السبت، ديسمبر 4

مشروع موسوعة عربية إلكترونية

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. أحب أن أتحدث مباشرة مع أي أخ عنده النية والحماس والوقت من أجل المشاركة في مشروع موسوعة عربية إلكترونية على الإنترنت. وإن تعرف فريقاً من منتدى نقاش موقع عمرو خالد يقوم بشيء متعلق بهذا، فاخبرني فوراً من فضلك. عنواني موجود في صفحة اللمحة الشخصية هنا Profile، وتستطيع أن تضع تعليق على هذا التدوين أيضاً. وأيضاً إن كنت تعرف عن موقع بدأ نفس الشيء، ولكن غير ويكيبيديا، فاخبرني أيضاً.

إنه بالتأكيد مشروع ضخم جداً، ولا يمكن أن يقوم عليه عدد قليل من الناس، ولكن يمكن جداً أن يبدأه عدد قليل من الإخوة المتحمسين. وأحسب أن أول خطوة هي الإتيان بأنسب اسم و domain name لهذا المشروع، فيكون اسماً يتوافق مع خطوط الإرشاد المتعلقة باختيار أسماء و domain names وقصير قدر الإمكان. ثم الخطوة الثانية: دفع اشتراك سنوي في خادم server مناسب. وبعدها، نتحدث عن المشروع، ويقوم كل شخص في الفريق بالمشاركة بما يستطيع، ولو مقالة كل فترة، ولو نسخ مقالات لا يوجد عليها حقوق طبع ووضعها بالشكل الجميل والمنظم في هذه الموسوعة. وأيضاً قد نفتح الباب للزوار والقراء للمشاركة، ولكن ليس كويكيبيديا، بل بأن يرسلوا مشاركاتهم، مع اسم المرجع أو المصدر عند ملائمة ذلك، إلى مديري المشروع، بحيث إذا تم الموافقة على المشاركة، وضعت في البند المناسب وتحت اسم الكاتب، كائناً من كان. وعندما يشارك شخص ما أكثر من مرة، ويكتسب ثقة الفريق، يمكن أن يصبح عضواً في الفريق أيضاً. وفي أقرب وقت، حبذا لو في بداية المشروع، بالتأكيد سنحتاج لشخص له دراية متعمقة بتقنية قواعد البيانات وال CMS بحيث يكون تنظيم وإدراة الموقع أو الموسوعة في غاية السلاسة.

أرحب بأي معلومات أو مساعدة في هذا المشروع، فلا تبخل. وإن كان في قدرتك المساعدة، ولكن ليس لديك وقت الآن، فراسلني وسوف أحتفظ بعنوانك وأضع في مذكرتي تاريخاً ولو بعد سنة، تقول لي عليه، فأرسل لك رسالة وأسألك إذا كنت تستطيع في ذلك الوقت أن تساعد. جازاكم الله خيراً، والله المستعان.

الجمعة، ديسمبر 3

رسالة من مسكين غامض

قام أحد الأشخاص الحاقدين الشريرين *ابتسامة بالكاد تخفي الضحك* بكتابة هذا التعليق (في المدونة الإنجليزية للأسف) على مقالتي (هنا) بعنوان "عمرو خالد والبرجوازية الفضائية":

"لمزيد اطلاع على حال عمرو خالد الرجاء قراءة هذا الكتاب"

ثم أتبعه برابط إلى كتاب ما. وواضح أن هذا الشخص والكتاب الذي يلوح به في وجهي يشيران إلى أخطاء عمرو خالد أو عيوبه أو إلى أسباب قد تجعله شخصاً لا يجب الاستماع إليه. وعلى العموم الرابط لم يعمل، الموقع واقع بحمد لله. ولكن—إن شاء الله—سوف أحاول أن أجد الكتاب أو المقالة وأقرأها، ولكن رسالتي إلى هذا الشخص هي أني لا أحتاج إلى أي مقالات لإظهار أي شيء. إن أعز أصدقائي يعرف عمرو خالد وجهاً لوجه، وأنا نفسي—إن شاء الله—سأقابله قريباً. وهو رجل لا نذكر له إلا كل خير.

كل يؤخذ منه ويرد، إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم. وأنا أعي جيداً اختلافات العلماء أنفسهم، بل وكلام بعضهم على بعض في مواقف نادرة، وغيبة تلاميذ الشيخ فلان عن الشيخ فلاني. كل هذا القصص عشتها بنفسي، وسمعتها، وقد تحدثت إلى الكثير من السلفيين والإخوان والتبليغيين. فمثلاً، أعي ما يقوله السلفيون على سيد قطب مثلاً، وأعي ما يقوله بعض الحاقدين على محدث العصر وإمام السلفيين في فترة ما، الألباني. فقد يظن هذا الشخص أنه يضيف لي الجديد، أو أنه يعرف أشياء كبيرة لا أعرفها، ولكنه مسكين من المساكين المضلَلة المضللِة، وأعداؤنا يستخدمونه ويستخدمون أمثاله في إضعاف شوكة هذه الأمة أكثر وأكثر. ويا فرحة أعدائنا بأمثال هذا الشخص الغامض!

أنا أحب سيد قطب، وأحب حسن البنا، وأحب عبد الحميد كشك، وأحب الألباني، وأحب عمرو خالد، وأحب وجدي غنيم، وأحب الشعراوي، وأحب عمر عبد الكافي، وأحب محمد حسان، وأحب محمد بن عبد الوهاب بن سليمان، وأحب ابن باز، وغيرهم الكثير والكثير؛ رحم الله كل من مات فيمن ذكرت وأطال عمر الحي منهم. كلهم مسلمون، بعضهم دعاة، بعضهم علماء، بعضهم مفكرون، بعضهم مصلحون، بعضهم خطباء، كلهم مسلمون، قريبون إلى قلبي، يدعون إلى الخير ومكارم الأخلاق والتدين واتباع الهدى وسنة المصطفى والترابط والتماسك والتآخي والسلام. كلهم أفرع وأوراق شجر في شجرة الإسلام الكبيرة، يستمدون نور الإسلام، ثم يغذون به الأمة الإسلامية كلها، على اختلاف طرقهم وبلادهم والوسائط التي يوصلون بها رسالاتهم. كلهم في قلبي، أدافع عنهم، ولا أذكر لهم إلا كل خير، وأعترف بأخطائهم فآخذ الحق والخير الكثير مما قالوا وأرد الخطأ القليل فأرفضه، فلا أقدس أي منهم، وأكرر لنفسي وللكل: كل يؤخذ منه ويرد، إلا المعصوم، وكل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابين.

ملحوظة إلى الشخص الغامض: سامحني يا أخي على السخرية، ولكنك تساعد على تلويث سمعة هذا الرجل الطيب، عمرو خالد، وتستحق أكثر من هذا. هداك الله.

هناك عُمر، وهناك عُمر

الأخ عمر يحمل اسماً جميلاً، يذكر كل مسلم بخليفة من الخلفاء الراشدين سمي بالفاروق عمر. كان الفاروق قوياً في الحق أيما قوة، شديداً على الباطل أيما شدة. كان إذا رأى الرجل يمشي مشية فيها مياعة، ضربه على ساقه وقال له أن هذه مشية لا ترضي الله ورسوله. وفي نفس الوقت، كان رحيماً وحانياً بزوجته، سباقاً في الخير ومساعدة المحتاج والطاعن في السن. كان عمر الفاروق راية للحق يمشي في خطاها حشود من الناس، سيفاً بتاراً على الباطل يخشاه المسلم والكافر معاً.

أما الأخ عمر في عصري، من القرن الحادي والعشرين، فيسوئه أن أنتقد شخصاً قام بتلويث سمعة عمرو خالد، أو بأضعف الإيمان، قام بالمساعدة في تلويث سمعته، بشيء كتبه في مقالة معروضة على كل الناس على الإنترنت. الأخ عمر من القرن العشرين سائه جداً أن ألوم الشخص الذي بهت عمرو خالد، ولم يعبر عن استيائه مما قاله ذلك الشخص. عمر الفاروق كان يضرب على المشية المائعة، وعمر القرن الحادي والعشرين يلوم من يزجر صاحب البهتان.

عمر القرن الحادي والعشرين أيضاً لا يخلو عقله من التبريرات لما يفعله هو—بعضه فيه مجاهرة بالمعصية، ولا يخلو من التساهل فيما فعله ذلك الشخص الذي بهت عمرو خالد؛ ولا تخجل يده من كتابة تلك التبريرات. إن كنت أنا على خطأ، أرجو أن أسمع تعليقاتكم. إن كان هو على خطأ، فلا تقولوا لي، بل قولوا له هو. أنا لا أريد إثبات شيء شخصي، ولا أريد أن أكون أبو العريف. فقط أريد أن يظهر الحق، ويمحق الباطل، ويرى الناس الأمور على حقيقتها...حتى يقل الضلال في هذه الدنيا. اقرأوا حكاية الأخ عمر معي.

تعليق من عمر القرن ٢١

بدأت هذه الحكاية بتعليق كتبه الأخ عمر على مقالتي بعنوان "عمرو خالد والبرجوازية الفضائية":
السلام يا ياسين. أعتقد يا سيدي أنك تقع في مغالطات كثيرة في معرض انتقادك لكاتب المقال. قلت يا ياسين " واضح تماماً أن هذا الأخ المصري يشعر أنه مثقف جدا" و هذا و لا نحتاج إلى استنتاج بأن هذه الجملة عبرت عن هجوم شخصي عليه. فالمعنى لا يفهم دائما صراحة و انت هنا توميئ إلى المقصد الذي تريد بقوة. ثم قولك بأنك لا تحب أن ترى من يستهزئ بداعية إلى الله لا يعطيك الحق بالتهجم الشخصي على المستهزئ. ثم قلت في بداية مقالك " مع الأسف مسلم" و أردت ان أسأل إن كان الله قد أعطاك الموهبة لمعرفة من هو المسلم و كيف يكون؟ أليس هذا استهتارا أيضا و إيماءا بأنك تفضل نوعا ما من المسلمين على نوع آخر؟ . ثم يا سيدي ما معنى "محاولا أن يعطي طابعا ثقافيا لسخريته" ؟ هل قصدت أن تقول "محاولا ان يعطي طابعا علميا أو منطقيا لسخريته"؟ فالثقافة لا تعني بالضرورة ارتفاع مستوى الكتابة او الكلام عن مستوى الأميين. ثم تكتب "ومن ثمارها الآن هي هذا الأخ نف". هذا كلام كبير فما هي يا ترى هذه المشكلة التي تكلمت بإسهاب عن أعراضها و لم تخض في لبها؟ "أنت إن أردت أن ترى الجوانب المشرقة في الدنيا، في أي مكان في العالم، فسوف تراها. إن أردت أن يعاملك الناس بطريقة حسنة، سواءً كانوا من الخليج أو الغرب أو أوروبا، سيعاملونك بطريقة حسنة." من أين جئت يا ياسين بهذا؟ هذا الكلام لا ينطبق على الدنيا و التي كل حادثة فيها و غن صغرت تعتمد في مجراها على عوامل كثيرة أخرى. هذا خلط للحبل بالنابل. و هو لا يحدث إلا في الجنة كما درسنا على أيدي أساتذة الدين. و في فقرة " المرء على دين خليله" تستنتج ما تستنتج بناءا على حديث و ليس على فكر صاف. "هل يعرف هذا الأخ، في الأصل، ما هي البرجوازية؟ أشك في هذا جداً" هذا أيضا هجوم شخصي. "أغلب الأمر أنه قرأها في كتاب من كتب الدكتور مصطفى محمود—وهو كاتب له وزنه—أو غيره من المثقفين والمفكرين في بلادنا، وهم لا يعتد بهم كمفكرين إسلاميين بالضرورة، ويرددها الآن على كل من يراهم من طبقة راقية، أو أغنياء المجتمع ومشاهيره" هذا أيضا ادعاء ضمني بعلم الغيب. على كل لا داعي لسرد كل مغالطة هنا فليس ذلك مرادي. يا ياسين أنواع المغالطات هذه تكثر في أطروحات الإسلاميين المتشددين و العنصريين و عموما الجهلة في موضوع ما و انا هنا لا أتهجم و إنما اوضح حقيقة مرة.
اتهمني عمر أني تهجمت شخصياً على الشخص الذي بهت عمرو خالد. ولا أدري أين هذا الهجوم الشخصي فيما كتبت. فأنا لم أسب هذا الشخص ولو مرة واحدة، في حين أنه هو الذي بدأ بوصف لعمرو خالد، يلوث سمعة الرجل. ولكن—إن شاء الله—سأتحدث عن هذه النقطة بتفاصيل بعد ذلك. يتساءل عمر إذا كان عندي الموهبة لمعرفة من هو المسلم وكيف يكون، ولا أدري هل يمكن أن يخرج مثل هذا التساؤل من شخص حافظ للقرآن؟ نعم، يقول الأخ عمر أنه حافظ للقرآن. ما علينا، كنت أظن أنه معروف للجميع أن معرفة من هو المسلم وكيف يكون ليست "موهبة" ولكنها "معرفة" أو علم، رزق من الله بالتأكيد، ولكن ليس هبة مجانية، وإنما علم وتعلم. ويدعي أني أفضل نوعاً معيناً من المسلمين على نوع آخر. أشعر بالرغبة في السخرية البارعة من هذه التعليق، ولكني أجاهد نفسي على ألا أستخدم "موهبتي(؟)" في الكتابة إلا في النافع والمنتج والدفاع عن الحق، وليس لأغراض شخصية. على العموم، لا أدري ما هو "نوع" المسلمين الذي قد يروق لي بالضبط. كل ما أعرفه هو أني أحب كل مسلم متواضع بشوش طيب اللسان، لا يجاهر بالمعصية أبداً، ولا ينصب نفسه محامياً إلا عن الحق—وبالتأكيد أغمز وألمز بهذا التعليق إلى تساؤل من أعطى عمر الحق من الأصل في أن يعمل محامياً عن غيره، وليت غيره من الأبرياء، بل مذنب وظالم ومجاهر بتلويث سمعة رجل يدعو إلى الله. ويتساءل عمر عن مشكلة الأمة الإسلامية التي ذكرت أعراضها ولم أخض في لبها، وردي هو أن معظم كتاباتي تخوض في ألباب مشكلتنا، ويستطيع أي شخص أن يتابع ما أكتبه. فهذه المشكلة تناقش وتعالج في كتب كاملة عامة.

ثم يقول عمر أني أتخيل أموراً لا تحدث إلا في الجنة، مثل نتائج التفاؤل الداخلي في نفسية المرء على واقعه الخارجي. وتساءل من أين آتي بهذا الكلام. هذا الكلام يأتي من قراءة عشرات الكتب في تطوير الذات، أكثرها من الغرب وبعضها من كتاب مسلمين، وبعضها من نصائح موجودة في باب الاستشارات في موقع إسلام أون لاين. أعتقد أن الأخ عمر لا يقرأ في تطوير الذات من كتب غربية، وفي نفس الوقت هاجر من بلده العربية والمسلمة كرهاً لها ولمعظم أهلها، وبالتالي لا يمكن أن يقتنع بأن الإنسان في يده أن يجعل الناس تعامله بالحسنى، على الأقل معظم الوقت، وكله بإذن الله. ويقول الأخ عمر أني أستنتج بناءً على حديث شريف وليس بناءً على "فكر صاف". وبعيداً عن السخرية التي وددت أن أقتنصها—أصلي الأخ عمر يدعوني بيا حبيبي كما سترون، تحيرت حقاً مع عمر، أستنتج من عندي وفكري، لا يعجبه، أستنتج من حديث، لا يعجبه. بالتأكيد قد يرد ويقول أنه لم يقصد هذا، ولكن أليس هذا الذي نفهمه من سياق العبارة؟

على العموم، كله رزق من عند الله، الصح والخطأ. ويقول أني عندما أشك في أن هذا الشخص يعرف ما هي البرجوازية، بهذا أتهجم عليه شخصياً! تكفي علامة التعجب أعتقد. ويختم الأخ عمر قائلاً: "أطروحات الإسلاميين المتشددين و العنصريين و عموما الجهلة في موضوع ما و انا هنا لا أتهجم و إنما اوضح حقيقة مرة". إذا لم يقصدني أنا بهذه الإشارة التي يوضحها بمرارة، إذن فلماذا يقولها لي أنا وهي مريرة هكذا؟؟ أليس هذا هو المعروف عندنا نحن معشر العرب بالغمز واللمز، والحدق يفهم، واللي على راسه بطحه؟ ونحن معشر العرب أفضل من يفعل هذا في العالم، ثم نرفع أيدينا ونقول: أنا لم أقل شيئاً، كنت أتكلم عن هؤلاء، هو الذي يأخذ كلامي بجدية شديدة أو بطريقة شخصية أو..أو.

ما علينا، علقت بعدها على مدونة عمر، فكتب مقالة يعلمني فيها بعض الأمور.

وهذا هو تعليقي على بعض ما كتبه:

الحرب من الداخل والخارج

أخ عمر، أنت معك حق في التركيز على الأعداء، ولكن كما ذكرت في مدونتي مؤخراً، أحياناً الحرب تأتي من الداخل، وما أمرّه من شعور أن نرى الحرب من الداخل قبل الخارج.

لا أقول أنك ممن تفعل ذلك مباشرة، ولكن الساكت عن الحق شيطان أخرس، فما بالك بالساكت عن الحق، المعارض لمن يدحض الباطل؟ فمثلاً كما أن الحرب على داعي متواضع وبسيط مثل عمرو خالد تأتي من أمريكا وأعوانها في بلادنا العربية، فشبه طردوه من كل مكان ومنعوا عنه الميكروفون الدائم في معظم أراضي الوطن العربي، وهذه حرب من الخارج والداخل للأسف، حيث أنها ضغوط من أعدائنا، ينقاد لها الخونة من أولي الأمر في الداخل—ولا أعني بالتحديد مثلاً رؤساء الدول، فإن وزراء الإعلام من أولي الأمر أيضاً، نرى حرباً من الداخل فقط وليس من الخارج على الإطلاق، مثل ذلك المصري الذي لا يخاف الله فيما يقوله على رجل يدعو إلى الله، فيبهته بوصفه بالبرجوازي هو أمثاله من الدعاة.

أليست هذه حرباً من الداخل للأسف الشديد؟ أليست هذه حرباً بلسان عربي؟ أليست هي حرباً بلسان عربي بل وللأسف الشديد مسلم؟ ألا يحق لي أن أشعر بالأسف عندما أسمع وأرى مسلماً يبهت مسلماً آخر، ما نقم منه إلا أنه يدعو إلى الله ومكارم الأخلاق سواء على شاشات التليفزيون أو في منبر متواضع في نادي من النوادي الاجتماعية؟

إني أحاول أن أقول شيئاً لأصحح المفاهيم في الخارج، ولكن كما قالت الصحفية الأردنية التي تعيش في قطر، في أحد تعليقاتها على مدونة باللغة الإنجليزية، نحن عندنا مشاكل في الداخل تشجع الأعداء على أن يدوسوا علينا بالأقدام. واقترحت أن نعالج قضايانا الداخلية قبل شجب ومعارضة ما يحدث من الخارج. فاختلفت، وقلت بل نعالج قضايانا في الداخل وأيضاً نشجب ونعارض الظلم الذي يحدث من الخارج.

ولكن عندما أعارض الظلم من الخارج، وأحاول أن أصحح المفاهيم في الخارج، ثم أحاول أن أصحح أيضاً المفاهيم في الداخل—وهو جزء لا يتجزأ من عملية النهضة الكلية لهذه الأمة، فأرى إخواني، الذين هم من صلبي، يشربون من نيلي، يتنفسون نفس العَفَر الذي أتنفسه في مدينتي التي نشأت فيها؛ عندما أراهم يحاربون أخاً آخر يدعو إلى الله، وهو منا، ابن بلدنا، ولا يقول سوى: اتقوا الله، ارجعوا لدينكم، انفعوا بلدكم؛ فأقول لأحدهم: "خسئت، اسكت!"، ثم يأتي أخ آخر ويقول لي ما معناه: لا، لا تلومه، دعه يتكلم ويعيب فيمن يدعو إلى الله ومكارم الأخلاق...عندما يحدث كل هذا، ألا يصح لي أن أشعر بالمرارة ولو قليلاً؟

الاستخفاف: داء عضال في هذه الأمة

وإذا كنت آخذ بعض التعليقات بشكل جدي، فهذا لأنه يوجد قضايا في يومنا هذا، في حالنا هذا، في ديننا الحنيف هذا، لا يمكن أبداً أن نهزأ بها أو نستخف بجديتها. الاستخفاف المبالغ فيه أصبح من أشد عيوب أمتنا العربية اليوم. هذا الاستخفاف هو الذي جعل "الدين يسر" تتحول إلى "لا عقاب على الذنوب والمعاصي". هو الذي جعل الكذب والبهتان يتحول إلى "مزاح" في لغة ومفهوم الكثير من شبابنا؛ فأصبح الشباب يمزح طول الوقت بقول الأكاذيب والأشياء التي لم تحدث، وفي خضم كل هذا، لا يدري المستمع ما هي الحقائق وما هي المبالغات التي تم إضافتها من أجل "تتبيل" الأحداث ببعض التوابل الحارة التي تجعل الأخبار ساخنة. وأصبحت البذاءة هي المزاح؛ فأصبح الشاب يسب الشاب وأمه وأبوه، تحت بند المزاح، وسب الوالدين من الكبائر، ولم يذكر الحديث وجود استثناءات من هذا. الاستخفاف أصبح داءً عضالاً في هذه الأمة، إلى جانب أمراض أخرى كثيرة مثل الجهل والتعصب والأنانية والبخل والحمية المنتنة والسطحية والألقاب والكبر وحب المظاهر والسطحية والسطحية...

ولكن الاستخفاف من أشد الأمراض خطراً على هذه الأمة. والدليل هو أنك لا ترى أي عيب في وضع صور خادشة للحياء وشبه عارية، لمتبرجة مجاهرة بالإثم مثل نانسي عجرم، على مدونتك كي تستطيع أن تعلق عليها. ما الحاجة إلى وضع صورة نانسي عجرم كي تتحدث عن نانسي عجرم؟ وصورة أخرى للمدعو برلسكوني يقبض فيها على محاشمه؟! سبحان الله، ما الحاجة إلى هذه الإباحية المرئية. لقد وجدت أنا حرجاً أصلاً وأنا أكتب الجملة نفسها التي أصف فيها ما فعله هذا الرجل، لأني أراعي أنه قد تأتي أخت مسلمة وتقرأ هذا الكلام فتخدش الجملة حياءها، فما بالك بصورة ومنظر يكاد ينطق يا أخي في الله!

علم في الغيب وتشاؤم؟

وإن كنت أنا بحكمي على بعض الناس أعطيك أنت شخصياً انطباعاً أني أعلم الغيب، فأنت تفعل نفس الشيء يا أخ عمر. ففي نفس المقالة التي تتحدث فيها عن نانسي عجرم، قلت أن أي شخص يدعي أنه يكرهها سوف يكون واحداً ممن ذكرتهم أنت. سبحان الله، ما أدراك بهذا يا رجل؟ أحقاً تظن أن كل الناس لا دين وتقوى حقيقية في قلوبهم؟ أحقاً تظن أن الدنيا لا يوجد فيها ولو عشرة شباب كيوسف عليه السلام في مقاومة الشهوة؟ لا أقول أنه يوجد ولو عشرة أنبياء، ولكن شباب قوي في إيمانه ويخاف الله، نكاد نقارن قدرتهم على مقاومة الشهوات في عصرنا هذا، وهم لم يتزوجوا، بمقاومة يوسف عليه السلام لمن راودته عن نفسها؟ أحقاً تظن أن الدنيا لا يوجد بها مثل هؤلاء الشباب؟ هذا هو التشاؤم بعينه، وأحسب أنك تحتاج إلى ارتياد مساجد أكثر، وفي صلاة الفجر، كي تقابل بعض هؤلاء الشباب، وجهاً لوجه، وترى في بعضهم، ولو قليلهم، نماذج لمقاومة يوسف عليه السلام للشهوة.

ولا أدري ما إذا كنت تعرف كلمة cynical الإنجليزية، ولكن ترجمة قريبة لها هي كلمة عَيًّاب، ولكن المعنى الأقرب هو أن تتوقع الشر في الناس معظم الوقت، أو تظن بالناس الظنون، أي أن كل الناس يظهرون ما ليس في باطنهم، أو لديهم غرض مادي من كل شيء يفعلونه. مثلاً، تُرى هل تعتقد أنه لا يوجد في هذه الدنيا فتيات مسلمات يتصفحن الإنترنت، وعندهن من الحياء ما يكفي لأن يُخدش بشدة، فقط إن وقعت أعينهن على صورة مثل صورة ذلك الرجل قليل الحياء؟ إذن فإنك لا ترتاد منتدى نقاش موقع عمرو خالد، كي ترى مثل هؤلاء الفتيات بالفعل يكتبن أمامك ويتحدثن عن تجاربهن وأحلامهن للأمة الإسلامية وآرائهن، ولم ترى مثل هؤلاء الفتيات في الدروس الدينية، وهذا ليس خطئهن.

وما أدراك أن كل النساء مثل اللاتي في مخيلتك؟ لماذا لا تتخيل وجود نساء في غاية الغيرة مثلاً، ولسن متساهلات أو "مبحبحين" مثل النساء اللاتي تحدثت عنهن، وأنه إن رأت امرأة منهن زوجها يتصفح موقعاً والصفحة فيها صورة نانسي هكذا، للامته وسألته بتعجب كيف يظل ينظر إلى صفحة مثل هذه، وفيها صورة مثل هذه؟ ليس كل النساء من النوع الذي سيضحك على موقف مثل هذا ويسأل الزوج عن التفاصيل يا أخ عمر، ولا، ليس لأن هؤلاء النساء إرهابيات أو في غاية التشدد، ولكن ببساطة لأن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم كان في غاية الوضوح: "اصرف بصرك". أي أنه ما أن تقع عيناك على شيء مثل هذا، سواء في صورة أو في امرأة حقيقية أمامك، فيجب أن تصرف بصرك في التو واللحظة. إذن فإن من لا يصرف بصره، يكون عاصياً لرسول الله عليه الصلاة والسلام. وهذا أيضاً معناه أن بعض المسلمين الذين لن ينظروا إلى نانسي عجرم، سيمتنعوا من هذا ليس لأي ادعاءات، ولكن ببساطة طاعةَ للرسول عليه الصلاة والسلام.

الكبر

أنت حر بالتأكيد في مدونتك، تضع فيها صور كاملة العري إن أردت، لا أحد سيضربك على يدك هنا في الدنيا—للأسف لا يوجد عمر بن الخطاب اليوم—ولكني قلت ما قلته كي ألفت انتباهك إلى منظور آخر قد لا تعرف عن وجوده، للنظر إلى الأمور. وأنت الذي تظن أنك تعلمني شيئاً جديداً بقراءة تلك التحليلات والتبريرات. كلنا نتعلم من بعضنا البعض، ولكن نتعلم العلم الحقيقي النافع، وليس التبريرات والأعذار الغير مسنودة لا من قرآن ولا سنة ولا عالم من علمائنا الموثوق بهم.

من عيوب العرب أيضاً أنهم لا يحبون أن يظهروا بمظهر من أخطأ، ولا يستطيعون الاعتذار: الكبر. إن اعتذر هذا الأخ الذي بهت عمرو خالد وساعد على تلويث سمعته، لما قلت كلمة زائدة ضده. ولكن ماذا فعل؟ لقد دافع عن نفسه وموقفه فقط، بأعذار مثل أني لا أعرفه. وما لي أنا بمعرفته؟ ولماذا يجب أن أعرفه كي أحكم على كلام قاله؟ هو يظن وأنت ظننت أيضاً أني حكمت عليه هو شخصياً، ولكني لم أحكم على الرجل، وإنما على الكلام الذي قاله. فإن أسفت على أنه مسلم يخرج منه هذا الكلام، فهذا لأنه لا يصح أن يقول أو يكتب أي مسلم مثل هذا الكلام على أخ مسلم له كائناً من كان، إلا في حالة واحدة وهي أن يكون ذلك الأخ المسلم—الذي نتحدث عنه—مجاهراً بالمعصية. ولكن فيما عدا هذا فلا يصح أن نبهت أو نغتاب بعضنا البعض هكذا، ولا يصح أن نلوث سمعة بعضنا البعض. وهذا في المسلمين العاديين، فما بالك برجل مشهور يدعو إلى الله ومكارم الأخلاق وحب الوطن والعمل من أجل الدين والوطن؟ سواءً دعى إلى كل ذلك على شاشة التليفزيون أو في نادي اجتماعي أو في مسجد؟

الحكم على الآخرين
علم للغيب؟

وإن قلت أنه يحسب نفسه مثقفاً، فهذا لأنه يستخدم مصطلحات مثل برجوازي وبروليتاري للعيب في الآخرين، وهذه مصطلحات يستخدمها عادة من يقرأ، أو له ميول ثقافية، ولكن هل يخرج مثل هذا الكلام من مثقف حقيقي؟ قد تعلم أن أقرب الترجمات في اللغة الإنجليزية لكلمة ثقافة هي: culture، cultivation، و refinement. فواضح أن هذه الكلمة لا تعني فقط العلم، إنما العلم والتهذب والرقي والحضارة. وبالتالي رجوعاً لنقطتي، قلت أنه يحسب نفسه مثقفاً، وهذا ليس تنجيماً أو علماً بالغيب، بل استنتاج منطقي جداً عن شخص يسب الآخرين بأوصاف مثل بروليتاري وبرجوازي. لماذا منطقي؟ لأن من يستخدم هذه المصطلحات في حديث أو كتابة، عادة ما يكون شخص مثقف وقارئ ويريد أن يظهر ذلك أيضاً، لأن لغتنا ليست فقيرة في الكلمات كي نحتاج بالتحديد إلى استخدام كلمات من أصول فرنسية عندما نكتب بها؛ وفي نفس الوقت، لا يمكن أن يستخدم مثقف حقيقي مثل هذه المصطلحات في الغمز واللمز عن الآخرين أو تلويث سمعتهم، خاصة خاصة عندما يكون هؤلاء الآخرين دعاة أو مصلحين. والخلاصة، إنها معادلة: استخدم تعبيرات لإظهار الثقافة + استخدمها في غير موضعها وبطريقة تدل على عدم ثقافة = مدعي ثقافة أو يظن نفسه مثقفاً. آمل أنه إذا لم يكن شرحي مقنعاً، كانت المعادلة في النهاية مقنعة، وبالتالي الاستنتاج—وليس العلم بالغيب—يكون صحيح.

وإن الحكم على الآخرين من أقوالهم وأفعالهم لا عيب فيه، طالما أنه وفق معايير معينة وفي إطار الحلال والحرام—فمثلاً لا تكون نتيجة حكمنا على شخص بأنه غير متدين أن نروح ونجيء فنقول هذا عليه لكل من هب ودب، بل لا نتحدث عنه خلف ظهره أبداً إلا إذا سئِلنا النصيحة من أب فتاة مثلاً أو إذا جاهر ذلك الرجل بالمعصية. ومن دلائل ذلك الحديث الشريف الذي يقول—بل يأمرنا—فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أننا إذا رأينا رجلاً يرتاد المساجد ولا يفوته فرضٌ يوماً بعد يوم، نشهد له بالإيمان. بالتأكيد قد يقول الكثير من الناس أننا سمعنا عن فلان وفلان، لا يترك الفرض ويصلي في الجامع، ولكن الناس اكتشفت أنه أفاك وأنه كذا وكذا. وردي شخصياً على هذا الكلام هو أني لم أرى ذلك بنفسي أبداً، بل ما رأيته بنفسي هو أن الرجل يذهب إلى المسجد فيصلي بين الحين والآخر، أو يتردد على المسجد مثلاً شبه يومياً على الأقل مرة، ولأن العرب—هداهم الله—لم يسمعوا عن شيء يدعى "الدقة" وهذا واضح في صناعاتهم وأعمالهم، يترجموا هذا إلى "هو رجل زاهد، لا يفوته فرض أبداً، يا سلام عليه!". وفي حقيقة الأمر، فهمي للحديث هو أن هذا الرجل الذي سنشهد له بالإيمان يجب أن نعاصره يومياً، فرضاً بفرض، فنراه لا يفوته ولو فرض واحد، يوماً بعد يوم، ولمدة شهور أو حتى أعوام. ومن منا يستطيع هذا اليوم إلا إذا كان هو نفسه من أمثال ذلك الرجل؟ وكانت حياته لا تجبره على التحرك بعيداً عن بيته على الإطلاق، أو أنه عندما يتحرك ذلك الرجل، يتحرك معه جيرانه وهكذا، سواءً في حرب أو خلافه؟

والمقصود هو أن الحكم على بعض الناس من أفعالهم وأقوالهم شيء طبيعي جداً ليس فقط في البشرية، بل في ديننا نفسه. وإن علم الفراسة قديم قدم الأزل، ولا يعتمد على الأفعال والأقوال بل—لا مؤاخذة—على السحنة! ولم يقل أي أحد من قبل على هذا العلم أنه يتعلق بعلم الغيب وما شابه، أو أن التصرف بهذه الطريقة يعني أنك تدعي علم الغيب. فهل المغالطة عندي أم عندك؟

ساءه توبيخ الظالم
ولم يسوءه تلويث سمعة الداعي إلى الخير

وكتبت: "و قد سائني يوم رأيت رد ياسين على ذلك الشخص الذي ببساطة لا يحب عمرو خالد..." فهل هذا هو كل ما نستنتجه من الكلام الذي كتبه ذلك الشخص؟ وهل هذه هي مشكلته الوحيدة؟ أي أنه عندما يقول شخص: "عمرو خالد وأمثاله من شيوخ البرجوازية" يكون استنتاجنا فقط أنه لا يحب عمرو خالد، ولا يوجد أي خطأ من ذلك الشخص، هو فقط لا يحب عمرو خالد؟ أليست هذه أيضاً مغالطة منك يا أخ عمر؟ أين ذهب ذنب البهتان؟ بل عند أضعف الإيمان، أين نذهب بذنب الغيبة؟ أين نذهب بذنب الافتراء وتشويه سمعة مسلم آخر، وليته مسلم عادي، بل هو رجل كتب الله له أن يكون مشهوراً بل والوحيد الذي يسمع له الملايين من المسلمين في العالم اليوم، بالذات الشباب؟ دعنا نفترض أن عمرو خالد شريراً للغاية، ولكن هذا الرجل يسمع له الملايين، والذي يخرج من فمه لا يوجد فيه أي شر على الإطلاق. إن الرجل لا يقول سوى—ما معناه—اتقي الله يا أخي، تحشمي وليتكِ ترتدي الحجاب يا أختي، اعمل واجتهد كي تنجح وتفيد وطنك ودينك يا أخي، لا تستهوني بدورك كأم في نهضة المجتمع يا أختي. فحتى وإن كان الرجل شريراً جداً، فإن ما يقوله، ما يعلنه، ما يجاهر به، لا يوجد به إلا كل خير، فسبحان الله، لماذا نقول عليه كذا وكذا، وأنه برجوازي أو بتنجاني مخلل؟ وهل سائك جداً ردي على الشخص الذي ببساطتك لا يحب عمرو خالد، و لم يسؤك ما كتبه الشخص نفسه عن عمرو خالد؟ يا سبحان الله! أنت حتى لم تعلق على ما قاله الشخص على الإطلاق؛ لم تعترض على ما قاله على الإطلاق ولو مرة.

تعليقات متفرقة

هل سينقص عدد المدونات إذا مارست حريتي في الكتابة يا سيد ياسين؟
لا، سينقص عدد من يثق في جدوى هذه المدونات عندما يروا أنك وغيرك تضعون صوراً خادشة للحياء، وكثيراً مما تتحدثون فيه هو من كشفت عورتها ومن مسك محاشمه ومن سرق ومن نهب، وقليل ما يتواجد كتابات عن كيف ننهض وكيف نرقى وكيف نتقي الله وكيف نعالج مشكلة الفقر ومشكلة كذا وكذا. فقط استهزاء وذكر للمشاكل. ما إحنا متنيلين عارفين الهم والمشاكل. الحل إيه؟!! هذا ما تحتاج إليه الأمة. وتأكيداً على النقطة، أنت لم تمارس حريتك في الكتابة فقط، بل في عرض صور لا يصح أن تعرض من مسلم يعرف أوامر ربه ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويراعي احتمال وجود أخوات مسلمات لهن من الحياء ما يكفي أن يخدش من مثل هذه الصور. وأقسم بالله أنه يوجد مثل هؤلاء الأخوات.
هل سيزيد عدد المدونات إذا كتبت كلاماً رصينا و محترماً؟
نعم، ستزيد—إن شاء الله، لأن الإنسان بطبعه يغار، بالذات العرب. فعندما يقرأ العشرات من الإخوة والأخوات مدونات من الكثير من العرب الذين يكتبون كلاماً رصيناً ومحترماً وفيه محاولات لتقديم الحلول والدعوة إلى الحق والدفاع عنه، قد يقول ولو واحد منهم في نفسه: "ولماذا لا أفعل هذا أيضاً؟ أنا عندي عقل أفكر به ويد أكتب بها، وهذه المدونات لا تحتاج إلى معرفة تقنية بالإنترنت من أجل الكتابة فيها، وأنا عندي شيء أقوله، فلماذا لا أكتب وأشارك في هذا الجهد؟

وعلى الجانب الآخر، عندما يمر العشرات من العرب على المدونات العربية، وتكون أكثر من تسعين في المائة من هذه المدونات لا تحتوي إلا على التافه وما يقع في قاع أولويات الأمة، فتكون فرصة أو احتمال أن يجد هؤلاء الناس القدوة والنموذج الذي يحتذى به ضعيفة جداً، وينتهي بهم الأمر بأن يحسوا أن كل من يستخدم هذه المدونات يتحدثون عن التافه والقيل والقال، فقد يقول أكثرهم "مالي أنا ومال مضيعة الوقت هذه!" نعم، قد يشعر البعض أنه يجب أن يصحح وأن يفعل شيئاً مختلفاً، ولكن للأسف الشديد، إنها قلة قليلة جداً في هذه الأمة اليوم من تفكر بهذه الطريقة.
ثم ماذا إذا رأتها زوجة رجل مسلم؟ ألن تسأل زوجها؟ هل ستضربه بالقبقاب؟ أم أنها ستطلقه بالثلاثة و أكون أنا السبب, فهم يعيشون أحلى حياة و لكن عمر خربها.
لقد علقت على هذا من قبل—عندما تحدثت عن أن ليست كل النساء متساهلات، ولكن أريد توضيح أنه لا يجب أن تكون النتيجة هي الطلاق. بل ببساطة، يمكن أن يحدث بينهم نقاشاً ولو لمدة ثواني، تكون بدايته أن تتضايق الزوجة، ونهايته أن تشك في أن زوجها يتحجج، وأنه لا يريد حقاً قراءة التدوين ولكن النظر إلى هذه الغانية لأنها "حليت" في عينيه، وبالتالي تأخذ أنت ذنب يعادل ذنب الرجل إن لم يصرف بصره، ثم أيضاً تأخذ ذنباً على زرع مشاعر سلبية وشك في قلب تلك الزوجة. وكما أن الداعي إلى الخير كفاعله، الداعي إلى الشر—وإن كان النظر إلى عورة امرأة أجنبية—كفاعله.
ثم أي آلاف احتمالات و تأثيرات سلبية يا حبيبي؟! أنت تتكلم بسوداويدة شديدة تستحوذ على تفكيرك الذي تظهره هنا.
وكل هذا ليس تشاؤماً أو سوداوية، بل هي من الاحتمالات. كل شيء في الكون محتمل وممكن، طالما أنه منطقي. أخي عمر، إذا كان كلامك صحيحاً، أي أن المشكلة هي أني فقط متشائم وسوداوي وأتوقع الأسوأ، إذن فلماذا كان أمر الرسول عند وقوع البصر على عورة المرأة أو ما يغري—هو صرف البصر الفوري؟ ترى أكان الرسول عليه الصلاة والسلام متشائماً لأنه توقع أن النظر إلى شيء بسيط هكذا سيؤدي إلى فاحشة؟ لماذا أمِرنا بغض البصر، ولو حتى كانت العورة الظاهرة في امرأة هي الشعر؟ هل لأنه لابد أن تكون نتيجة عدم غض البصر أن نرتكب الفاحشة؟ بالتأكيد لا، ولكن ببساطة لأن لا يمكن تطبيق قاعدة على زيد ولا نطبقها على عبيد، وإلا لصرخ زيد بأن هذا ظلم، حتى وإن كان من طبق القاعدة أو الشرع الرسول عليه الصلاة والسلام. وحاش لله أن يكون الرسول ظالماً أو أن يكون الله ظالماً. ولهذا فإن النتيجة السلبية أو العواقب الوخيمة قد لا تكون قائمة بالنسبة لك لأنك نوع معين من الرجال، وطريقة حياتك ونظرتك للأمور تختلف عن بقية الرجال وهكذا، ولكن ما أدراك أن هذا هو العادي أو المنطقي الذي يجب أن يحدث لكل الآخرين؟ ومن أدراك بأن الصورة لن تثير غرائز شاب مسلم، غير متزوج، يحاول ألا يرتكب الزنا، فتجعل المسكين يفكر في الاستمناء مثلاً؟ هل كل الشباب مثلك ويفكر بطريقتك ودرجة تأثره بالنساء وبأشياء معينة فيهن مثلك؟

مرة أخرى، أتساءل: من يغالط هنا؟ أنا أذكر لك احتمالات منطقية جداً كنتائج لما فعلته، لأن كل شيء في الدنيا بالفعل جائز ومحتمل طالما أنه منطقي الحدوث أو على الأقل يمكن حدوثه عملياً ويمكن تخيله، وهذا كي أقنعك أن هذا لا يجوز وبالفعل يأخذ عليه المرء ذنوباً، فتقول لي أني متشائم وسوداوي؟ أي منطق هذا؟ وأليس هذا هو نفس المنطق الذي يستخدمه العاصي الذي يختلي مع امرأة أجنبية، فنقول له: "يا أخي اتقي الله!" فيرد قائلاً: "يا سيدي، لا تقلق، ماذا يمكن أن يحدث يعني؟ لا تكن متشائماً، إنها جلسة خفيفة فقط. لماذا يجب أن تتوقع أني سأزني يعني؟ إنه حديث بريء فقط." ثم ينتهي بأمثاله الأمر أحياناً إلى الزنا بالفعل؟ أليست هذه قصة حدثت وتحدث؟
و بالمناسبة انا شخصيا لا أعتبر ما كتبت من ألإثم و الله أعلم.
مرة أخرى، يجب أن نتحرى الدقة الشديدة: أنت لم تكتب فقط، وأنا لم أركز في لومي على الكتابة عن نانسي عجرم، بل على صورتها وغيرها. أما بالنسبة لاعتبارك أن ما تفعل لا إثم عليه والله أعلم، فالله أعلم دائماً أبداً، ولكن اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، ويمكن أنا لا يجوز أن أرتقي إلى مكانتك لأنك تحفظ القرآن وأنا لا أحفظه. ولكن يا ترى هل إذا أتى شيخ وشيخين أو عالم دين حافظ للقرآن أيضاً، فنظروا إلى ما تفعله، ثم قالوا لك أن عليه إثم، هل تسمع وتمتنع؟ هل تقول "سمعنا وأطعنا" من الآيات التي تحفظها، طاعةً لأمر الله ورسوله الذي يأتي على لسان أهل العلم؟ أسأل الله أن يكون حفظك للقرآن نتيجته أنك تعرف جيداً أن العلماء ورثة الأنبياء. وأسأل الله ألا تكون عياباً أو متشائماً فيما يتعلق بالناس، فتكون ممكن يعتقدون أن كل المشايخ فسدة مثلاً.
أساعد أعداء الإسلام؟ ومعاداتي للمصلحين و من يجتهدون؟ و معاداتي لمن يدافعون عنه؟ هذا كله اعتداء علي شخصيا و لو كنا في بلد زي الناس لقاضيتك عليه.
أنا في فنلندا، وهو "بلد زي الناس". تستطيع أن تأتي فتقاديني على هذا الكلام، أو تعين محامياً في الاتحاد الأوروبي كي يقاديني. أو حتى تستشير محامياً صديقاً إذا كان فعلاً ما قلته يمكنك قانونياً من المقاضاة. وهذا بالنسبة للقانون الوضعي العَلَماني. أما بالنسبة للقانون الرباني الشرعي، فالحساب بيني وبينك على ما قلته أنا وما قلته أنت—يوم القيامة، إن شاء الله. وهذا ليس تشدداً أو تهديداً أو عصبية أو أي شيء من هذا القبيل، بل ببساطة دقة شديدة، فالآية تقول: "ما لهذا الكتاب لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها." كل شيء مكتوب يا أخ عمر، فإن لم تكن في بلد زي الناس اليوم، لا تقلق، يوم القيامة رب الناس نفسه يعطيك حقك، إن كان لك أي حق عليّ.
أما عن جدالك لروبرت سبنسر وحفظك للقرآن، فإن شاء الله ستثاب عليه كاملاً إن قمت بهذا بإخلاص وفي سبيل الله. وأنا لا أشكك في نيتك على الإطلاق، وإنما أذكرك وأذكر القراء بأن هناك من صلى أعواماً وأعواما، فاكتشف أن صلاة أعوامه كلها غير مقبولة، وهناك من سيدخل جهنم بعلمه إذ أنه تعلم العلم كي يبارز به السفهاء، وهناك من سيدخل جهنم باستشهاده لأنه مات كي يقال أنه كذا وكذا، وقد قيل، فينتهي به الأمر بلا ثواب عند الله. فلنحظر أشد الحظر من كل شيء نفعله، الخير والشر، ولا نأمن مكر الله. فنحن بالفعل لا نعلم الغيب، ولا ندري حقاً ما إذا الركعات التي نركعها مقبولة أم لا.

أما عن الأشياء الأخرى التي قلتها، مثل من هم الدعاة والمتدينون وبعض التعليقات الأخرى، فقد رأيت أنها لا تحتاج إلى تعليق، لأنه بصراحة واضح فيها عدم جدوى الحديث. وبصراحة أكثر، أسمع هذه الاسطوانات من كثير من الشباب، فأقول كلمتين، وعندما أجد أن هناك باباً للجدال معهم، أتركهم لحالهم، وهذا بعد خبرة مع هذه النفوس. إني حاولت من قبل أن أجادل وأقنع من تخرج منه مثل هذه التعبيرات، وكررت المحاولات مع أكثر من شخص، واكتشف في النهاية أن النتيجة واحدة، وبالتالي تكون لدي نموذج أو pattern محدد لمن يتكلم بهذه اللغة أو تلك التعبيرات. معظمهم للأسف ناس بعيدة عن الله جداً، قلما تسمعهم يتحدثون في الدين، وكثيراً ما تسمعهم يسخرون من الغير ويعيبون في هذا وذاك وفي أحوال البلاد والفساد السياسي، وهكذا. يعيبون في أمثالي، ويدعونهم بالتشدد والمشيخة أو "عم الشيخ" وللأسف، قلة قليلة جداً منهم من إذا رأوا متديناً معتدلاً واعياً في كلامه ومنطقياً في ردوده، أعطاه الاهتمام وسمع له. بل رأيت بنفسي أيضاً، وكنت طرفاً ثالثاً، أنهم يضعون مثل هذا المتدين في سلة واحدة مع السذج وقليلي الوعي الديني الذين يحاولون الدفاع عن الدعاة أو عن الحق في الدين بطريقة مندفعة ومتهورة وغير حكيمة. فواضح أنه يوجد تشاؤم خاص بالناس أو cynicism، وواضح أنه يوجد تحيز أو bias، ليس إلا نتيجة كبر وانحراف شديد عن الصراط المستقيم، يوماً بعد يوم، شهراً بعد شهر، أدى إلى النفور مما يحبه الله ورسوله، والميل إلى بعض ما يكرهه الله ورسوله، والنفور ممن يحبهم الله ورسوله، والميل إلى من يكرههم الله ورسوله. ومعرفة هؤلاء ليست تنجيماً أو علماً في الغيب، بل هي بوضع الأشياء والناس في ميزان القرآن والسنة. والقرآن مليء بالآيات التي تذكر من الذين يحبهم الله، ومن الذين يكرههم الله.

كلمة أخيرة

الكبر يا أخ عمر. الكبر. حتى وإن كنت حافظاً للصحيحين بعد القرآن. الكبر هو الذي لعن إبليس لعنة أبدية بعد أن كان من أقرب المخلوقات إلى الله. فانظر نظرة عميقة إلى داخلك، إلى قلبك. لا يهم كم من القرآن تحفظ وكيف كنت منذ سنين. القرآن يطير من العقل بالمعاصي، فقم بتسميع القرآن لنفسك وأنظر كم تتذكر منه. ولتكن لكل منا وقفة مع نفسه، هل يمنعه الكبر عن الخير أحياناً؟ أنا لا أريد منك تعليقاً ولا رداً. قل خيراً أو لتصمت كما في الحديث الشريف. والصمت خير في أمور كثيرة. أحسب أن من بين هذه الأمور، كان صمتك على ما كتبت في هذا الشخص الذي بهت عمرو خالد ولوث سمعته. وأذكرك أنه لم يطلب منك أن تكون محامياً له، ولكن الله يطلب منك أن تكون محامياً ومدافعاً عن الحق نفسه، لا عن الأشخاص، إلا إذا كان هناك ما يستدعي حقاً أن تدافع عن شخص بالتحديد، مثل أن يظلمه شخص آخر. وأنا عندما أدافع عن عمرو خالد، لا أدافع عن شخصه، بل أدافع عن ما يدعو إليه عمرو خالد، وعن مجهود عمرو خالد، وعن رسالته. فإننا إذا قتلنا عمرو خالد ولوثنا سمعته، سنحرم الملايين من شباب هذه الأمة من فرص لا تعوض للتقرب إلى الله، وقد اختار الله في عصرنا هذا أن يهدي شباباً بالملايين علي يد هذا الرجل المتواضع البسيط، بغض النظر عن شخصه أو أموره الشخصية وأخطائه وهفواته وزلات لسانه التي يعترف بها هو نفسه بعد ذلك؛ ويكفي الرجل أنه يكرر أنه ليس بشيخ ولا مفتي، ويوصي مستمعيه ألا يأخذوا كلامه على أنه فتوى، بل نصيحة في الله. وإن لم تجاهر أنت بما جاهرت به، لما جاهرت أنا بهذه المقالة. وكلامي ليس معناه أني يجب أن تكون لي الكلمة الأخيرة. بل قد أتركها لك عن طيب خاطر، كل ما يهمني هو ألا يكون هناك شيء يستدعي التوضيح من منظور إسلامي أو منظور الواجب الديني. فمن واجبات المسلم في حياته أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويصحح المفاهيم إن استطاع ويدافع عن الحق ويمحق الباطل إن استطاع. وهذا ما حاولت أنا وأحاول أن أقوم به. فلك دينك أو طريقتك، ولي ديني أو طريقتي. وإذا كان واضحاً على دفاعي أو مجهودي أنه من أجل الخير والحق، فلا تضع نفسك ولو حتى في شبهة أنك محامياً عن الباطل. بالتأكيد لم يكن هذا قصدك، ولكنك وضعتني أنا في موقف أرى فيه هذه الشبهة. ثم تقول لي أنك كنت لتقاضيني؟ قاضاك الله يا أخي، وفصل بيني وبينك يوم القيامة.
أسأل الله أن يُظهر الحق ويمحق الباطل، حتى ترتفع راية الحق، فيراها المخلصون، وترد المنطق الفاسد للمبطلون عليهم، أينما كانوا، وأينما كان الباطل. هداني الله وإياكم إلى الحق، وقبل الهداية للأفراد—ماتوا ويبقى الإسلام، أسأل الله مرة أخرى أن يهدي الحق إلى حيث تراه الدنيا.

الخميس، ديسمبر 2

كيف انتهينا هنا يا رب؟

هذا الرجل.

هذا الرجل، محمد رسول الله—صلى الله عليه وسلم، وما أدراك ما هذا الرجل!

رجل استأمره جبريل عليه السلام كي يطبق الأخشبين على مشركي مكة كلهم، فيدكهم دكاً ويخفيهم من الوجود، ولكنه رفض، ذلك الرجل. ذلك الرجل الذي كاد أن يكون ملاكاً في عين العوام، وصعد إلى ما هو أسمى من الملائكة عند الله سبحانه وتعالى. رفض محمد عليه أزكى الصلاة والسلام لأنه أحس أنه قد يخرج من بينهم من يعبد الله ويوحده!

رجل اختبره يهودي بسوء الخلق الشديد، فصبر وكان حليماً، ثم زاد اليهودي من سوء الخلق، فزاد الرجل الجميل الحليم من صبره وطول باله وطيبته. ظلت طيبته وصبره يزيدان كما يزيد اليهودي من سوء خلقه، حتى لم يعد يستطع اليهودي الصمت أو الصبر على هذا الخلق الخارق الملائكي، فنطق الشهادة وأسلم.

آه يا محمد، يا من بُعثت رحمة للعالمين. يا حبيب الله. يا حبيبي ولم أرك، وحبيب الملايين ولم يروك.

يا من تألم جذع النخل بأنين مسموع لفراقه عنك بعد أن بنوا لك المنبر ولم تعد تتكأ عليه. يا من سبح الحصى في يده تنزيهاً لرب العالمين. يا من تحرك واشتاق له الجماد قبل الحيوان، والحيوان قبل الإنسان. يا من وضعت يدك على صدر الرجل، فكأن شمساً أشرقت في قلبه. أيا محمد!

اللهم صلي وسلم وبارك على محمد رسول الله. كم نحن المسلمون في حاجة إليك اليوم معنا يا رسول الله. ليت الناس تموت والرسل لا تموت. ليت الرسل تموت وخاتم الرسل لا يموت. شاء الله وما قدر فعل؛ ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. اللهم صلي وسلم وبارك على محمد رسول الله.

ليتك هنا حي بيننا يا رسول الله كي تسمع أنيني وأنين الملايين من المسلمين. إن الله يسمعنا، ولكن الله اختار بمشيئته ألا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. والمسلمون لا يغيرون ما بأنفسهم. ليتك كنت معنا كي تهدي العاصي وتزهق الباطل وتظهر الحق، وتقول قول المعصوم فتفصل، وتخرس كل ضال مضلل، مكذب كذاب، متبع لهواه.

تفرقنا يا رب، ومن جمع الأوس والخزرج—بإذنك—ليس بيننا ليجمعنا. تشاققنا يا رب، ومن وحد بين المهاجرين والأنصار ليس بيننا ليوحدنا. اختلفنا يا رب، والمعصوم ليس بيننا ليقول قول الفصل.

التائب أصبح رجعياً معقداً، والمتدين أصبح متشدداً، والمتشدد أصبح إرهابياً. "الدين يسر" أصبحت "الذنوب والمعاصي لا عقاب عليها". الداعي إلى الله أصبح طالب شهرة. والداعي إلى الله المشهور أصبح برجوازياً. الحجاب أصبح أمراً سطحياً. اللحية أصبحت مشيخة وسنة منسية. المزاح أصبح الكذب. والبذاءة أصبحت المزاح. تصحيح المفاهيم أصبح مغالطة. الدم المسلم أصبح رخيصاً...لا دموع عليه، لا مقاومة ضد إراقته، لا قلوب تنفطر عليه.

الدهماء يصفقون لمن يكتب ويشجب، يا رب. ويستهزئون ويسخرون ممن يعمل جاهداً من أجل التغيير ونهضة أمتنا. المسلمون يخافون من إظهار الإسلام في أراضي الإسلام، ولا يخافون من إظهاره في أراضي العجم، لأن إظهار الدين جريمة يعاقب عليها أولي الأمر في أراضي الإسلام، يا رب!

يا رب، فتوة شباب أمتي تضيع في الرقص والغناء والاستمناء. أوقاتهم تضيع في السخرية واللعان والسباب والتأفف من الحال، والقليل يتحرك ليبني ويقدم الحلول...بل ومن يقدم الحلول يسخر منه البعض، وإن كانوا قلة حقيرة. الناس تصدق وتحب من يهزأ بالعلماء والدعاة، وتكره وتسخر ممن يدافع عنهم. الناس تتحدث وتسوق وتعلن وتزيد من شهرة العاهرات والقوادين والجهال، ولا يتحدثون عن من يدعو إلى الله.

كيف وصلنا إلى هذا، يا رب؟ كيف ذللنا إلى أسفل سافلين هكذا، يا رب؟ لماذا الحرب على كل من يدعو إليك يا رب؟! ليس من الكفار فقط، بل من بيننا، من بين أصلابنا، ممن يطلقون على أنفسهم مسلمين! الخنجر عندما ينزلق في ظهورنا فنلتفت ونرى الكافر، فإن أجسامنا فقط هي التي تتألم ونحن نموت. ولكن عندما نلتفت فنرى أن يداً مسلمة، أو يد منافقة آثمة، تدعي أو تظن أنها مسلمة—هي التي تترك الخنجر في ظهورنا...فإن قلوبنا وأرواحنا تتألم كثيراً مع تألم أجسامنا—ونحن نموت. كيف انتهينا هنا يا رب؟

وا إسلاماه، يا من بدأت غريباً وعدت غريباً، لا يعرف ملامحك وهويتك الحقيقية إلا القليل.

وا محمداه، يا من أماتك الله فأصبحنا وحدنا، لا يفصل بين الحق والباطل فينا مخلوق يخرس الجميع.

وا رباه، يا من تعاليت وتنزهت وحدك عن كل عيب أو نقص أو خطأ؛ سبحانك ربي بحكمتك التي لا ترام. كيف وصلنا إلى هذا يا رب؟

حزن وأداة حادة

حزن وأداة حادة قد تكون كلمة، عبارة، حدث، فعل، أو...لا فعل. اختلفت صورها، ولكنها أداة حادة. قد لا تريق دماً في لحظتها، ولكنها تريق دموعاً، ثم تسهل الطريق للآخرين كي يريقوا الدماء.

إنها أداة حادة...تقطر حزناً، تميت كمداً، ثم تموت الضحية مرة أخرى...غدراً. إنها الغيبة والنميمة. إنها تلويث سمعة داعي إلى الله. إنها الاستهزاء بمتدين. إنها سماع الموسيقى وجيراننا يسمعون طلقات المدافع والقنابل وبكاء الأطفال. إنها افتراء بتهم الهياج والعهر من أب على ابنته المسكينة التي تتوق للزواج. إنها الضحك بقلب لا يميته الضحك لأن القلب بالفعل مات. إنها التغني بالشعر وامرأة في عمر أمي تتغنى بدموع وآهات الحزن على وليدها الذي غرق...أو غرقت جثته في دمائه بعد أن مات. إنها المزاح والملاهي واللا مبالاة الكاتمة لصوت—بل صراخ—الآهات. إنها قسوة قلب وعمى آباء عن حاجة أولادهم وبناتهم للزواج. إنها فرحة الشيطان بشاب زنى وفتاة أدمنت الاستمناء. إنها القسوة، الأنانية، حمية الجاهلية، التعصب، الكبر، كثرة الفَرِيَّة، الجهل، اللا مبالاة. إنها قراءتك لهذه الكلمات، بدون أن تقشعر أو تذرف دمعة.

إنها...أداة حادة، أسمعها تنزلق في قلبي وهي تنزلق بسلاسة في ظهر الضحايا، لا أدري كيف.

المقاومة الإسلامية العربية بالمدونات

مقاومة الهجوم على العرب والمسلمين
عن طريق المدونات الإلكترونية على الشبكة

قرأت منذ قليل في مدونة لأخ عربي كلاماً جيداً ومعلومات مهمة عن طفرة المدونات في العالم، أو ال blogs، وكيف أنها تستغل الآن من قبل الغرب في التحريض ضد العرب والمسلمين، وكيف أننا—نحن العرب والمسلمون—يجب أن نكثر من مدوناتنا كي نرد على كل هذا ونقاومه. وسأل الأخ في النهاية إذا كان عند أي من القراء اقتراحات من أجل زيادة المدونات العربية. وكل هذا الكلام جيد جداً، ولكن للأسف، كان عندي تحفظات. وهذا هو تعليقي على ما قاله الأخ:

نعم، عندي اقتراحات، وليس اقتراحاً واحداً.

تستطيع أن تبدأ بنفسك، فبدلاً من عرض صور شبه عارية كي تعلق عليها، يمكن أن تقع عليها عين فتاة مسلمة تتصفح بحسن نية، أو يتصفحها رجل مسلم متزوج فتمر زوجته عليه وتراه يقرأ تدوينك، ولا تلاحظ أي شيء بالتأكيد سوى الصورة الشبه عارية، أو يراها أخ مسلم فتهيج الصورة فيه الغرائز، بدلاً من هذه الاحتمالات والآلاف غيرها من التأثيرات السلبية، علق بدون وضع مثل تلك الصور. بهذا تنفع الناس وتمنع عن نفسك الإثم وعن الناس أمثلة الأذى التي ذكرتها.

تستطيع أن تترك الناس التي تدافع عن الحق وتدافع عن الدعاة إلى الله—في حالهم. أي تتركهم يدافعون عن العلماء والدعاة، على الأقل عمرو خالد مثلاً لم يقم بعملية إرهابية من قبل، فلماذا تعين شخصاً يبهته أو يلوث سمعته، ولماذا تنتقد شخصاً يدافع عنه وعن رسالته؟ أنت بهذا للأسف تساعد نفس الناس التي تريد إيذاء العرب والمسلمين، لأنك تؤذي هذه الأمة كلها بمعاداتك لمن يجتهدون من أجل الإصلاح، مثل عمرو خالد، ومعاداتك لمن يدافعون عنه.

تستطيع أن تنظف مدونتك العربية من أي صور خادشة للحياء ومن أي تدوينات أو تعليقات في تدوينات—فيها سخرية من متدينين أو دعاة أو شيوخ. وتستبدل هذا بالنقد البناء، الذي يقدم الحلول. ووقتها أنا سأكون من أول من يضيف عنوان مدونتك إلى مدونتي، وأدعو الناس إلى الاهتمام بالقضية التي طرحتها.

هناك الكثير الذي تستطيع أن تفعله، وأرجو ألا يقف المزيج بين ثقافتك في غير الدين وقلة العلم في الدين، حائلاً دون أن تفهم ما أقول، ومشجعاً على الفهم الخاطئ. فتجعلك تشعر بالكبر مثلاً، وفي نفس الوقت ترسم صورة لكلامي على أنه يأتي من شخص "متشدد".

كي أكون صريحاً، لقد زرت كثيراً من المدونات العربية، ولم أرى سوى موقع الأخ عبد الله، سردال، الذي يستحق الاهتمام والمتابعة والدعوة إلى زيارته. أما فيما عدا هذا، فمعظمها مدونات لناس لا هم لهم سوى السخرية والاستهزاء والتحقير من شأن الآخرين، مع فكر عَلَماني غير ديني، مع اهتمام بالشعر على حساب القرآن والحديث مثلاً، والاهتمام بالشعر ليس عيباً، ولكن لأن يكون الكون كله يدور حول الشعر والشعراء عند مسلم أو عربي اليوم، وإخوانه يموتون في كل مكان، فهذا هو العيب.

فحتى يتغير كل هذا، حقيقة لن أكون متحمساً من أجل زيادة المدونات العربية. الشبكة العربية تمتلئ بالتافه وبالأشياء التي تقع في قاع أولويات الأمة بالفعل، ونحن لا نحتاج المزيد من هذا، بل نحتاج المزيد من النافع والمنتج.

فأرني النافع والمنتج، أرني القراءات التي تضيف لي شيئاً جديداً من العلم النافع أو الإيمان أو الدفعة الإيمانية أو التفاؤل أو الإصلاح أو النقد البناء أو الاقتراحات للخروج من أزمة الأمة الإسلامية والعربية. أرني أي من هذا، وأنا سأكون أول من يعمل على نشره.

وفي النهاية، أحب أن أذكر أني للأسف وجدت عدد المدونات الإنجليزية، التي تكتب من قبل مسلمين باللغة الإنجليزية، أفضل بكثير من المدونات العربية التي تكتب من قبل مسلمين باللغة العربية. وهذا شيء مؤسف حقاً. يذكرني بالرغبة في البكاء على حال العرب، وما يسببه حالهم المزري من تأخر حالة الإسلام نفسه والأمة الإسلامية كلها. تذكرت لماذا تركت أنا مصر، وتذكرت لماذا تركها عمرو خالد، ولماذا تركها الشيخ وجدي غنيم و...و، ياااه، تذكرت لماذا هذه الأمة تلفظ خيرة رجالها (ولا أضع نفسي مع عمرو خالد ووجدي غنيم وبقية الدعاة بل والعلماء المطرودين تحت هذا المسمى) إلى الخارج، وتطردهم طرداً، أو تجعلهم "يطفشون" طفشاً!

وبعد هذا كله، يأتي هذا الأخ ويتساءل لماذا لا يوجد مدونات عربية كافية، وقبلها يلومني وينتقدني لأني انتقدت مصرياً على إهانته لعمرو خالد وتلويثه لسمعته بوصفه بالبرجوازي، بل "وأمثاله من شيوخ البرجوازية الفضائية"، ثم في النهاية،يلمح الأخ "بمرارة" أني جاهل ومتشدد. أيا أمة...ويا لمرارتي!

فقر الشبكة العربية

لماذا الشبكة العربية فقيرة؟
في المحتويات المتخصصة والنافعة

عندما عدت إلى مدونة عبد الله، كي أقرأ أي تعليقات جديدة على تدوينه بعنوان التخصص مرة ثانية وثالثة وألف، لفت انتباهي لأول مرة تعليق الأخ أبو أحمد هناك:

لأننا وبكل بساطة لا نريد أن نعمل ، أو نجد ونجتهد في كتابة واستخراج وتصنيف المعلومة …

كل الهم عند إنشاء موقع في الإنترنت ، كيف أصمم هذه الحركة ، وكيف أسرق هذا التصميم ، وكيف أسرق هذا الموضوع أو كيف أنسب حقوق وملكية لي دون غيري .. فلماذا يتعب إذن في إنشاء موقع متخصص في الشعر !!

في أمان الله

الأخ أبو أحمد عنده حق بالتأكيد، ولكنه ذكرني بسبب آخر لعدم وجود مثل هذه المواقع المتخصصة. إنه أيضاً الفقر، وبخل هذه الأمة في الخير.

فمثلاً، كما أن الكثير من الأغنياء إما ليس لديهم العلم الكافي وإما كسالى عن العمل، فإن كثيراً من الفقراء أو متوسطي الدخل الذين بالكاد يغطون مصاريف حياتهم شهرياً لا يخرجون علينا بمثل هذه المشاريع، بالرغم من وجود العلم والرغبة في العمل عند بعضهم، ببساطة لأنهم يعلمون مسبقاً أنه لن يأتي عائد مادي من هذا المجهود.

أنا لا أقول أننا يجب دائماً أن ننتظر العائد المادي، وأن نهمل مثلاً الثواب من عند الله، ولكن كيف يقتات الناس إن لم يعملوا ويجتهدوا في أعمال مربحة؟ من أوبئة العالم كله اليوم هي الفقر، ولكن ليس الفقر المالي أو المادي، وإنما الفقر الوقتي. فهذا وباء موجود في الدول المتقدمة والثرية أكثر بكثير من الدول النامية أو العربية. الناس كلهم عندهم فقر في الوقت. لا أحد عنده وقت ليشارك في كذا أو كذا، لا أحد عنده وقت للاجتماعيات كما كان منذ عقود من الزمن مثلاً، وهكذا. الجميع مشغول في وظائفه وأعماله المربحة والسعي من أجل الرزق.

وفي خضم كل هذا، إن كان الأغنياء إما لا علم عندهم وإما لا رغبة في العمل في مثل تلك المشاريع، فكيف نتوقع من متوسطي الدخل والفقراء الذين قد يحبون العمل في مشروع مثل هذا مثلاً—أن يجدوا الوقت من أجل القيام بتلك المهمة بدون أجر؟ خاصة وإن احتاجوا أن يتركوا أعمالهم أو دراساتهم من أجل هذا؟ وهذا إن أرادوا أن يخرجوا مشروعاً مشرفاً بالفعل، ويمتاز بالدقة والإخراج الشبه كامل وبدون أخطاء ومع مراعاة استخدامية المحتويات في جميع الأجهزة والتكنولوجيات وهكذا.

إذن فهذه من المعوقات التي تقف في وجه هذه الأمة عندما يريد بعضها أن يقوم بمجهود نافع مثل هذا. الأغنياء لا يريدون أن يتعلموا ويطبقوا، أو لا يتهمون على الإطلاق بمثل هذه الأمور في الحياة، أو لا يريدون تمويل مشاريع مثل هذه—يبخلون في هذه المشاريع. والفقراء ومتوسطي الدخل أيضاً لا علم عندهم ولا يجدون الوقت أو المال للتعلم، وإن كان عندهم العلم لا وقت عندهم للمشاركة في جهد مثل هذا بدون أجر إذ أنه وقت سيستقطع من وقت العمل وطلب الرزق. وإن عملوا في هذا المشروع مثلاً على أمل أن الرزق يأتي بعد الانتهاء منه، فإن الرزق يأتي بأسبابه، ولذا فعلينا أن نختار الأسباب الأمثل لنا، وعندما نفكر في كيفية أن يأتي رزق بعد الانتهاء من مشروع مثل هذا: موسوعة كاملة عن الشعر العربي على الإنترنت، فبالكاد نجد أي أسباب تشجع! فمن مثلاً من العرب عنده المال أو—لو عنده المال—الرغبة في تشجيع مشاريع مثل هذه، كي يدفع مثلاً اشتراكاً شهرياً أو حتى سنوياً زهيداً في مثل هذه الخدمة الإعلامية أو المكتبة الإلكترونية؟

أما في الغرب، فإن الناس هناك إما عندها كروت الائتمان والمال الكافي أو تمتاز بالجدية في دعم مشاريع مثل هذه بالتبرعات وخلافه، ولهذا يستطيع الكثير منهم القيام بمشاريع مثل هذه بطموح وأمل في أنها قد تجلب العائد المادي في القريب، حتى وإن لم يكن العاجل. يا جماعة، بالله عليكم، لقد نجحت منظمة موتزيلا في تجميع المبلغ المطلوب من أجل عرض إعلان عن متصفح فايرفوكس المجاني على صفحة كاملة في جريدة نيويورك تايمز!! هل نجحنا نحن العرب في أي مجهود أو إنجاز مشابه؟ نعم، نجمع التبرعات، ولكن فقط عند الحروب والمجاعات والمصائب، وأحيانا تسرق هذه التبرعات—حسبنا الله ونعم الوكيل—وأحياناً بالكاد تغطي النكبة أو المصيبة. هناك المئات من العلماء والآلاف من الجمعيات في بلادنا التي تتسول من أجل مبالغ زهيدة من المال قد تساعدهم على تحقيق إنجازات خرافية للأمة، ولا أحد يبالي—لا حول ولا قوة إلا بالله.

ولو قلنا أن الناس اعتادت أن يكون العلم بالمجان، فما هي الطرق الأخرى التي قد تدر الربح على من يقوم بمثل هذا المشروع—موسوعة عربية ما على الإنترنت؟ إن قلنا مثلاً الإعلانات التي قد تدر ربحاً ما إذا اشتهر الموقع وزاره الكثير من الزوار، فيا إخواني العرب—مع احترامي، الغرب يدرك جيداً فقرنا وبخلنا، ولهذا فإنه بالكاد يوجد على الشبكة من قد يهتم بعرض إعلاناته ودفع مال من أجل هذا العرض على جمهور من القراء العرب! والقلة التي قد تهتم بشيء مثل هذا أكثرهم من المنظمات التنصيرية والتكفيرية التي تحصل على الدعم المادي اللانهائي المشبوه.

فما هي بعض الحلول المحتملة يا جماعة؟ ما هي الحلول المحتملة يا عبد الله؟