يشترط بعض الثوريين الغير إسلاميين، مثل الاشتراكيين والليبراليين وغيرهم، أن تتوقف ثورة رابعة عن المطالبة بعودة مُرسي أو الحديث عن شرعيته، حتى يقتنعوا بالانضمام إلى صفوف الثورة الحالية، تحت شعار رابعة. وهذا لعدم اقتناعهم لا بمرسي ولا بالإخوان في نظام الحكم. ومع أنني أحترم تماما حقهم في معارضة مرسي وحزب الحرية والعدالة، وأحترم حقهم في عدم تأييده، إلا أنني في نفس الوقت...
لا أوافق على اقتراح هؤلاء الثوريين، بدون تجريح أو معاداة لهم على الإطلاق. المسألة من منظوري لها شقّان: شق يتعلق بالمبدأ، وشق يتعلق بالدين.
أولاً، إن وضعنا الدين جانباً أصلاً (لو تجرئنا على هذا)، لكان مبدأ الديمقراطية نفسه ضد اقتراح هؤلاء الثوريين. لماذا؟ لأن الديمقراطية نفسها تم اغتيالها بهذا الانقلاب العسكري. يا سادة، من أتى بالصندوق لا يرحل إلا بالصندوق! يعني مثلاً، شاركوا واشترطوا أن يتم تنظيم استفتاء شعبي عاجل في الصندوق في مسألة بقاء مرسي من عدمه؛ أنا أقبل تماماً مثل هذا الاقتراح أو الشرط. ولكن وقتها أن تستفتي الشعب في الصندوق في مسألة بقاء الرئيس كما هو في منصبه (يعني الأول لابد أن يرجع إلى منصبه هذا وهو حقه الديمقراطي—دعك من مصطلح الشرعية)، ثم نسأل الشعب ماذا يريد، يبقى الرجل أم يرحل وننظم انتخابات رئاسية عاجلة؟
باختصار، الديمقراطية نفسها تدحض هذا الطلب لهؤلاء الثوريين.
ثانياً، من المنظور الديني أو الإسلامي، خاصة بالنسبة لي شخصياً، أنا أصلاً لي شرف عدم الاقتناع بثورة يناير من البداية، وإحساسي أن شرارتها—وخاصة توقيتها—كان أجنبياً وليس محلياً؛ يعني من اختار التوقيت لم يكن المصريون؛ وهذا إيماني بما قمت به من أبحاث ودراسة وقتها؛ ولي الشرف الأكثر في اقتناعي وإيماني بالامتداد الحالي للثورة، بثورة رابعة، أو الثورة التي ترفع شعار رابعة. وبعيداً عن نظريات المؤامرة التي قد لا تروق للبعض، عندي أسباب أخرى دينية لعدم اقتناعي بثورة يناير (وإن كنت قد سلمت للأمر الواقع بعدها وشاركت فيها دفاعاً عن الدماء التي تم إراقتها على الأقل)، واقتناعي بثورة رابعة؛ وهذه الأسباب تتلخص في أن نوايا معظم ثوار يناير كانت نوايا دنيوية عالمانية، ولا نحتاج إلى دليل على هذا أكثر من شعار الثورة الرئيسي: عيش، حرية، عدالة اجتماعية. يعني خذ بالك من المصطلحات نفسها، بالذات عدالة اجتماعية، مصطلحات يجتهد واضعوها اجتهاداً عميقاً في أن تكون عالمانية، فتفصل الدين عن المجهود، تفصل الدين عن الثورة. وقتها بعض الناس، ومنهم مسلمون كثيرون، كانوا مقتنعون بجدوى أو نفع هذا الأسلوب، بحجة توحيد الصف والكلمة وبقية هذه الاسطوانة. ولكن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ ومن ابتغى رضا الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن ابتغى رضا الله بسخط الناس، رضي الله عليه وأرضى عنه الناس. وشعارات ونوايا معظم ثوار رابعة اليوم هي أقرب لإرضاء الله من ثورة يناير بكثير؛ معظم ثوار رابعة يؤمنون أنهم يدافعون عن الإسلام السياسي نفسه، عن بقاء الإسلامي السياسي الحقيقي (بعيداً عن تزوير وتحوير حزب الزور بقياداته الفاسدة والتي يتبرأ منها الكثير من السلفيين الأخيار أنفسهم)؛ ويدافعون عن بقاء الشريعة، أو القوانين الإسلامية في الدستور المصري (وما يحدث في الدستور الحالي من ’بانجو‘ خير شاهد أنهم قد يكونون فعلاً على حق). يعني معظم ثوار رابعة قلوبهم مليئة بشعار ’هي لله‘، ومسألة رجوع مرسي إلى منصبه ليست لشخص مرسي وليست للإخوان، بل هي لأن هذا هو الحق، ولأن من جاء بالصندوق، لا يرحل إلا به. ولكن في النهاية، قلب القضية بالنسبة لمعظم ثوار رابعة في هاتين الكلمتين: هي لله.
وكما ذكرت، أنا لي شرف تأييد هذه الثورة من كل قلبي، واقتناعي بها. بالذات لأن النية قد تم إصلاحها. فإن دخل هؤلاء الثوريون الاشتراكيون وغيرهم في صفوفنا بشروط مثل هذه، فهذا يخفي خلفه أيضاً نوايا لا تمت بأي صلة لشعار ’هي لله‘؛ فهي عندهم ليست لله، بل لنظام اشتراكي أو ليبرالي أو ما شابه. فلا أهلاً، ولا سهلاً بمثل هذه النوايا. والله الغني، كما نقول؛ أو بمعنى أصح، حسبنا الله، ونعم الوكيل. وأنا أعني الكلمة بدون معاداة، أعني العربية الفصحى في الكلمات، وليس المعنى العامي الدارج؛ فإن مؤيدي السيسي أنفسهم يقولون ’حسبي الله ونعم الوكيل‘ كثيرا، وهم كاذبون. أما أنا الآن فأقولها وأعنيها؛ حسبنا الله، أي الله يكفينا؛ ونعم الوكيل، أي ونعم الله كالطرف الوحيد الذي نتوكل عليه.
وفي النهاية، المختصر المفيد هو أنه يوجد عندنا سبب ديمقراطي وسبب ديني لعدم الانصياع لطلبات هؤلاء الثوريين، مع كامل المودة لهم كأبناء وطن واحد. ولكن لا تنازلات في حق ديمقراطي، ونية دينية لإنقاذ الإسلام السياسي من أنياب العالمانية في الوطن.
—ياسين ركه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق