لا علاقة حقيقية بين الفتنة وقت معاوية وعليّ بن أبي طالب والانقسام الشعبي في مصر اليوم، وهذا ليس لأنه لا يوجد مقارنة بيننا وبين الصحابة، بل إن المقارنة أحياناً صالحة طالما حافظنا على مكانة الصحابة كلهم وعرفنا فضلهم علينا جميعاً، وإنما لا يوجد علاقة حقيقية أو مقارنة صالحة لأن الاختلاف وقتها كان بين صحابين جليلين، فضلهما الاثنين على رأسنا، عليّ بن أبي طالب وهو غنيّ عن التعريف، ومعاوية بن أبي سفيان، كاتب الوحي وقائد الجيوش الإسلامية. يعني إن شئنا أن نقارنه باختلاف في الوقت المعاصر، لكان واجباً أن نقارنه بموقف بين رجلين قائدين يريدان أن يطبقا شرع الله وقوانينه مثلاً، بغض النظر عن هويتهما؛ وبناءً على الوضع السياسي في مصر اليوم، لا يوجد شخصيات مثل هذه يمكن أن تأتي من أي أحزاب إسلامية سوى حزب الحرية والعدالة وحزب النور وحزب الراية (حازم صلاح أبو اسماعيل). ولا أقول أن أي شخص يأتي من هذه الأحزاب يصبح في منزلة الصحابة—لا سمح الله، بل أقول أنه إن اختار أي من هذه الأحزاب قائداً للولاية أو للوطن، فهذه القادة هم من يمكن مقارنة الاختلاف بينهم أو عليهم بالاختلاف بين صحابيين جليلين، ولا مقارنة بين منزلة الصحابة الجليلة ومنزلتنا المتواضعة. فالسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل أهل المعارضة اليوم معهم قائد من حزب أعلن صراحة هدف تطبيق شريعة الله وقوانينه؟ هل مثلاً حركة تمرد تريد شخصية سياسية سواء من حزب الحرية والعدالة أو حزب النور أو حزب الراية؟ هل يريد الفنانون المصريون قائداً من هذه الأحزاب؟ هل يريد الأقباط قائداً من هذه الأحزاب؟ الفلول؟ هل يريد أي مُعارض اليوم رئيساً ذا مرجعية إسلامية ويعرف من هو؟ أم أنهم جميعاً يبحثون عن قائد ليبرالي أو عالماني أو عسكري؟
وبناءً عليه، فلا مقارنة على الإطلاق هنا. وإذا كان أهل المعارضة فيهم كل هؤلاء الذين ذكرتهم (وجهات أخرى تحارب الإسلام والشريعة سراً وعلانية)، ثم انضم إليهم بعض ما نعرف عنهم التديّن (والله أعلم بالقلوب)، فلا يسعني سوى أن أقول: خسارة، وإنه لشيء مُحزن.
حقيقة، لا يمكنني أن أتخيل...كيف يقف مُعارض مسلم متدين اليوم في ميدان التحرير بجانب الفلول أو مؤيدي نظام مبارك وبجانب الليبراليين وبجانب العالمانيين وبجانب الكثير من الفنانين الكارهين للشريعة والسنة وبجانب الفوضويين والأقباط (من الذين لم يخرجوا في ثورة ٢٥ يناير أصلاً وفقط خرجوا الآن وهم أكثر الأقباط) والملاحدة والمغتصبين...كيف تقفوا بجانب كل هؤلاء، وما زلتم تظنون أنكم على حق أو أن الأمر غير واضح الضلال والبطلان؟
ألا يجب أن نسأل أنفسنا من الذين يقف معنا اليوم في موقفنا، كي نفهم إذا كنا على حق أم لا؟ نعم، لا يُعرَف الحق بالرجال، ولكن عندما نرى أطرافاً وجهات إسلاموفوبية أو كارهة للإسلام وشريعته بهذه الكثرة، تقف معنا في نفس الموقف الذي نتخذه، ألا يتسرب الشك إلى قلب الإنسان الذي لم تعميه العاطفة أو يغسل مخه الإعلام الكاذب؟
سبحان الله. أتفهم المسلم الذي يعارض الإخوان كي يختار السلفيين أو أبو إسماعيل والراية مثلاً، أو أي قائد سياسي أعلن صراحة ورسمياً مرجعيته الإسلامية. ولكن تعارض الإخوان كي تختار مَنْ؟ ليبرالي أو عالماني أو عسكري؟ والله إنه لشيء مخزي، ولا يوجد أصلاً أي شك أو ضبابية في الموضوع.
خسارة. خذلني اليوم الكثير والكثير ممن كنت ألتمس فيهم الحكمة وصلاح بوصلة القلب.
—ياسين رُكَّه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق