لا يمكنني لا بالمنطق ولا بالشواهد التاريخية الموثقة الاقتناع بأن الربيع العربي كله حقيقةً كان تلقائياً وعشوائياً ومن قلوب الناس فقط، بدون أي مساعدة وتدبير من جهات خارجية. فأنا أؤمن بوجود مؤامرة لإمداد الثورة بالوقود الذي يجعلها تستمر وتتأرجح ما بين نجاح وتعثر؛ ليس فقط في مصر بل في الدول العربية الأخرى.
أؤمن بأن جمعية ٦ إبريل هي جمعية مشبوهة المرجعية والأصل والتمويل والتدريب بالفعل، ولكن لا أؤمن بأن لهم أي علاقة بالاغتيالات التي تمت في الثورة.
أؤمن بأن الاغتيالات التي تمت، وبالذات لشخصيات تأجج مشاعر الرأي العام إن قُتِلت، مثل الإمام عماد عفت رحمه الله، قام بها عملاء مخابراتيون محترفون بأسلحة كاتمة للصوت ومن مسافة قريبة، وقد تكون كاميرات مسلحة وليست مسدسات. من أراد أن يضحك على هذا على أساس أنه لا يرى هذه الأشياء سوى في الأفلام، وكأنه لا يحدث أي شيء من هذا في الواقع، فله مطلق الحرية؛ ولكن ما أعرفه هو أن الحقيقة عادة أغرب من الخيال، لأن الخيال يجب أن يكون مقنعاً ومنطقياً كي تصدقه...وبعضنا يدرك جيداً أن الحقيقة أحياناً تكون غير منطقية على الإطلاق ومربكة!
أؤمن بأن القناصة أيضاً عملاء أجانب، ولا علاقة لهم ب ٦ إبريل ولا أي جهة داخلية في مصر.
المشكلة هنا هي أن نجمع كل الاتهامات ضد جهة واحدة (مثل ٦ إبريل) كي نسخر من الفكرة ونقنع أنفسنا بأن الجهة بريئة من أي تهم على الإطلاق، ولكن كل جهة ولها اختصاصها. فلا يمكن أن تكون الجهة المُحرِّضة هي نفسها الجهة القاتلة؛ هذه خلايا تعمل منفصلة تماماً عن بعضها البعض من أجل تحقيق أهداف موحّدة، وهم لا يدرون أن هناك آخرين يساعدونهم. والعقول المدبرة خلف الكواليس لا نسمع عنها أبداً.
والفرق بين الإخوان و٦ إبريل مثلاً هو أن الإخوان لم يحرضوا على الثورة، بل شاركوا فيها بكل ثقلهم من أول يوم لها استجابة لما رأوه من إقبال على المظاهرة الأولى في المواقع الاجتماعية. والفرق الأهم هو أن الإخوان موجودون منذ ٨٠ عاماً، فيمكننا تتبع تاريخهم والحكم على المعقول وغير المعقول. أما الجمعيات الثورية والاشتراكية الجديدة فلا نعلم عنها الكثير، ولا نعلم عن مؤسسيها أي شيء يذكر؛ بل إن ما نعلمه عن تدريبهم في الخارج صحيح وموثق، حتى وإن كان تدريبهم لا يشترط العمالة.
يجب علينا أن نعي أن عالم المؤامرات معقد جداً، وأن من ضمن أساليب المتآمرين في نشر سحابات دخان تخفي الحقائق هي نشر أكاذيب ومبالغات واتهامات كوميدية ضد جهات محددة، مما يشجع معظم الناس على تبرئة الجهة تماماً من أي تهم. إننا في عصر العجائب، والكذب الإعلامي يكاد يكون العادي. فلا تتسرعوا في الحكم على الجهات أو الأشياء، ولا الحكم ببراءة أو إدانة أي جهة. اجتهدوا في التدبر قبل الحكم، ولا تشيطنوا أي جهة، واعلموا أن بعض الجهات ينتهي بها الأمر كعملاء لجهات أجنبية مشبوهة وهم لا يدركون أصلاً أنهم عملاء. ما الغريب في هذا إذا كان الله يخبرنا في كتابه الكريم أن هناك من الناس من يظنون أنهم يحسنون صنعا؟
’قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ﴿١٠٣﴾ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴿١٠٤﴾‘—سورة الكهف
—ياسين رُكَّه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق