والمسائل التي يجب أن يتعرض لها الناس.
كيف يتعرضون لها؟ يتعرضون لها على أساس تحقيق المصلحة ودفع المفسدة، وعلى أساس فتح ذرائع الصلاح وسد ذرائع الفساد، وهذا الذي نطالب به إسلاميا.
نقول اجعلوا هذه السياسة مستمدة مما أمر به الدين من إصلاح الدنيا، مستمدة مما أمر به الدين من العدل، مستمدة مما أمر به الدين من الشورى بين الناس، من ألا يجور غنيٌ على فقير، ولا قوي على ضعيف، ولا طاغية على مستضعف—هذا الذي نقوله.
نحن لا نقول اجعلوا السياسة في أيدي علماء الدين المتخصصين، ولا اجعلوها جزءا من الدعوة الإسلامية، لكن الداعية الإسلامي عليه أن يبصّر الناس بالعمل السياسي الجيد والمعنى السياسي الجيد، وهذا ما يقوم به الدعاه على مدى التاريخ، وما كان يقوم به العلماء على طول العصر الإسلامي 15 قرن.
وأقول إن هذا ما يقوم به علماء الدين في كل دين، ليس في الإسلام فقط!
أنظر في كتاب بيانات الآباء الكاثوليك، الصادر عن الفاتيكان؛ ماهي بيانات الآباء الكاثوليك؟ بيانات عن الصراع المسلح في أوروبا، بيانات عن الحرب العالمية الثانية وما جرى فيها من مجازر، بيانات عن استعمال الأسلحة النووية، بيانات عما يسمونه السلام في الشرق الأوسط، بيانات عن حق الدول في العيش المتكافيء.
هل هذا سياسة أو دين مسيحي؟ هذا سياسة وفي صلب السياسة!
وأنظر لما يجري في دولة إسرائيل؛ أليس باسم الدين اغتُصبت أرضنا، وانتُهكت أعراض بناتنا، وهُدِمت بيوتنا؟ أليس هذا كله باسم الدين اليهودي!؟
مسألة إفراغ العمل السياسي من قاعدته الدينية، من أصله الديني، من أساسه الديني، مسألة لا ينادي بها أحد إلا في بلاد المسلمين، ولا ينادي بها أحد إلا في وجه المسلمين، أما أصحاب أي عقيدة أخرى فمتاح لهم أن يقولوا ما شاءوا في السياسة."
—د. محمد سليم العوا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق