كجزء من الأبحاث التي أقوم بها هذه الأيام كي أجد بعض الإجابات، وقعت بين يدي بعض الأحاديث الشريفة التي جعلتني أفكر بعمق، وأحسست أني أريد مشاركة غيري في بعض الأسئلة، لعل أحدكم يلهمني بأفكار تفيدني أو يرشدني لشخص يعرفه عنده من العلم ما يمكنه من تقديم إجابات عميقة وشافية لهذه الأسئلة.
أولاً، كلمة "كل ميسر لما خلق له"، جعلتني أجد حديثين يعرضان فكرتين--في رأيي--مختلفتين تماماً. الفكرة الأولى متعلقة بقضية الإنسان مخير أم مصير، والفكرة لا أناقشها هنا على الإطلاق فإني مؤمن أن الله يعلم ما سنفعله ولكننا نفعل كل شيء بكامل اختيارنا فإننا مخيرون، ولكني أعرض الحديث لإثراء النقاش ولأن الكلمة تُذْكر كما هي في الحديث:
عن علي بن أبي طالب، قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد، قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد، وقعدنا حوله و معه مخصرة، فنكس رأسه وجعل ينكت بمخصرته؛ ثم قال: "ما منكم من أحد من نفس منفوسة، إلا وقد كتب مكانها من الجنة و النار، وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة"؛ فقال رجل: يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا، وندع العمل؟ فمن كان منا من أهل السعادة، فسيصير إلى عمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاء، فسيصير إلى عمل أهل الشقاء؟ فقال: "اعملوا، فكل ميسر لما خلق له؛ أما أهل السعادة، فييسرون لعمل أهل السعادة؛ وأما أهل الشقاوة، فييسرون لعمل أهل الشقاوة؛" ثم قرأ {فأما من أعطى و اتقى، وصدق بالحسنى، فسنيسره لليسرى، وأما من بخل و استغنى، وكذب بالحسنى، فسنيسره للعسرى}.
الراوي: علي بن أبي طالب
المحدث: ابن عبدالبر
المصدر: التمهيد - الصفحة أو الرقم: 7/6
خلاصة حكم المحدث: صحيح
أما الفكرة الثانية فهي الاعتدال في طلب الدنيا لأن الله ميسرنا، كلّ منا لما خلق له من الدنيا:
"أجملوا في طلب الدنيا فإن كلا ميسر لما خلق له منها"
الراوي: أبو حميد
المحدث: السفاريني الحنبلي
المصدر: شرح كتاب الشهاب - الصفحة أو الرقم: 357
خلاصة حكم المحدث: صحيح
وأجملوا بمعنى اتَّأَدوا واعتدلوا فلا تُفْرِطوا.
وفي رواية، وهي مفيدة لأنها تشرح سبباً آخر أكثر وضوحاً من أجل الاعتدال في طلب الدنيا:
"أيها الناس اتقوا الله، وأجملوا في الطلب، فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها، وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل، ودعوا ما حرم."
الراوي: جابر بن عبدالله
المحدث: الألباني
المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 2742
خلاصة حكم المحدث: صحيح
السؤال الذي يلحّ عليّ الآن بعد قراءة هذه الأحاديث والتفكير فيها، هو: ما هو المقصود بالتحديد بقوله، "فإن كلاً ميسر لما خُلِق له منها"؟ وقبل أن يظن المرء أن المقصود أو المعنى واضح، أضيف فأسأل: وإن كان المرء منّا ميسّر لما خُلِق له من الدنيا، فلماذا يدخل الكثير منّا في مجالات في الدراسة والعمل لا نحبّها على الإطلاق؟ ألم ييسر الله كل مرء منّا لما خُلِق له من الدنيا؟ إن كان هذا هو المعنى، فلماذا نجد أنفسنا في أعمال نكرهها ونجدها عسيرة جداً لنا وثقيلة على قلوبنا؟ نعم، نعم، قال الله تعالى في كتابه: "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ"، أي في تعب ومكابدة، لا في تعجيز وعسرة (فإن التيسير للعسرى يشترط معصيات من ضمنها البخل والاستغناء عن ثواب الله). والتأكيد على أن الآية لا تعني التعجيز والعسرة هو أن هذا المعنى يتعارض مع ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن كلاً منّا ميسر لما خُلِق له من الدنيا. فالسؤال لا زال يطرح نفسه: ما هو المعنى العميق بالتحديد المقصود بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إذا كان كل منّا ميسر، فما الذي يحدث لنا في طلب الدنيا ولماذا؟؟
لماذا نجد أنفسنا في أعمال ووظائف نبغضها؟ ولماذا نجد أنه من الصعوبة وأشدّ الصعوبة أحياناً أن نجد عملاً أو وظيفة نحبها وتحبنا؟ ولا أقول وظيفة سهلة ميسرة خفيفة، بل وظيفة صعبة وفيها مكابدة وكل شيء، ولكن نحبها! هل هناك مثلاً شروط كي ييسرنا الله لما خُلِقنا له من الدنيا؟ وإن كان، فلماذا لم يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الشروط في الحديث الشريف؟؟ لماذا قال: "فإن كلّاً ميسر"؟
وأرجو ألا يقفز ذهن القارئ للإجابات السريعة الواضحة، لأنني لا أسأل عن كيفية تيسير أمور حياتنا. إنه من المعروف أن التيسير العام في أمور حياتنا ذكرت بعض أسبابه في سورة الليل، والتي قرأها الرسول عليه الصلاة والسلام في أحد الأحاديث المذكورة أعلاه، وأيضاً المعاصي تجعل حياتنا أصعب وأكثر شدة وضغط وهكذا، ولكني لا أسأل عن أي من هذه الأشياء، بل أسأل عن التيسير لما خُلِقنا له من الدنيا، أي التيسير إلى رسالة كلّ منا في الحياة، أي التيسير إلى الوظيفة المثلى أو العمل المناسب، ولا أقول وظيفة الأحلام السهلة كمدير شركة في يوم وليلة، لا، ولكن أقول الوظيفة المثلى التي تأتي بمصاعبها ومكابدتها، ولكنه جهد نحبه لأن العمل نفسه يناسبنا ويناسب قدراتنا ومواهبنا. أليس هذا هو ما يشير إليه الحديث الشريف؟ وإن لم يكن، فما المقصود إذن؟ وكيف نحصل عليه؟
أسئلة لا أجد لها إجابات في الوقت الحالي، وأسأل الله أن يهديني إلى إجاباتها بطلب العلم والمشورة.
ملحوظة: يمكنك بالتأكيد التعليق باللغة الإنجليزية.
ملحوظة ثانية لمن يطبع العربية بالحروف اللاتينية (أو الإنجليزية): ولكن رجاءً إن اخترت أن تكتب العربية بالحروف اللاتينية ألا تكتب هكذا أكثر من جملة واحدة لأن أكثر من ذلك يكون عسيراً عليّ قراءته (ولعلي أتجرأ فأقول أنه يكون مزعجاً ومؤذياً للعين)، وإلى أن ييسر الله لك طباعة حروف لغتك كما تطبع حروف اللغات الأجنبية، يمكنك استخدام أداة جوجل لنسخ الحروف من اللاتينية إلى العربية على العنوان التالي:
http://www.google.com/transliterate
أولاً، كلمة "كل ميسر لما خلق له"، جعلتني أجد حديثين يعرضان فكرتين--في رأيي--مختلفتين تماماً. الفكرة الأولى متعلقة بقضية الإنسان مخير أم مصير، والفكرة لا أناقشها هنا على الإطلاق فإني مؤمن أن الله يعلم ما سنفعله ولكننا نفعل كل شيء بكامل اختيارنا فإننا مخيرون، ولكني أعرض الحديث لإثراء النقاش ولأن الكلمة تُذْكر كما هي في الحديث:
عن علي بن أبي طالب، قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد، قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد، وقعدنا حوله و معه مخصرة، فنكس رأسه وجعل ينكت بمخصرته؛ ثم قال: "ما منكم من أحد من نفس منفوسة، إلا وقد كتب مكانها من الجنة و النار، وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة"؛ فقال رجل: يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا، وندع العمل؟ فمن كان منا من أهل السعادة، فسيصير إلى عمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاء، فسيصير إلى عمل أهل الشقاء؟ فقال: "اعملوا، فكل ميسر لما خلق له؛ أما أهل السعادة، فييسرون لعمل أهل السعادة؛ وأما أهل الشقاوة، فييسرون لعمل أهل الشقاوة؛" ثم قرأ {فأما من أعطى و اتقى، وصدق بالحسنى، فسنيسره لليسرى، وأما من بخل و استغنى، وكذب بالحسنى، فسنيسره للعسرى}.
الراوي: علي بن أبي طالب
المحدث: ابن عبدالبر
المصدر: التمهيد - الصفحة أو الرقم: 7/6
خلاصة حكم المحدث: صحيح
أما الفكرة الثانية فهي الاعتدال في طلب الدنيا لأن الله ميسرنا، كلّ منا لما خلق له من الدنيا:
"أجملوا في طلب الدنيا فإن كلا ميسر لما خلق له منها"
الراوي: أبو حميد
المحدث: السفاريني الحنبلي
المصدر: شرح كتاب الشهاب - الصفحة أو الرقم: 357
خلاصة حكم المحدث: صحيح
وأجملوا بمعنى اتَّأَدوا واعتدلوا فلا تُفْرِطوا.
وفي رواية، وهي مفيدة لأنها تشرح سبباً آخر أكثر وضوحاً من أجل الاعتدال في طلب الدنيا:
"أيها الناس اتقوا الله، وأجملوا في الطلب، فإن نفسا لن تموت حتى تستوفي رزقها، وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل، ودعوا ما حرم."
الراوي: جابر بن عبدالله
المحدث: الألباني
المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 2742
خلاصة حكم المحدث: صحيح
السؤال الذي يلحّ عليّ الآن بعد قراءة هذه الأحاديث والتفكير فيها، هو: ما هو المقصود بالتحديد بقوله، "فإن كلاً ميسر لما خُلِق له منها"؟ وقبل أن يظن المرء أن المقصود أو المعنى واضح، أضيف فأسأل: وإن كان المرء منّا ميسّر لما خُلِق له من الدنيا، فلماذا يدخل الكثير منّا في مجالات في الدراسة والعمل لا نحبّها على الإطلاق؟ ألم ييسر الله كل مرء منّا لما خُلِق له من الدنيا؟ إن كان هذا هو المعنى، فلماذا نجد أنفسنا في أعمال نكرهها ونجدها عسيرة جداً لنا وثقيلة على قلوبنا؟ نعم، نعم، قال الله تعالى في كتابه: "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ"، أي في تعب ومكابدة، لا في تعجيز وعسرة (فإن التيسير للعسرى يشترط معصيات من ضمنها البخل والاستغناء عن ثواب الله). والتأكيد على أن الآية لا تعني التعجيز والعسرة هو أن هذا المعنى يتعارض مع ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن كلاً منّا ميسر لما خُلِق له من الدنيا. فالسؤال لا زال يطرح نفسه: ما هو المعنى العميق بالتحديد المقصود بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إذا كان كل منّا ميسر، فما الذي يحدث لنا في طلب الدنيا ولماذا؟؟
لماذا نجد أنفسنا في أعمال ووظائف نبغضها؟ ولماذا نجد أنه من الصعوبة وأشدّ الصعوبة أحياناً أن نجد عملاً أو وظيفة نحبها وتحبنا؟ ولا أقول وظيفة سهلة ميسرة خفيفة، بل وظيفة صعبة وفيها مكابدة وكل شيء، ولكن نحبها! هل هناك مثلاً شروط كي ييسرنا الله لما خُلِقنا له من الدنيا؟ وإن كان، فلماذا لم يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الشروط في الحديث الشريف؟؟ لماذا قال: "فإن كلّاً ميسر"؟
وأرجو ألا يقفز ذهن القارئ للإجابات السريعة الواضحة، لأنني لا أسأل عن كيفية تيسير أمور حياتنا. إنه من المعروف أن التيسير العام في أمور حياتنا ذكرت بعض أسبابه في سورة الليل، والتي قرأها الرسول عليه الصلاة والسلام في أحد الأحاديث المذكورة أعلاه، وأيضاً المعاصي تجعل حياتنا أصعب وأكثر شدة وضغط وهكذا، ولكني لا أسأل عن أي من هذه الأشياء، بل أسأل عن التيسير لما خُلِقنا له من الدنيا، أي التيسير إلى رسالة كلّ منا في الحياة، أي التيسير إلى الوظيفة المثلى أو العمل المناسب، ولا أقول وظيفة الأحلام السهلة كمدير شركة في يوم وليلة، لا، ولكن أقول الوظيفة المثلى التي تأتي بمصاعبها ومكابدتها، ولكنه جهد نحبه لأن العمل نفسه يناسبنا ويناسب قدراتنا ومواهبنا. أليس هذا هو ما يشير إليه الحديث الشريف؟ وإن لم يكن، فما المقصود إذن؟ وكيف نحصل عليه؟
أسئلة لا أجد لها إجابات في الوقت الحالي، وأسأل الله أن يهديني إلى إجاباتها بطلب العلم والمشورة.
ملحوظة: يمكنك بالتأكيد التعليق باللغة الإنجليزية.
ملحوظة ثانية لمن يطبع العربية بالحروف اللاتينية (أو الإنجليزية): ولكن رجاءً إن اخترت أن تكتب العربية بالحروف اللاتينية ألا تكتب هكذا أكثر من جملة واحدة لأن أكثر من ذلك يكون عسيراً عليّ قراءته (ولعلي أتجرأ فأقول أنه يكون مزعجاً ومؤذياً للعين)، وإلى أن ييسر الله لك طباعة حروف لغتك كما تطبع حروف اللغات الأجنبية، يمكنك استخدام أداة جوجل لنسخ الحروف من اللاتينية إلى العربية على العنوان التالي:
http://www.google.com/transliterate
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق