السبت، يناير 1

من مسّ الأقباط بسوء لا يمت لأي دين بصلة

بسم الله. تعليقاً على العملية الإرهابية التي تمت أول يوم في سنة 2011 قرب كنيسة قبطية بالإسكندرية في مصر، والتي استهدفت أقباط مصريين، ولكن قُتِل فيها مسلمين وأقباط معاً تقول التقارير أن عددهم 21 مع عشرات مصابين، أقول أن الهجوم لا علاقة له بأي دين على الإطلاق. فمثلاً، المجاهد المسلم بحق يدرك أن جاره القبطي قد بذل الدماء معه في حروب مصر ضد إسرائيل، وواجه الموت بشجاعة معه في عبور السادس من أكتوبر، والمجاهد أيضاً يجد ما يكفيه من الإرهاب بالقنابل في العراق ويجد ما يكفيه من الجهاد في فلسطين وأفغانستان. فوالله إن الإسلام والمسلمين والجهاد، بل والدين المسيحي بالتأكيد—تحسباً لأي معلومات استخبارية في المستقبل تشير إلى عملاء من الجانبين—كلهم براء براءة تامة من هذا العمل الإرهابي القذر، والذي تقف وراءه حكومات وأنظمة ووكالات استخبارية.

أقول: اقرءوا وابحثوا بأنفسكم عن الحقائق. تجاهلوا غسيل المخ وإشعال العواطف والفتن الذي يقوم به الإعلام النظامي والموالي لدول أجنبية، مستشهداً إما بكلام عملاء خونة للوطن من الجانبين أو بكلام فيه عواطف متأججة من أفراد مات لهم أقارب فنلتمس لهم الأعذار. هذا هو بالتحديد ما يرغبون فيه: نار وعواطف متأججة، حتى يشغلوننا وهم يسرقوننا ويضعفوننا ويقسّمونا.

هل يُعْقَل أن مسلم يميل للإرهاب أو القتال، اليوم وفي أوقاتنا هذه يتجاهل فرص القتال والثأر في أفغانستان والعراق وفلسطين، ويمسك في كنيسة قبطية في وطنه؟ وهل يُعْقل بعدها بأيام أن يرشق الأقباط شيخ الأزهر والمفتي بطوب؟؟ حتى المعتدل والعاقل من المسلمين ممن سمعوا أو قرءوا عن هذا شعروا أن الأقباط كان لابدّ عليهم أن يتحكموا في عواطفهم أكثر من هذا، ولكني مما أعرفه عن أساليب الإرهاب المنظم من قبل الحكومات والوكالات الاستخبارية لمخططات وأهداف سياسية محددة، ذكرت لهم أن الأقباط لا يمكن أن يبدءوا بفعل مثل هذا من تلقاء نفسهم، بل كان يتواجد عملاء وسطهم بدءوا برشق أول طوبتين أو ما شابه، وبدءوا بالكلام الهجومي، ثم اعتمدوا على ما يدعوه علماء النفس بسلوك القطيع، وحتى لا يقول قائل أني لا سمح الله أشير لمجموعة من الأقباط بالقطيع، أؤكد أن هذا حدث ويحدث في المسيرات السلمية للمسلمين أيضاً بوضع عملاء بينهم، ومعرفتي بالأحداث الماضية في مسيرات المسلمين السلمية هي التي أتاحت لي فهم اللعبة القذرة التي يلعبها المتآمرون في قلب الزحام القبطي. فالإرهاب يتم التحضير له وصناعته وتسهيله عن طريق الحكومات ووكالاتها، أقسم لكم.

العمل الإرهابي الذي تم في نيويورك ضد البرجين في الحادي عشر من سبتمبر 2001، عن طريق جهات تابعة للحكومة الأمريكية نفسها، وبعلم المخابرات المركزية الأمريكية والموساد وأجهزة استخبارية أخرى، قامت به الأنظمة الحاكمة لاحتياجها إلى مصيبة أو كارثة لها من الهول ما يكفي أن يغسل أمخاخ الشعب الأمريكي، فيجعلهم يقبلون بأي شيء، حتى وإن كان هذا الشيء هو حرب لا مبرر حقيقي لها وبنيت على أكاذيب. الشعب الأمريكي لم يكن ليوافق على حرب أفغانستان ثم حرب العراق لولا أن أقنعتهم أنظمتهم الحاكمة بضرورة هذا لمقاومة الإرهاب وحمايتهم وحماية أولادهم من أخطار الإرهاب الذي قد يزيد ويتحول إلى إرهاب بيولوجي ونووي وهكذا. نعم، رأينا طائرة ترتطم ببرج، وقد يكون من قادها شاب مسلم غسل مخه وأقنعه بعض العملاء بقتل المدنيين باسم الجهاد، ولكن حتى هذه النقطة مشكوك في أمرها بناءً على الإعلام المستقل؛ والأهم من هذه النقطة بكثير هو أن الطائرات كان من المستحيل أن تدمر أي برج بالكامل بشهادة من صممه من المهندسين الغربيين، فما دمر البرجين بالكامل كان مخطّط هدم محترف بقنابل وتقنية متقدمة. كل هذا مكتوب ومعروف للكثير والكثير من الباحثين الغربيين، وهي أساليب مفهومة لذوي السلطة والقائمين على الشركات العملاقة التي لا تهتم بأي شيء سوى الأرباح، ومن كل شيء، خاصة الحرب وتجارة السلاح وإجبار الدول الأجنبية لهم (مثل العراق ودول جنوب أمريكا) على قبول نماذج اقتصادية محددة تعود بالنفع على فئة محددة وشركات محددة.

وكما قامت جهات ربحية سياسية فاسدة في أمريكا بكل هذا، فهي سبل وسياسات تتّبع في دول كثيرة أخرى في العالم، وبالتأكيد الدول العربية منها، بأنظمتها السياسية الفاسدة الدكتاتورية. الإرهاب إرهاب حكومات، سواء أكان قبطي في مصر أم أمريكي في الولايات المتحدة من مات. تجاهلوا إشعال الفتن وتأجج العواطف يا عرب ويا مصريون، وقفوا وقفة شعب واحد، وأَعْلِمُوا الأنظمة الفاسدة والجهات المتآمرة ضدنا كشعوب، أننا لن نصدّق أكاذيبهم، ولن نشكّ في بعضنا البعض.

ويا أقباط وطني وجيراني، لا تصدقوا أبداً أن مسلماً بحقّ يمس شعرة واحدة منكم بدون حقّ أو في عمل إرهابي، أقسم بعزة الله وجلاله أنه لم يكن مسلماً بحق من فعل هذا، فإن إمام المسلمين ورسولهم صدق فأوصى عند وفاته صلى الله عليه وسلم، فقال: "الله الله في قبط مصر فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون لكم عدة وأعوانا في سبيل الله". الراوي: أم سلمة؛ المحدث: الهيثمي؛ المصدر: مجمع الزوائد، الصفحة أو الرقم: 10/66؛ خلاصة حكم المحدث: رجاله رجال الصحيح‏‏. وفي حديث شريف آخر عن رجال الصحيح عن الرسول (ص): ("إنكم ستقدمون على قوم جعد رؤوسهم فاستوصوا بهم خيرا فإنهم قوة لكم وإبلاغ إلى عدوكم بإذن الله" يعني قبط مصر). وفي رواية بإسناد رجال الصحيح: "إذا فُتِحَتْ مصر فاستوصوا بالقبط خيرا فإن لهم دما ورحما وفي رواية إن لهم ذمة يعني أن أم إسماعيل كانت منهم". وكفى بوصية رسول الله لكل مسلم كي يدرك أن القبطي المصري له مكانة فوق مكانة أي مسيحي آخر في الدنيا، فإن الرسول أشار إلي القبط بالتحديد موصياً بهم خيراً. وحتى إن قال قائل أن المقصود في الأحاديث بقبط مصر هو المصريين وليس الأقباط المسيحيين بالأخص، لقُلنا أن الأقباط مصريون على أية حال، فالحديث الشريف يغطيهم—بإذن الله، وكفى.

وأيضاً إن لم يعجب أي شخص استخدام أحاديث قبط مصر للإشارة إلى الأقباط، فهاهي كلمات قصيرة من وثيقة محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام في عهده لنصارى الأرض كلهم في مشارقها ومغاربها: "ولا يُجَادَلُوا إلاّ بالتى هى أحسن، ويُحْفَظ (ويُخْفَض) لهم جناح الرحمة، ويُكَفّ عنهم أذى المكروه حيث ما كانوا وحيث ما حَلّوا. ويُعَاوَنُوا على مرَمَّة بيعهم وصوامعهم ويكون ذلك معونة لهم على دينهم وفعالهم بالعهد". ومِرَمَّة بكسر الميم الأولى أي المتاع، أي يُعاوَنوا على متاع صوامعهم التي يتعبدون فيها، فيكون ذلك معونة لهم على دينهم! والمتاع هو كل ما يُنْتَفَع به ويأتي عليه الفناءُ في الدنيا.

حماكم الله يا قبط مصر، وسحقاً لكل ضال مضلل يشكّك في العِشرة والجيرة واللقمة، وهي كل ما يفصل بيننا في القلب والمكان، وإن اختلف الفكر والإمام. وإن لم أكن أستطع الآن أن أغير بيدي ذاك المنكر الذي حدث، فإني أغيره بلساني، بقلمي، بقلبي، وبدمعتي؛ والله شاهد على ما أقول.

إضافة: جاءتني بعض التعليقات من إخوة مسلمين، يقولون فيها أن معنى "قبط مصر" ليس المسيحيين المصريين أو أقباط مصر اليوم، بل معناها المصريين. وتعليقي هو أني حتى وإن وافقتك على هذا المعنى أو هذا التفسير للحديث، فأولاً: اعلم أن الله كتب النصيب وقدر المقادير بحيث يُشار إلى مسيحيّ مصر اليوم بكلمة الأقباط أو القبط، وفي نفس الوقت قدر الأقدار بحيث أن تكون هذه الكلمة بالتحديد هي الكلمة التي يستخدمها الرسول عليه الصلاة والسلام في حديثه للإشارة إلى أهل مصر، وبالتالي الاختلاف في الرأي أو التفسير هنا كان معلوماً لله بتقديره، والقارئ في دينه يعلم أن في بعض اختلاف الآراء والفتاوى رحمة بالعباد على اختلاف قوة إيمانهم وعلو همتهم وصبرهم؛ فهو لا يعني بالضرورة أن واحد منا جاهل لا سمح الله، بل هي اختلاف وجهات نظر في الفهم والتأويل. ثانياً: هل مسيحيين مصر أو الأقباط في مصر الحاضر ليسوا مصريين مثلاً؟ إنهم مصريون بالتأكيد، فحتى وإن أشار الحديث للمصريين كلهم، فلا زال الحديث يغطي المسيحيين، لأنهم أيضاً حاربوا معنا دفاعاً عن أرض مصر من العدوان الإسرائيلي في حرب 6 أكتوبر وفي مظاهرات وحروب أخرى كثيرة في تاريخ مصر المعاصر والقديم، وبالتالي فإنهم وافقوا بالفعل نبوءة الرسول عليه الصلاة والسلام بأنهم سيكونوا قوة لنا وإبلاغ إلى عدونا بإذن الله، أيّ عدو أراد السوء لمصر وأهلها، من المسلمين والأقباط.



بسم الله الرحمن الرحيم: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} سورة الممتحنة: ٨. {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} سورة المائدة: ٨٢. صدق الله العظيم.

ليست هناك تعليقات: