هذا النقاش أحياناً تطرق من موضوع السيسي نفسه إلى مواضيع أخرى ذات صلة وثيقة وأخرى ذات صلة ثانوية بالخصومة الجارية بين العسكر بقياداته والمتظاهرين بتوجهاتهم المختلفة، سواء الإخوان أو غيرهم.
كتب ذلك الشخص، ولا أذكر اسمه حفاظاً على خصوصيته:
“رايي الشخصي وطبعا لن يعجبك هههههههه... انا اثق فى السيسي مع الوضع فى الاعتبار ادميته بمعني اني اتقبل خطأه مادام الغرض هو مصر ... استاذ ياسين .. اصلاح الدولة ابدا لن يكون بهدمها ... تيار اليمين السياسي امتلك الفرصة فاعتمد هدم الدولة ... دع عنك الاتهامات ببيع سينا وحلايب وما الي ذلك من الكلام المرسل ..مثال واقعي لهدم الدولة هو ما قام به مرسي من عفو رئاسي لاشخاص مدانون بجرائم قتل ... فان كان نظام مبارك لفق لهم القضايا فلتكن عاقلا وتعيد محاكمتهم .. اما ان تصدر عفوا .. فقد ضربت بالقانون عرض الحائط .. فلا تتوقع مني احترام قانون انت اهدرته .... هذا النظام كان اضعف من التطهير ورغم ذلك تصدر المشهد بالاكراه فى اغلب الاحيان ... ومظاهر ضعفه اعلنت مع اول ايامه .. بل مع اول قرار لمرسي ...اتذكر قرار عودة مجلس الشعب ... لا اناقش هنا صحته من عدمه ولكن اناقش نتائجه ... انقسام البلد نصفين متساويين يا سيدي ... ثم استمرت مظاهر ضعفه بان اكتسب عداوات كان فى غنى عنها مع معظم طوائف الشعب .. القضاء ... كيف يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ان القضاة ثلاثة قاضي فى الجنة واثنان فى النار..ومين ...ده قضاه بيحكموا بما انزل الله مش بقوانين وضعية ... ثم تاتي لتقول لي تطهير القضاء ااصدقك ام اصدق رسولي الكريم ...اذن فدعواك لتطهير القضاء باطله .. ومع ذلم تفشل فىها .. الاعلام ... الصحافة ... الشرطة ... القوات المسلحة ... لم يتركوا كيانا للدوله الا وعادوه باي صورة ..اذن انت تهدم كيانات قائمة لم تستطع تقديم بديلا لها يغنينا عنها”
بالعكس، مرسي لم يعادي الداخلية ولا الجيش على الإطلاق؛ بل أصلاً مما ألومه على مرسي هو أنه صدعنا باسطوانة الجيش والحكومة إيد واحدة، والداخلية في انسجام تام مع الحكومة، وأهو الجيش إداله الخازوق التمام (عفواً في اللفظ) والداخلية بتدينا كلنا خوازيق النهارده. واسمع بعض خطابات الرئيس مرسي، حتلاقيه بيشكر في الجيش والداخلية وبيتكلم كويس عنهم.
بل الكثير من الثوار والإخوانوفوبيين وحتى بعض المفكرين الإسلاميين أنفسهم صدعونا باسطوانة ’صفقات الإخوان‘ مع العسكر. يبقى منين كان مرسي أو الإخوان بيعادوا الجيش أو الداخلية، ومنين كان فيه صفقات ومرسي كان بيُصِرّ في كل خطاباته إن الجيش تمام والداخلية في انسجام؟
عايز بقه تعرف مين اللي كان العداء صادر منه، افتكر منظر البلاك-بلُك وهُمَّ بيقفلوا طريق الكورنيش في الإسكندرية، والداخلية مصدّره الطارشة ولا كإن فيه أجهزة أمن في الدولة؛ افتكر منظر البلطجية وهُمَّ بيحدفوا مولوتوف على قصر الرئاسة، بل ويحاولوا يقتحموا القصر بالبلدوزر (!)، ومنظر ٦ إبريل وهُمَّ بيعلقوا رأس خروف مذبوح على بوابة قصر الرئاسة (!)، وكل ده والداخلية برضو مصدرة الطارشة، ولا كإن فيه دولة ليها هيبة ولا أجهزة أمن. شيء مخزي يعني. فدي أجهزة أمن لو كان عندها دم وضمير وإنصاف، لكانوا ردوا للحكومة كرامتها وحموا هيبتها من الإسفاف والوقاحة والإجرام ده. يبقى مين اللي كان بيعادي بس؟
وأظن إن موضوع العفو عن المعتقلين السياسيين ده لم يحدث إلا في حالات انعدام الأدلة. يعني في الحالات اللي كان المعقتل فيها دخل السجن بدون أصلاً محاكمة ولا أي أدلة، تم العفو عنهم لعدم تواجد أدلة إدانة (نعمل بيها أصلاً محاكمة أولى...مش ثانية! فاهمني؟). وبالفعل تم إعادة محاكمة البعض الآخر، لأني أتذكر قراءة خبر عن هذه المحاكمات.
أما عن هدم الدولة، فلا يوجد من ينادي بهدم الدولة في أي جهة كبيرة رسمية أو في صفوف متظاهري رابعة مثلاً. من عمل على هدم الدولة هو من عمل على هدم ديمقراطية الدولة، وبالتالي هدم الدولة. بذمتك يا أخي، وبضميرك الحيّ...أجب على هذا السؤال البسيط: لماذا لم يتم عمل استفتاء على رئاسة مرسي أو انتخابات رئاسة عاجلة بدلاً من خلع مرسي بالقوة؟
فيه إشاعة بتقولّك هُوَّ رفض. وهُوَّ أصلاً لم يصدر منه أي تصريح رسمي يقول كده. وهُوَّ النهارده مش موجود عشان يدافع عن نفسه، ولا فيه محاكمة عامة ليه تُعرض أمام الرأي العام على التليفزيون في حضور محامي له، كي يسمع الشعب أي تهم موجهة له ويسمع ماذا رفض مرسي وماذا قبل. لماذا لا يوجد محاكمة عامة تُبَث على الهواء على شاشات التليفزيون لرئيس مصر الذي خلعه العسكر؟ ولماذا خلعوه أصلاً بدلاً من إجراء انتخابات أو استفتاء ديمقراطي (ولو غصب عنه لو مش عايز!)؟
معلش يعني، خانك حكمك وانت بتثق في السيسي، وهُوَّ أصلاً اللي قتل الديمقراطية في مصر قبل ما يقتل أي مواطنين عزل. إحنا ما صدقنا يبقى فيه تدوال ديمقراطي للسلطة في بلدنا بانتخابات حقيقية وحملات انتخابية حقيقية ومرشحين حقيقيين من كل الاتجاهات (حتى من الفلول أو أعضاء النظام السابق مثل موسى وشفيق!). يقوم هُوَّ بعد كل ده، وبعد كل التضحيات والدم، بجرة دبابة كده يقتل الديمقراطية في أسبوع واحد؟! ثقة إيه بس اللي تضعها في قيادي مثل هذا؟ إنه قاتل للتداول السلمي للسلطة، وقاتل للديمقراطية في مصر، قبل أن يكون قاتلاً لأرواح.
“يا استاذي المعفو عنهم مدانوان باحكام نهائية وليسوا معتقلين ولم تعاد محاكمة احد ... اما ان خطابات مرسي ما كانتش ضد الجيش والداخلية فده صحيح تماما .. لكنه اطلق رجال جماعته عليهم .. خصوصا وقت موضوع الاتحادية ههههههه... وطبعا هما كانوا متخاذلين فى ديه مش هاكدب على نفسي ... اما انه ما رفضش الاستفتاء فطبعا اخر خطابين ليه كان واضح معناهم انه دمه ودم عشيرته فداء للشرعية .... نيجي بقى للديمقراطية وللشرعية ...قبل اي كلام عن التداول الديمقراطي للسلطة .. اذكرك بتصريحات اعضاء تيار اليمين بالكامل وعلى راسهم المرشد السابق اننا وصلنا للحكم ومش هانسيبه ولا بعد 500 سنة .. تصريح زي ده يرعبني طبعا ... مع زيادة المعارضة ودعوات انتخابات رئاسية مبكرة قالوا ايه ... فاضل سبع سنين لمرسي .. وثمان سنين لابو اسماعيل ... يعني حسم لنتايج تلات انتخابات رئاسية قادمة ... لازم طبعا اخاف من كلامهم ده ومش هاصبر عليهم لما ينفذوه ... اما عن الشرعية ... فلا يجوز الحديث عن شرعية شارك فيها وليد شرابي وحاتم بجاتو اللي الكل عارف هو طلع مناسب مين ... لا يجوز الحديث عن شرعية لم يتجرا مسئول واحد فى نظام حكم تيار اليمين فى طلب فتح تحقيق فى احداث المطابع الاميرية
لا يجوز الحديث عن شرعية استخدمت فيها منابر المساجد لتعلن صريحة ان من يخالفنا فهو فى النار ...هنا التزييف تزييف ارادة باستغلال الوازع الديني عند البسطاء ...وعندي امثله حقيقية كثيرة ان اردت سردتها لك بالاسماء .... اذن والحالة هذه .. وصوتي فى كل الاحوال مهدور ... والتزييف له من الصور ما تخجل الشايطين نفسها من استخدامه .. فلنترك الامر لمن يقدر عليه ..... حتما يا سيدي سنحارب .. وحتما المواجهة قادمة وليست بعيدة ابدا .. مادام الامر هكذا ..فامير الجيوش هو الاولى بالطاعة وان اخذ مالي وان جلد ظهري .. وذنبي فى رقبته ان ظلمني .. اما ان اتحمل ذنب امه فى رقبتي بان اعادي جيشا هو الاخير الذي يمكنه مواجهة اليهود واحقق لهم مخطط الهلال النظيف بعد هدم جيش العراق وتخريب جيش سوريا قهذا ذنب لا اطيق ان اقابل الله به يا سيدي ...”
موضوع تصريح المرشد بإن الإخوان مش حيسيبوا الحكم ولا بعد ٥٠٠ سنة ده تلفيق وإشاعة رسمي. بُص، أنا في تعاملي مع أي خبر، بأطالب بالدليل، حتى لو خبر ضد السيسي مثلاً؛ والدليل المقبول النهارده في عصر الفوتوشوب والأكاذيب والإشاعات اليومية ده هو حاجة من اثنين: إما فيديو يظهر فيه بوضوح التصريح أو الجريمة المتداول أخبارها؛ وإما منشور على صفحة رسمية تابعة للمتهم، يظهر عليها بوضوح أن المتهم في الإشاعة أو الخبر بالفعل قال أو كتب أو نشر ما يُقال عنه أنه قاله.
فهل سمعت بأذنك في فيديو المرشد بتاع الإخوان بيقول كده؟ إن كان، فأرجو أن تجد الفيديو وتعطيني الرابط؛ إن لم يكن، فأنا متأكد أنه خبر ملفق وإشاعة من مئات الإشاعات عن الإخوان والمرشد في ظل الإخوانوفوبيا التي نعيش فيها هذه الأيام.
وفي نفس الوقت، لا يجوز أن نلوم جماعة أو حزب سياسي إلا على ما يصدر منهم ومن أعضائهم هم شخصياً. يعني إذا طلع علينا أحد المشايخ، المحسوبين أصلاً على التيار الإسلامي، فقال كذا وكذا، سواء على منبر أو على شاشة قناة فضائية، طالما هذا الشيخ ليس إخوانياً وليس في حزب الحرية والعدالة، يبقى لا يجوز لأي عاقل أن يلوم الإخوان على سفاهات أي واحد بلحية عشوائي!
أما عن أمير جيشك المزعوم، فإذا كنت تتحدث عن الجيش المصري اليوم، فهذا جيش عالماني، يحظر عليك فيه اتباع سنة الرسول عليه الصلاة والسلام المؤكدة، وهي إطلاق اللحية، ونفس النظام ينطبق على الشرطة المصرية...كلها مؤسسات أمنية عالمانية لا تعمل على حماية مصر أو إرادة الشعب المصري بأغلبيته (وإلا لكانوا أصلاً أجروا استفتاءاً أو انتخابات لنرى بها جميعاً رأي أغلبية الشعب)، بل هي مؤسسات أمنية مصرية تعمل على حماية العالمانية في مصر. هذه هي الحقيقة التي يبدو أنك لا تراها. والدليل الثاني هو أن قائد الجيش الذي تفتخر به رتبته ليست ’أمير‘ أصلاً، بل رتبة عالمانية. فإن كنت تظن أنك تقابل الله حتماً بدون ذنب عظيم عندما تساند جيشاً عالمانياً بكل معاني وشواهد العالمانية، بل وتسانده ضد قسم من الشعب يطالب برجوع حكومة إسلامية منتخبة ديمقراطياً، فأنت تقود نفسك إلى تهلكة، وتستخدم أعجب الأسباب لتبرر لنفسك هذا! أي إسلام هذا الذي يدعو أي عاقل أو منصف أن يؤيد السيسي أو الجيش المصري اليوم؟ لا والله، ليس إسلاماً؛ بل هو فِكر ناتج عن التلاعب في الإسلام ومعالجة تعاليمه معالجة موجهة.
كان يمكنني أن أعذرك إن كنت محايداً، أما وأنك تؤيد السيسي، بل وتنعته بالإمارة، وتزعم أن جيشه جيش إسلامي، فهذا ضلال واضح وبيّن، وما بعده ضلال. بل إنه ضلال دمويّ، لأن يدل على استعدادك للانضمام إلى صفوفه في قتل المزيد من أهل التيار الإسلامي، واستفزازهم إلى حمل السلاح للمقاومة. وقد تظن أنهم بالفعل حملوا السلاح، ولكن هيهات هيهات أن تكونوا رأيتم مجاهدين حقيقيين في مصر بالسلاح! أنتم لم تروا أي شيء مثل هذا على الإطلاق حتى الآن. ومثل هذه التوجهات الفكرية هي ما تدفع بمصر إلى هاوية تكرار سيناريو سوريا وليبيا. والمشكلة هنا هي أن الجيش المصري العالماني لن يستطيع التغلب على مجاهدين إسلاميين يقاومون بالسلاح؛ بل إن الجيش سيتم تدميره بالفعل (وهذا في صالح إسرائيل بالتأكيد)، أو ستظل حرب الشوارع مثل سوريا...لسنوات تفتح شلالاً من الدماء في مصر، وقد ينتهي بتدخل أمريكي إسرائيلي ل ’إنقاذ‘ الموقف، نفس الحُجّة التي تستخدمها أمريكا اليوم للتدخل في سوريا.
“ليه كده خليك هادي زي ماكنت هههههههههه... شوف يا استاذ ياسين ..انت ناقشتني فى كذا حاجة وما رديتش على اي نقطة من نقاط تفنيد الشرعية التي ذكرتها لك ... واتهمتني بالضلال ... وده مش عتاب لاني اصلا مش زعلان من كلامك .. .اولا يا استاذي .انا لم انعت السيسي بالامارة يا سيدي هي وظيفته وافقت او رفضت ... وعلى فكره مرسي هو اللي عينه ههههههههه... شوف يا سيدي .. انا لا استطيع ان اخرج السيسي او اي احد من الملة ...فهو عندي مسلم يتراس جيشا مسلما فلا معنى للجدال فى هذه النقطة لان تصنيف حضرتك غير تصنيفي ...سيدنا على بن ابي طالب عندما سئل عن الخوارج الذين حاربوه هل هم كفار .. قال من الكفر فروا ...والقران الكريم قال وان فئتان من المؤمين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت احداهما فقاتلوا التي تبغي .. فرغم البغي والقتل والدماء لم ينزع القران عن اي من الطائفتين صفة الايمان ناهيك عن الاسلام ... اما اني على استعداد ان اشارك السيسي فى قتل المسلمين فلن يحدث ان شاء الله لاني كبرت على التجنيد جدا هههههه.. اعني ان قلبي رافض قتل المسلمين ...كون السيسي تطرف وتسبب فى الدماء (هذا رايي فعلا ) فحسابه على الله وليس علي من حسابه شئ .. ولن يكون هذا معذرة ابدا لحمل السلاح فى مواجهته .. ليس لانه على صواب ولكن دراء لمزيد من الدماء وشرحت لك مقصدي قبلا ... اما وان الحالة وصلت للمواجهة الان فان من يحمل السلاح ضد جيش بلدي فهو عدو لبلدي وان كان مسلما ... يا سيدي ... لولي الامر حق اصيل فى القتل حدا ... فهل كل قرارات القتل حدا سليمه ... بالطبع لا ... ولكن حساب الولى هنا على الله وليس على ... وكما قلت لك .. السيسي ولي الجيوش .. قبلنا ذلك او رفضناه لن يغير من الامر شئيا ...وعلى فكرة ترك سنة مؤكدة كاطلاق اللحية لاينقص من اسلام المرء شيئا .. صحيح هو خسر اجر الاتباع لكنه مسلم .. ولا تنسي يا سيدي ان فى وصف الحبيب صلى الله عليه وسلم للمهدي انه سيأتي على هيئة الرووم ... الهيئة هنا قد تعني الملبس .. والمظهر من اللحية وخلافه ... وايضا قال صلى الله عليه وسلم عن المهدي ... يصلحه الله فى ليله ... ولا اعلام اصلاحا الا لفاسد .. لا اصف المهدي هنا بالفساد معاذ الله ولكن اقصد المعنى من انه قد لا يكون ملتزما دينيا مثلا ...فانظر قبل ان تصنف وان تحكم ....”
وأنا لم أقصد التكفير بنعتي للجيش بالعالمانية؛ حتى وإن كانت العالمانية نفسها كُفر، فهذا لا يعني أن أي شخص يعمل بها أو يؤمن بها، ولكن في نفس الوقت يوحد الله، يمكن أن يكون كافراً، لا. ولكن في نفس الوقت، ليس كل من تشدق بلا إله إلا الله لفظياً...مسلماً بحق. مثلاً، حتى وإن قال حاكم ما ’لا إله إلا الله‘، ولكن عندما يُطالب بتطبيق شريعة الله، لا يطبقها، فإن الله يقول في كتابه الكريم: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّـهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}—المائدة: ٤٤. هذا غير الأحاديث العديدة التي تعني أن من يفعل كذا وكذا، ليس منا...أي ليس من الجماعة، ليس من المسلمين. هل هذا يعني أنه كافر؟ لا، ليس بالضرورة. فمن فهمي للإسلام أدرك أن هناك مراتب في مسألة الانتساب إلى المسلمين أو الجماعة، ومراتب في مسألة التكفير أيضاً. ومعلوم أن الجيش المصري مليء بجنود مسلمين موحدين بالله، ولكن هل هذا يعني أن الجيش نفسه إسلامي؟ ليس بالضرورة، لا. لأن عقيدة الجيش المصري ليس عقيدة إسلامية، بدليل بسيط وهو معاداة الجيش لكل ما هو ديني داخل المؤسسة، بل وإلى مرحلة تحريم إطلاق اللحية! هل يجوز أن ننعت جيشاً مثل هذا أنه إسلامي؟ لا والله، لا يجوز. هل معنى هذا أنه كافر؟ لا، ليس هذا المقصود أيضاً. وإنما المقصود هو أن هذا ليس الجيش الذي يعتز به المسلم الغيور على دينه وأمته؛ وهذا ليس الجيش الذي سيهزم الصهاينة. إن كنت تقرأ في دينك جيداً، فأنت ستعرف هذا بالتأكيد؛ لأن الرايات السود تأتي من شرق شبه الجزيرة العربية أصلاً، حتى وإن انضم لهم بعد ذلك الكثير من العرب.
وباختصار، هذا جيش يستورد حتى مصطلحاته من أمريكا، وليس فقط عتاده وأسلحته! ’الحرب على الإرهاب‘ مصطلح أمريكي أصلاً، والمفترض أنك والأستاذ سامح تدركون هذا جيداً. ليس كافراً وليس المقصود التكفير، ولكنه ليس جيشاً إسلامياً بأي حال من الأحوال؛ وإن اعتدى على مسلمين بالسلاح، فالوقوف مع جيش مثل هذا حرام عند أي مسلم عاقل. ليس شرطاً أن تحمل السلاح للمقاومة إذا حدثت مقاومة مسلحة، أي ليس شرطاً أن تساند المقاومة المسلحة له كي تحتفظ بإسلامك خالصاً ونقياً، ولكنه شرط أن تتحدث ضد اعتداء مثل هذا الجيش على الأقل، وإن كنت محايداً بعد تلك النقطة، يكون شاهد حياديتك هو أنك لا تعين الطرف الآخر على الجيش ولن تلوم على الجيش على أي شيء في اللحظة التي يتوقف فيها عن العدوان المسلح.
ويبدو أنك تضع ’بلدك‘ قبل ’دينك‘ يا أستاذ خالد؛ فأنت تقول أن من يرفع السلاح ضد جيش بلدك يكون عدو بلدك وإن كان مسلماً. والطريف في الأمر هو أن ردي بابتسامة هو: تمام، مفيش مشاكل. هُوَّ ساعتها فعلاً عدو بلدك، وفي سياق كلامنا، هو فعلاً مسلم؛ وإيه المشكلة إن المسلم يبقى عدو بلدك العالمانية يعني؟
واخد بالك أن أقصد إيه؟
ولائك لمين الأول؟ الله أم ’الأمير‘؟ ولائك لأي شيء أولاً، الإسلام أم الوطن؟ أنا عن نفسي ولائي الأول لله وللإسلام، والإسلام وطني ولا وطن ليه سواه. فإن كانت دولة مصر دولة إسلامية، فهي وطني؛ إن لم تكن دولة إسلامية، توقفت عن أن تكون وطني. وإن كان جيشها إسلامي، فهو جيشي وألبي ندائه؛ أما إن كان جيشها عالماني، فهو ليس جيشي ولا يمثلني ولو قال قائده لا إله إلا الله شفهياً وتبعه بعض المسلمين.
أما عن ترك السنة الواجبة فهو حرام. لا أعرف ما إذا كنت تدرك أن أئمة مذاهبنا الأربعة أفتوا بأن حلق اللحية حرام، أم لا تدرك، ولكن حلق اللحية حرام في مذاهبنا الأربعة، ولم يفتي بأنه مباح أو مكروه أو ما شابه إلا بعض الأئمة المعاصرين. ونعم، فعل الحرام لا يخرجك من ملة التوحيد، ولكن! ولكن تقنين الحرام؟ تجعل الحرام قانوناً وتجبره على جنودك؟ نعم، يا أخي، هذا يخرج من الملة! يعني واضع هذا القانون في الجيش والشرطة كافر؛ من وضع القانون ومن يعمل على استمرار هذا القانون كافر. وجهله ليس عذراً.
وليس المقصود من إصلاح المهدي تدينه يا أخي، ولو حتى مثلاً؛ ليس المقصود حتى قلة تديّنه، فإن قلة أو عدم التدين فساد؛ وإنما المقصود أن الله يقيمه إلى الأمر العظيم ومسئولية الأمة في ليلة، والله يحسن إليه بالمدد والرعاية العظيمة والإرشاد في ليلة. وهناك دلائل قرآنية على أن معنى الإصلاح ليس شرطاً فقط في الأخلاق، مثل الآية {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴿٢١٩﴾ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ (٢٢٠)}—البقرة. هذا غير دليل قرآني آخر لا علاقة له بكلمة ’صلح‘، ولكن يتضح منه أن المعنى في الحديث لا يمكن أن يكون متعلقاً بالفساد أو حتى قلة التدين: يقول الله تعالى محدثاً رسول الله (ص) {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ}—الضحى: ٧. فما معنى الضلال هنا؟ عندما تجيب على هذا السؤال، سيمكنك أيضاً أن تفهم معنى إصلاح الله للمهدي في ليلة.
“هههههههههه صدقني انا مستمتع جدا بالنقاش معاك ... يا استاذ ياسين الامر بحلق اللحية فى القوات المسلحة ليس لانها مظهر ديني معاذ الله ... انما لظروف الخدمة فى اماكن اغلبها صحراوي وقلة المياه للنظافة لايام قد تطول وطبيعة بلادنا الحارة نهي الجيش عن اي شعر فى الجسم حتى شعر الراس .. من باب النظافة ومنعا لانتشار اي حشرات او مراض ... ومش عايز اقولك كان بيتعمل فينا ايه فى الجيش لو حد سايب شعر ابطه ووالله لان خدمتى كانت فى فترة صعبة شوية كان الميري شديد عن العادة وكان مساعد كتيبتي بيتطرف فى التفتيش لحد شعر العانة .. ومعاه الولاعه .. اللي يلاقي فيه شعر فى اي حتة فى جسمه يحرقهوله فى الطابور ... المسالة مالهاش اي علاقة بالدين .. واعلم ان اجماع الائمة بتحريم حلق اللحية ....اما عن الولاء لله ولا للوطن فبمنتهي الصراحة انا مش شايف تعارض ... فمكة ارض صناديد الكفر وبرغم كل مافعلوه فى حرب محمد واصحابه الا ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال حين اجبر على الخروج منها والله انك لاحب بقاع الارض الي قلبي ... الي اخر الحديث ... هنا الاشكالية فعلا ...مافيش اي تعارض بين ولائي لديني وولائي لبلدي ... لان ما حدش فى بلدي حاربني فى ديني ...وبمنطق حضرتك يبقى اي حد مسلم عايش فى بلد زي امريكا او انجلترا ولا الدانمارك وكل اللي حصل منهم مثلا لازم يحارب الدولة اللي هو بياكل فيها عيش ولا مثلا لو فيه مراسل صحفي سعودي لوكالة انباء زي رويترز مثلا بيبعت لهم اخبار من مكه يبقى خاين للاسلام ولا بيحارب الاسلام ...اما عن الحاكمية يا سيدي وانه لا حكم الا بما انزل الله فهي طبعا كلمة حق من القران ولكنها يراد بها احيانا الباطل ... والقران يا سيدي امرنا فى بعض الاحيان بالاحتكام لبعضنا البعض ...في قوله ابعثوا حكما من اهله وحكما اهلها مثلا ... ورسول الله صلى الله عليه وسلم عندما مر بقوم يلقحون نخيلا لهم فقال لو لم تفعلوا لصلح ... فلما نفذوا امر الرسول صلى الله عليه وسلم وامتنعوا عن التلقيح اخرج النخل بلحا ردئيا .. فقال لهم الحبيب صلى الله عليه وسلم انتم ادري بشئون دنياكم ... حاذر يا سيدي من فخ الخوارج فى موضوع الحاكمية بالذات ... اعاذنا الله واياك ان نقع فىه .. وفهمت وجهة نظر حضرتك فى موضوع اصلاح المهدي”
أسباب حلق اللحية التي لقّنوها لك هي أسباب واهية، بل وأسباب نابعة من جهل عالماني. فالعالمانية علمها يقتصر على العلم الكوني والدنيوي المعاصر، وهو دائماً علم بدائي، تثبت بدائيته بعدها ببضع عقود من الزمن. فإن العلم الحديث بدأ في اكتشاف فوائد طبية وصحية للحية الرجل، ومنها حماية الأجزاء الحساسة من الوجه من الأشعة الضارة وتقليل نسبة الإصابة بسرطان الجلد؛ وكان هناك بحث أسترالي في هذا الشأن منذ فترة. وقد ذكر خبر البحث زيادة عدد المشاهير الرجال الغربيين ممن يطلقون لحاهم.
هذا غير أن هذه الحجج الواهية لحلق اللحية تكاد تتطابق مع حجج بعض النساء لعدم ارتداء الحجاب: ’أصلي الدنيا حر قوي، أتنفس إزاي بإيشارب في الحر ده، دانا أفطس وأموت في الجو بتاع بلادنا الحارة ده لو لبست حجاب‘، وإلى آخره من حجج واهية تسول لهن أنفسهن الاقتناع بها.
بناءاً عليه، فلا الجيش ولا الشرطة براء من الذنب، أو قياداتهم الآثمة ليست بريئة من الذنب لأن هدف تقنين الحرام ليس دينياً، بل عالمانياً! لا زالوا مذنبين، لأنهم فضلوا الجهل العالماني بأسبابه الواهية على طاعة الله وأوامره سبحانه وتعالى. الذنب لابسهم لابسهم يعني.
أم عن الولاء، فإن لاحظت في كلامك أنت نفسك، ولائك لم يكن في الأساس إلى أرض مصر وأمان شعبها، بل ولائك للجيش ولقائد الجيش (سميه ما شئت)، أي ولائك ’مُشَخْصَن‘ في أشخاص محددين، أنت بنفسك وفِكرك اخترت ولائك لهم، في نفس الوقت الذي اخترت فيه عدائك لخصوم هؤلاء الأشخاص. أليس كذلك؟ أليس هذا وصفاً دقيقاً جداً لموقفك الآن؟ فمثالك عن أن مكة كانت أحب بقاع الأرض لرسول الله (ص) مثال لا يليق بسياق حوارنا أو موقفك الآن. فأنا لا أتحدث عن وادي النيل ولا أتحدث عن الصحراء الغربية أو سيناء، بل أتحدث عن القيادات والأشخاص القائمين على هذه الأرض الآن. مثلاً، نفس هذه الأرض، كان قائم عليها ويقولدها في يوم من الأيام فرعون، الذي قال لبقية شعبه المصري: ’أنا ربكم الأعلى‘. فتخيل أنك في عهده، وعندك أسباب تراها منطقية، بل وأسباب دينية أيضاً، تسول لك أن يكون ولائك لجيش هذا الرجل، جيش فرعون، ضد موسى وبني إسرائيل...ووقتها يكون لك أسباب أقوى حتى من أسباب اليوم، لأن بني إسرائيل أصلاً كانوا يعتبرون أجانب ومواطنين درجة ثانية، فليسوا حتى مصريين في أعين فرعون وحاشيته وجيشه ومؤيدينه؛ يعني وقتها عندك سبب أقوى للوقوف مع فرعون وجيشه ضد هؤلاء ’الأجانب‘...الأجانب الذين يقودهم نبي الله موسى عليه السلام. في موقف مثل هذا، أين يكون ولاء الموحد الحقيقي، المسلم الذي أسلم أمره ووجهه لله حنيفاً؟ مع فرعون وجيش فرعون، أم مع بني إسرائيل المستضعفين وموسى؟ حتى وإن كنت تحب مصر وأهراماتها، فولائك لمصر نفسه يحتم عليك كمسلم أن تحب لمصر الخير، والخير كل الخير في الإسلام، فتحب لمصر الإسلام. وبالتأكيد فرعون لا يمثل الإسلام لله ولا يمثل التوحيد؛ أما هؤلاء الأجانب المستضعفين ونبيهم موسى، فهم يمثلون التوحيد والإسلام لله وحده، فيجب عليك نصرتهم، وتطهير أرض مصر من طغيان فرعون وجيشه الطاغي.
أظن أن موضوع الولاء والوطنية اتضح الآن ما أعنيه عنه بمثال فرعون وجيشه المصري أمام موسى وبني إسرائيل الأجانب. فأعيد السؤال: ولائك لمن؟ لله وللإسلام أولاً، أم لأشخاص يحكمون أرضك أولاً؟ لا تشخصن وطنيتك وحبك لأرض ما، حتى لا تقع في الذنب، أو الأسوأ...الكفر نفسه!
أما عن المحاربة، فلا، نحن لا نحارب الآخرين عشوائياً، بل نحارب فقط من يحاربنا، بل وبالأخص من يبدأ بالعدوان. وأظن أنه بعيداً عن الكلام المرسل والإشاعات عن بدأ الإخوان بالاعتداء المسلح والإرهاب وإلى آخره من إتهامات لم نرى دليلاً واحداً عليها...بعيداً عن كل هذا الهراء، المنصف يرى أن قوات الأمن المصرية هي التي بدأت بالعدوان على متظاهرين عزل، بل وبدأت بالقتل الصريح لهم، أو الأدق، الإبادة الجماعية لهم. صور وأسماء الشهداء المعروفين بالمئات، فما بالك بمن لا نعرف أسمائهم.
أما عن الحاكمية، والاحتكام لبعضنا البعض، فهو بالضبط ما وصفته أنت، هذا كلام أحياناً يصبح حقاً يراد به باطل. أن الله كما شرع للزوجين الإتيان من حكم من أهلها وأهله، فالله أيضاً قال: {نِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّـهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ}—الأنعام: ٥٧. وقال: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}—النساء: ٦٥. والرسول (ص) قال في الحديث الصحيح: «لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالقِ.» يعني الكلام واضح جداً إمتى نحتكم لبعضنا البعض؛ نحتكم لبعضنا البعض أو للقضاة والحكماء والمفكرين والأئمة اللي فينا في أمور عليها جدل ونقاش ومش واضحة؛ زي ما إحنا قاعدين نتجادل كده دلوقتي. ماهُو لو كان لينا كبير، مكناش قعدنا كده نهاتي في بعضنا، وكنا أرجعنا كل هذه القضية لكبيرنا وخلصنا. وبناءاً عليه، ففي أحكام شرعية واضحة ولا جدال عليها. يعني الحلال بيّن والحرام بيّن. والدليل القرآني يثبت بمنتهى الوضح أن من لم يحكم بأحكام الله، فهو كافر. وأصلاً كل هذا لا علاقة له وثيقة له بالخوارج، لأن الخوارج هم أشبه بفوضويين أو أناركيين عهد الخلافة الإسلامية؛ فإن من آراء الخوارج ’عدم حاجة الأمة الإسلامية لخليفة زمن السلم‘، وهذا هو بالضبط الفِكر الفوضوي أو الآناركي Anarchist.
أما نحن فلا نتحدث عما إذا كان هناك حاجة إلى حاكم أم لا (أو أن الشعب يحكم نفسه!)، بل نتحدث عن صاحب الحاكمية، وبديهي عندنا أن صاحبها طرف محدد، ولا يجوز أن يكون ’لا أحد‘. والفرق بيننا وبين العالمانية هو أن الحاكم عندنا هو الله، ووظيفة القاضي أو القائد أو الحاكم البشري هي أن يقيم حدود الله ويتأكد من تحكيم الله في الأرض. فإذا أصبح القائد يحرم الواجبات الإسلامية ويفرض الحرام، خرج ذلك القائد من الملة كلها، دعك من كونه لا يصلح للإمامة أو القيادة أو الحاكمية بعد ذلك.
—ياسين ركه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق