أغلب المصريين منشغلون بسذاجة المشاحنات المحلية بين جهات من أطراف الشعب، وأوهام خطورة أطراف أخرى في الوطن، مثل الإخوان مروراً بالأقباط وإلى الليبراليين المتأسلمين وغيرهم، وأعداؤنا الحقيقيون يحاولون تدمير الوطن وإسقاط الدولة وتخريب الاقتصاد بشتى الطرق، بمخططات خارجية وداخلية، وإشاعة الخوف والعداوة والفوضى.
ليتنا نفيق ونعي أن الوطن يجمعنا وأعداؤنا ليسوا مسلمين أو أقباط أو لا دينيين يتبعون الهوى والشهوات، وإنما أفراد وجهات داخلية وخارجية تحاول أن تحدث الفرقة والكراهية بيننا. وكل من ينشر كلمة تدعو إلى الخوف من طرف آخر هو مشارك في هذه الخطة لتشتيت وتفتيت الوطن، لأنه من الضلال أن ننشر الخوف أو العداوة، والحكمة فقط في نشر ما يحذر الآخرين من الانسياق وراء ناشري الخوف والعداوة، أياً كانت هوية أو فِكر أو دين ناشر الخوف هذا.
في رأيي أن الليبرالي المتأسلم الذي يريد أولاً أن يتبع شهواته وهواه لا يشكل خطراً على الوطن إلا إذا حاول إحداث العداوة ونشر الخوف، وفي نفس الوقت المسلم المتدين سواء من السلفيين أو الإخوان يصبح خطراً على الوطن إذا شارك في إحداث العداوة والفرقة. يجب علينا جميعاً أن نعي أننا لا يجب أن نفضح شخصاً أو ننقده أياً كان فكره إلا إذا كان يشكل خطراً على وحدة الوطن، أو يكرر كلاماً كالببغاء يساعد على إفشاء العداوة والخوف من الطرف الآخر. فيما عدى هذا، ليتنا جميعاً نتذكر آية "لكم دينكم ولي دين".
أنا مسلم، أحب ديني وأغار عليه بشدة، لست إخوانياً ولكن أدافع عنهم وأنقدهم بأدب عندما يتطلب الأمر، لست سلفياً ولكن أدافع عنهم وأنقدهم بأدب عندما يتطلب الأمر؛ أساند تطبيق أكبر كم ممكن من الشريعة الإسلامية بوسطية وحكمة وتدرج وبضمان حرية الاختيار لكل الأطراف طالما لم يؤذي أحدٌ المجتمع أو يؤثر على هوية الوطن وتقاليده ذات المرجعية الدينية، وأصِرُّ على أن هوية وطن بأغلبية مسلمة هي الإسلام، وأن الأقليات لا يُسَمّوا بهذا المصطلح سوى لأسباب تصنيفية بحتة ترجع إلى الأعداد ولكنهم جميعاً يمثلون جزءاً أصلياً يزيد الوطن إثراء وعمقاً وخصوبة وثقافة. في نفس الوقت أرفض العَالَمَانية والليبرالية والاشتراكية والرأسمالية والتحررية واللا سلطوية والفوضوية قلباً وقالباً وبشدة، ولكني أيضاً أرحب بالتعاون مع العَالَمَاني والليبرالي والاشتراكي والرأسمالي فيما نتفق عليه—مهما كان قليلاً—وبشرط أنه لا يكذب على ديني أو يقول شيئاً يشجع العداوة وينشر الخوف ويوسع الفجوات. طالما أنه يعبر عن رأيه وفِكره بموضوعية وأدب، فله دينه ولي ديني، والوطن يجمعنا وحب وحماية الوطن يدعوننا إلى التعاون قدر المستطاع. وبالرغم من أني أحب ديني وأن الطبيعي أن أتحد وأتعاون مع أخي المسلم، إلا أنه إن كان من النوع الذي يمشي في الأرض فينشر العداوة ويوسع الفجوة ويبث الخوف، فلا يطيب لي أن أتعاون معه أو أزامله تماماً كما أفعل مع العَالَمَاني وغيره ممن يفعلون هذا في الوطن وشعبه.
الاختصار هو أني أؤمن بالتعاون مع غير المسلم—سواء خالف الإسلام بدينه أو بفكره—طالما يختلف بأدب ولا ينشر الخوف أو العداوة أو الإشاعات أو الفساد في الوطن، وأرفض التعاون مع من يقوم بهذا وإن كان مسلماً بالدين والفِكر. أؤمن بأن العدو الحقيقي لنا جميعاً كمصريين أو كعرب هو من يخرج أموراً وقضايا بطريقة تنشر الخوف وتشيع العداوة وتحث على الفساد والفرقة والفوضى، وأن كل من يعيد نشر مثل هذه الأشياء هو مشارك في أذى الوطن بغض النظر عن دينه وفكره. أريدك أن تعرف أن سلامة الوطن تكمن في التعاون فيما نتفق عليه، ثم الحكمة تكمن في الاختلاف والنقد المتحضر المتأدب، والذي لا يخوّن أو يدعو إلى الخوف، فيما نختلف فيه. عدونا معنوي وهو الخوف، وليس فكري مثل الاختلاف؛ وعدونا المتجسد هو ناشر الخوف، وليس ذا الفكر المختلف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق