الخميس، ديسمبر 2

كيف انتهينا هنا يا رب؟

هذا الرجل.

هذا الرجل، محمد رسول الله—صلى الله عليه وسلم، وما أدراك ما هذا الرجل!

رجل استأمره جبريل عليه السلام كي يطبق الأخشبين على مشركي مكة كلهم، فيدكهم دكاً ويخفيهم من الوجود، ولكنه رفض، ذلك الرجل. ذلك الرجل الذي كاد أن يكون ملاكاً في عين العوام، وصعد إلى ما هو أسمى من الملائكة عند الله سبحانه وتعالى. رفض محمد عليه أزكى الصلاة والسلام لأنه أحس أنه قد يخرج من بينهم من يعبد الله ويوحده!

رجل اختبره يهودي بسوء الخلق الشديد، فصبر وكان حليماً، ثم زاد اليهودي من سوء الخلق، فزاد الرجل الجميل الحليم من صبره وطول باله وطيبته. ظلت طيبته وصبره يزيدان كما يزيد اليهودي من سوء خلقه، حتى لم يعد يستطع اليهودي الصمت أو الصبر على هذا الخلق الخارق الملائكي، فنطق الشهادة وأسلم.

آه يا محمد، يا من بُعثت رحمة للعالمين. يا حبيب الله. يا حبيبي ولم أرك، وحبيب الملايين ولم يروك.

يا من تألم جذع النخل بأنين مسموع لفراقه عنك بعد أن بنوا لك المنبر ولم تعد تتكأ عليه. يا من سبح الحصى في يده تنزيهاً لرب العالمين. يا من تحرك واشتاق له الجماد قبل الحيوان، والحيوان قبل الإنسان. يا من وضعت يدك على صدر الرجل، فكأن شمساً أشرقت في قلبه. أيا محمد!

اللهم صلي وسلم وبارك على محمد رسول الله. كم نحن المسلمون في حاجة إليك اليوم معنا يا رسول الله. ليت الناس تموت والرسل لا تموت. ليت الرسل تموت وخاتم الرسل لا يموت. شاء الله وما قدر فعل؛ ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. اللهم صلي وسلم وبارك على محمد رسول الله.

ليتك هنا حي بيننا يا رسول الله كي تسمع أنيني وأنين الملايين من المسلمين. إن الله يسمعنا، ولكن الله اختار بمشيئته ألا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. والمسلمون لا يغيرون ما بأنفسهم. ليتك كنت معنا كي تهدي العاصي وتزهق الباطل وتظهر الحق، وتقول قول المعصوم فتفصل، وتخرس كل ضال مضلل، مكذب كذاب، متبع لهواه.

تفرقنا يا رب، ومن جمع الأوس والخزرج—بإذنك—ليس بيننا ليجمعنا. تشاققنا يا رب، ومن وحد بين المهاجرين والأنصار ليس بيننا ليوحدنا. اختلفنا يا رب، والمعصوم ليس بيننا ليقول قول الفصل.

التائب أصبح رجعياً معقداً، والمتدين أصبح متشدداً، والمتشدد أصبح إرهابياً. "الدين يسر" أصبحت "الذنوب والمعاصي لا عقاب عليها". الداعي إلى الله أصبح طالب شهرة. والداعي إلى الله المشهور أصبح برجوازياً. الحجاب أصبح أمراً سطحياً. اللحية أصبحت مشيخة وسنة منسية. المزاح أصبح الكذب. والبذاءة أصبحت المزاح. تصحيح المفاهيم أصبح مغالطة. الدم المسلم أصبح رخيصاً...لا دموع عليه، لا مقاومة ضد إراقته، لا قلوب تنفطر عليه.

الدهماء يصفقون لمن يكتب ويشجب، يا رب. ويستهزئون ويسخرون ممن يعمل جاهداً من أجل التغيير ونهضة أمتنا. المسلمون يخافون من إظهار الإسلام في أراضي الإسلام، ولا يخافون من إظهاره في أراضي العجم، لأن إظهار الدين جريمة يعاقب عليها أولي الأمر في أراضي الإسلام، يا رب!

يا رب، فتوة شباب أمتي تضيع في الرقص والغناء والاستمناء. أوقاتهم تضيع في السخرية واللعان والسباب والتأفف من الحال، والقليل يتحرك ليبني ويقدم الحلول...بل ومن يقدم الحلول يسخر منه البعض، وإن كانوا قلة حقيرة. الناس تصدق وتحب من يهزأ بالعلماء والدعاة، وتكره وتسخر ممن يدافع عنهم. الناس تتحدث وتسوق وتعلن وتزيد من شهرة العاهرات والقوادين والجهال، ولا يتحدثون عن من يدعو إلى الله.

كيف وصلنا إلى هذا، يا رب؟ كيف ذللنا إلى أسفل سافلين هكذا، يا رب؟ لماذا الحرب على كل من يدعو إليك يا رب؟! ليس من الكفار فقط، بل من بيننا، من بين أصلابنا، ممن يطلقون على أنفسهم مسلمين! الخنجر عندما ينزلق في ظهورنا فنلتفت ونرى الكافر، فإن أجسامنا فقط هي التي تتألم ونحن نموت. ولكن عندما نلتفت فنرى أن يداً مسلمة، أو يد منافقة آثمة، تدعي أو تظن أنها مسلمة—هي التي تترك الخنجر في ظهورنا...فإن قلوبنا وأرواحنا تتألم كثيراً مع تألم أجسامنا—ونحن نموت. كيف انتهينا هنا يا رب؟

وا إسلاماه، يا من بدأت غريباً وعدت غريباً، لا يعرف ملامحك وهويتك الحقيقية إلا القليل.

وا محمداه، يا من أماتك الله فأصبحنا وحدنا، لا يفصل بين الحق والباطل فينا مخلوق يخرس الجميع.

وا رباه، يا من تعاليت وتنزهت وحدك عن كل عيب أو نقص أو خطأ؛ سبحانك ربي بحكمتك التي لا ترام. كيف وصلنا إلى هذا يا رب؟

هناك تعليقان (2):

طالبة علم يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله في مدادك ايها الاخ الكريم ..وجعلك الله ذخرا للاسلام والمسلمين


هي الغربة اخي الكريم ..

قال صلى الله عليه وسلم: (يأتي على الناس زمان الصابر على دينه كالقابض على الجمر). رواه الترمذي عن أنس

هو زمن الفتن ..الفتن التي تموج من حولنا بين فتن فكرية واخلاقية ..نسأل الله العافية والسلامة

عن أنس رضي الله عنه: أنه قال: ألا أحدثكم بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحدثكم به أحد غيري: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " (إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويكثر الجهل، ويكثر الزنى، ويكثر شرب الخمر، ويقل الرجال، ويكثر النساء؛ حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد)"


اللهم سلّم سلّم

وسؤال أسأله دائما ..ماواجبنا تجاه هذه الغربة ؟

ألا يجب ان نقول للعاصي أنت عاص؟

أما كيف انتهينا هنا ..فمن مقولات بسيطة انتهى حالنا الى مانحن فيه !!

الناس اليوم يقولون للشخص الذي لا يصلي " انسان عادي" في حين ان الشخص الذي يصلي هو " انسان متدين " فانظر معي كيف كان تأثير لفظ " عادي " على المجتمع

لم يعد العاصي يشعر بمعصيته ..لأنه يرى انه في الوضع العادي !!

ماذا لو التزمنا بالوصف القرآني ..وقلنا للمسيء انت مسيء ..
وللمتهاون انت متهاون ..

وفي المقابل ..يظل الوصف والتميز للمتدينين ..محسن ..وتقي ..وصابر ومجاهد

أصبح وصف الشخص العادي في الأذهان ..هو الشخص الذي يسمع الغناء ..لايغض البصر ..متهاون في صلاته ..

في حين ان وصف الشخص العادي المسلم ..يجب ان يكون وصف للشخص الملتزم على اقل تقدير بالفروض الأساسية في الاسلام ..

اللهم اهدنا واهد بنا ويسّر الهدى لنا

غير معرف يقول...

:)
جزاك الله خيرا